بين جبهة التحرير الجزائرية وحماس

18 يوليو 2017
فلسطينيون في غزة يرفعون علم الجزائر (محمود حمص/فرانس برس)
+ الخط -
كانت فلسطين العروة التي تشد العرب حين تهب رياح الخلافات ويدب الشقاق، والقضية التي لا تتضارب فيها المواقف، برغم بعض التفاصيل، لكنها في الجزائر أكثر من ذلك بكثير. هي الخط الأحمر، كما ثورة أول نوفمبر، الذي لا يسمح لا رسمياً ولا سياسياً ولا شعبياً بتجاوزه أو التطاول عليه وعلى رموزه، ذلك أن الجزائر، الدولة التي ولدت من رحم البندقية، والشعب الذي تحرر بفعل المقاومة والرصاص، يعرفان أكثر من غيرهما معنى الاحتلال والظلم والطغيان وقداسة المقاومة أيضاً.

في الخمسينيات كانت سلطات الاحتلال الفرنسي تصف ثوار جبهة التحرير الوطني في الجزائر بالإرهابيين، وتحاول كسر بندقية الثورة بالدعاية والخلط بين حق المقاومة وحركات الإرهاب. كذلك الاحتلال الصهيوني يفعل إزاء حركات المقاومة في فلسطين، فالاحتلال يشرب من مشكلة واحدة وملة واحدة أيضاً، شكلا ومضموناً، لكن عندما تستدعي حكومات عربية نفس مصطلحات الكيان الصهيوني وتستلهم من معجمه الطغياني المسميات والتوصيف، وحين تلتقي هذه الحكومات العربية مع الكيان الغاشم في نقطة تصنيف حركات المقاومة حركاتٍ إرهابيةً، ويمضغ سفراؤها – كما السفير السعودي في الجزائر- من المعجم نفسه، ويصنفون حركة حماس حركةً إرهابيةً، فيما لا ينبسّون ببنت شفة إزاء غلق الكيان الغاشم للمسجد الأقصى وثالث الحرمين الشريفين، نكون أمام ردة سياسية وتغيير مدمر في التاريخ والجغرافيا. 

في رواية "خربة خزعة" للروائي الإسرائيلي ساميخ يزهار، يرسم صورة للإنسان العربي الذي يستحق الموت دائماً، والذي يجب أن يكون مصيره الموت دائما أيضاً، وعلى أساس هذه العقيدة تأسست الدولة اللقيطة التي يمنحها بعض العرب شرفاً لا تستحقه، والحق في هدم المقاومة حين يصفون المقاومين بالإرهاب، بداية في حماس ووصولاً لاحقاً إلى المقاومين في الجبهة الشعبية والجهاد وفتح، وانتهاء بكل شاعر يكتب للمقاومة أو فنان يغني لها. ولم يحدث في التاريخ أن قرأ العرب المغتَصَبَة أرضُهم من نفس الكتاب مع شذاذ الآفاق الإسرائيليين، ولم تكن المواقف على توافق بين الطرفين حتى هذا الزمن الغريب، توحد الغاصب والمغتصبة أرضه على تجريم البندقية وتكفير المقاومة التي تقاوم لتحرير الأرض والإنسان ووسمها بالإرهاب، وصارت إسرائيل التي شربت من الدم العربي وما تزال، دولة صديقة وكيان سلام قابلاً للتعايش، وتلك من علامات اقتراب الساعة ونهاية الكون.

كانت تسمى فلسطين... ما تزال تسمى فلسطين، كانت مقاومة... لا تزال مقاومة.

 

المساهمون