تشير كل المؤشرات إلى أنّ رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينت، سيحاول إقناع الرئيس الأميركي جو بايدن، في لقائهما، اليوم الخميس، في البيت الأبيض بإحداث تحولين رئيسيين على سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة؛ وهما أن تغادر الولايات المتحدة نمط التعاطي الدبلوماسي في مواجهة المشروع النووي الإيراني؛ إلى جانب الوفاء بمتطلبات تحول إسرائيل إلى القوة الإقليمية التي ستملأ الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي.
وقد حرص بينت خلال لقاءاته بكل من وزيري الخارجية والدفاع الأميركيين، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، ومستشار الأمن القومي جاك سوليفان، على التشديد على أنّ الوسائل الدبلوماسية لم تعد تعطي الأمل في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، لا سيما في أعقاب إقدام طهران على زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم في منشآتها النووية.
وقد حاولت القيادة الإسرائيلية التأثير على موقف بايدن عبر إطلاق موجة من التهديدات باستخدام الخيار العسكري بشكل منفرد ضد المشروع النووي، شارك فيها كل من وزير الأمن بني غانتس، ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي.
ولكن كل المؤشرات تشير إلى أنّ المحاولة الإسرائيلية قد باءت بالفشل؛ حيث نقل موقع "والاه"، اليوم الخميس، عن مسؤول في البيت الأبيض قوله إنّ "الولايات المتحدة مازالت تعتقد أنّ الوسائل الدبلوماسية هي الفضلى لإحباط المشروع النووي الإيراني، وإجبار طهران عن العودة عن تجاوزاتها للاتفاق النووي".
وعلى الرغم من أنّ المسؤول الأميركي تحدّث عن "خيارات أخرى" يمكن أن تلجأ إليها الولايات المتحدة في حال فشلت الوسائل الدبلوماسية في ثني إيران عن خطواتها؛ إلا أنّ الانطباع الذي تكرس لدى دوائر صنع القرار في تل أبيب أنّ الولايات المتحدة لن تلجأ إلى الخيار العسكري، حتى في حال واصلت إيران خروقاتها للاتفاق النووي، كما ذكرت قناة "كان" الرسمية.
ولا يبدو أنّ حملة التهديدات الإسرائيلية المنسقة بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران بشكل منفرد، قد تركت انطباعات قوية لدى الأميركيين؛ حيث إنه يفترض أنّ الولايات المتحدة أصغت إلى عدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية السابقة التي شددت على أنه ليس بوسع تل أبيب شنّ عمل عسكري كبير ضد المنشآت النووية الإيران بمفردها، دون الحصول على الغطاء والدعم الأميركي؛ كما أكد ذلك مراراً، أخيراً، رئيس جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" السابق تامير باردو.
وإن كانت فرص تمكّن بينت من إقناع بايدن بالعدول عن الخيارات الدبلوماسية في التعاطي مع النووي الإيراني ليست كبيرة، فإنّه في المقابل يمكن أن ينجح في دفع الإدارة الأميركية إلى الوفاء بمتطلبات انفراد إسرائيل بملء الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة في المنطقة، بعد الانسحاب من أفغانستان وتوجهها للانسحاب من العراق.
وكما يرى المعلق السياسي في قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية، شموئيل روزنير، فإنّ المقاربة التي سيطرحها بينت على بايدن تستند إلى افتراض رئيس مفاده أنّ إسرائيل باتت الضامن الرئيس للحفاظ على المصالح الأميركية والاستقرار في المنطقة بعد انسحاب الولايات المتحدة منها، وستتولى عملياً مواجهة القوى الإقليمية الأخرى، لا سيما إيران وتركيا.
وبحسب روزنير، فإنّ بينت سيقول لبايدن إنّ نهوض إسرائيل بالدور الأميركي في المنطقة يتطلب منها أن تتحول إلى قوة عسكرية "كبيرة جداً جداً"، وهذا يعني تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية هائلة إلى إسرائيل لتحقيق هذا الهدف.
ووفق روزنير، فإنّ تشديد بينت على أنّ إسرائيل ستواصل الاستيطان وسترفض إقامة دولة فلسطينية، تحديداً عشية لقائه ببايدن لم تكن صدفة؛ حيث إنه يريد إرسال رسالة إلى الإدارة الأميركية مفادها أنّ الطرف الذي يترك المنطقة ليس بوسعه أن يطالب إسرائيل بتقديم تنازلات على صعيد الصراع مع الفلسطينيين.
وبحسب الاستنتاجات التي انتهى إليها يعكوف عامي درور، مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، في مقال نشره موقع قناة "12" الإسرائيلية، فإنّ فرص أن تبدي الولايات المتحدة بعد انسحابها من المنطقة اهتماماً أكبر باحتياجات إسرائيل الأمنية كبيرة؛ حيث لا يستبعد أن تتعاطى الإدارات الأميركية، بمعزل عن خلفياتها الحزبية، مع إسرائيل في أعقاب ذلك "كمركب من مركبات الأمن القومي الإسرائيلي".
وفي المقابل، فإنّ حديث بينت عن ضرورة تشكل "تحالف إقليمي" لمواجهة إيران، لا يعد تصوراً واقعياً، استناداً إلى التقديرات الإسرائيلية ذاتها. فحسب تقدير أصدره، أخيراً "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، فإنّه بعد عام على التوقيع على اتفاقات التطبيع، فإنه لم يحدث تحوّل على مكانة إسرائيل الإستراتيجية ولم تسهم هذه الاتفاقات في تحسين قدرتها على مواجهة إيران.
وواصلت القيادات العسكرية الإسرائيلية توجيه التهديدات إلى إيران بهدف ممارسة الضغط على واشنطن للتجاوب مع المواقف التي سيعرضها بينت على بايدن.
ففي مقابلة أجرتها معه، اليوم الخميس، إذاعة الجيش هدد هرتسلي هليفي، نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي باستخدام الخيار العسكري ضد إيران في حال واصلت تطوير برنامجها النووي.
واعتبر هليفي إيران "إشكالية مضاعفة، سواء على صعيد الملف النووي والتأثير الإقليمي"، مشدداً على وجوب أن تعمل إسرائيل بالشراكة مع الأميركيين أولاً في مواجهتها، مستدركاً أنه من الأفضل توسيع التحالف ضد إيران ليشمل أيضاً الدول الأوروبية وروسيا.
خطة بينت المقترحة
في الصدد، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنّ الخطة الإستراتيجية التي سيقدمها بينت إلى بايدن خلال لقائهما في البيت الأبيض، اليوم الخميس، لمواجهة المشروع النووي الإيراني تقوم على تعاون ثنائي وإقليمي.
وأشارت الإذاعة إلى أنّ الخطة تتحدث عن وجوب تشكيل تحالف إقليمي يضم إسرائيل ودولاً من المنطقة بهدف التصدي إلى المشروع النووي الإيراني، مشيرة إلى أنّ بينت سيعرض على بايدن أن تتعاون إسرائيل ودول المنطقة في التصدي للتمدد الإيراني في المنطقة والوقوف ضد عملياتها عبر البحار واليابسة والجو.
وبحسب الإذاعة، فإنّ خطة بينت تدعو إلى تشكيل لجنة إسرائيلية أميركية لمعالجة التهديد الإيراني، مشيرة إلى أنّ إسرائيل تصرّ على أنّ عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، لن تسهم في إقناع طهران بالتخلي عن تطلعاتها النووية.
وأوضحت الإذاعة أنّ خطة بينت تشمل أيضاً جملة من الإجراءات الاقتصادية التي يمكن توظيفها في الضغط على إيران للتراجع عن برنامجها النووي.
ونقلت الإذاعة عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنّ الولايات المتحدة عملت إلى جانب إسرائيل، أخيراً، بهدف مواجهة التظاهرات التي تالفصائل الفلسطينية على الحدود مع قطاع غزة.
ولفتت الإذاعة إلى أنّ الولايات المتحدة حمّلت "حماس" المسؤولية عن مظاهر "العنف"، مشيرة إلى أن واشنطن تواصلت مع مصر بهدف دفعها للإسهام في تهدئة الأوضاع.
وأضافت أنّ الأميركيين أشادوا بالتقارب الكبير الذي طرأ على العلاقة بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، وتحديداً في أعقاب الكشف عن اللقاء الذي جمع بينت وملك الأردن عبد الله الثاني.
وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، نقلت قناة التلفزة الرسمية "كان" عن مسؤول أميركي قوله إنّ بايدن "يدرك أنّ استئناف المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ليس احتمالاً واقعياً في هذا الوقت، ولكنه في المقابل يطالب باتخاذ خطوات من شأنها تقليص فرص انفجار أحداث عنيفة".
وفي تحليل نشرته، اليوم الخميس، صحيفة "يديعوت أحرنوت"، قال المعلق ناحوم برنيع، إنّ الرسالة التي أوصلها بينت إلى الإدارة الأميركية بشأن التعاطي مع القضية الفلسطينية مفادها: "لا محادثات مع أبو مازن (رئيس السلطة محمود عباس) ولا دولة فلسطينية وسيستمر البناء في المستوطنات، لكن لن يحدث ضم مناطق في الضفة الغربية لإسرائيل، وفقط ستسمح إسرائيل بتقديم حوافز اقتصادية للسلطة الفلسطينية".
وأضاف برنيع أنّ الأميركيين أبلغوا إسرائيل بأنهم سيقدمون الدعم لها في حال شنت عملية عسكرية جديدة ضد قطاع غزة.
وفي السياق، كشفت الإذاعة أنّ بينت طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اجتماعهما، أمس الأربعاء، بتقديم مساعدة إضافية بقيمة مليار دولار لتمويل شراء قذائف لمنظومة الدفاع الجوي "القبة الحديدية" التي تعتمد عليها إسرائيل في محاولة التصدي للصواريخ التي تطلقها الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة.