تأخذ المقاومة المسلحة في بلدة بيت أمر، شمال الخليل، جنوبي الضفة الغربية، منحى تصاعدياً منذ نحو نصف عام على تشكلها، وسط تعقيدات المكان بالنسبة للمقاومين في بلدة تتكالب عليها المستوطنات والحواجز العسكرية والطرق الاستيطانية، و"سلاح الفتنة" الذي يغذيه الاحتلال الإسرائيلي لافتعال شجارات عانت منها البلدة طيلة الفترة الماضية.
وكان لافتًا دخول المقاومة المسلحة منذ ستة أشهر فصاعداً إلى بيت أمر، حيث لم تكتف البلدة، التي يخنقها الاستيطان وحواجز الاحتلال، بالمقاومة الشعبية ورشق الاحتلال والمستوطنين بالحجارة، لتعلن مجموعة مسلحة تحمل اسم (كتائب شهداء الأقصى)، الذراع العسكرية لحركة فتح، نهاية ديسمبر/كانون الأول المنصرم، تبنيها عمليات إطلاق نارٍ على البرج العسكري المقام عند مدخل البلدة، كما أعلنت "بيت أمر منطقة محررة ومحرمة على الاحتلال" تبنيها عمليات إطلاق نار أخرى ضد الاحتلال.
فتنة يغذيها الاحتلال
في ظل تنامي المقاومة المسلحة في بلدة بيت أمر، يجهد الاحتلال الإسرائيلي في إنهاء هذه الحالة حتى لا تشكل نموذجاً أشبه بمخيم جنين وبلدة قباطية شمالي الضفة الغربية، عبر تغذية المشاكل الداخلية بين عائلات البلدة، وإثارة الفتنة من خلال شخصيات معينة تدعمها إدارة الاحتلال بالأسلحة الحديثة الثقيلة والرصاص، بحسب حديث منسق المقاومة الشعبية في بيت أمر يوسف أبو ماريا لـ"العربي الجديد".
يقول أبو ماريا: "لقد لاحظنا اقتحام قوات الاحتلال بيت أمر حينما أطلق مقاومون النار على مستوطنة (كرمي تسور) جنوب البلدة قبل أسابيع، ومداهمة المنازل ومصادرة أجهزة تسجيل لكاميرات المراقبة بحثاً عن المنفذين، لكن عند وجود إطلاق نار بين العائلات، يتفرّج الجنود على المشهد من دون تدخل".
مشاهد جديدة.. إطلاق نار متكرر يستهدف مستوطنة "كرمي تسور" المقامة على أراضي بيت أمر شمال الخليل.#فلسطين pic.twitter.com/F71i7Rq3KT
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) January 8, 2023
ويشدد أبو ماريا على أن "الاحتلال يدفع ببعض الأشخاص الذين لهم تربة خصبة للعمالة، وبدورهم يشعلون الفتنة لإخراج البلدة من حالة المواجهة مع العدو إلى المواجهة العائلية".
ولاحظ أهالي بلدة بيت أمر، وفق الناشط يوسف أبو ماريا، وجود أشخاصاً مسلحين ليسوا من سكّان البلدة يتدخلون بالمشاكل العائلية، ما يزيد تخوف الأهالي أمام هذه الظاهرة التي خلقها الاحتلال والتي تعلمها السلطة الفلسطينية، ولكنها لم تتخذ موقفاً حاسماً في الأمر ولم تعتقلهم على غرار اعتقال وملاحقة السياسيين.
مشاكل صغيرة تصبح كبيرة
من اللافت، بحسب عضو مجلس عشائر بلدة بيت أمر حابس العلامي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن المشاكل الصغيرة في البلدة تتحول إلى إشكاليات كبيرة من دون مبرر، مؤكداً أن دورهم كعائلات لم يتوقف في تطويق المشاكل العائلية التي ظهرت بشكل كبير منذ حوالي 8 أشهر.
ويحاول الاحتلال الإسرائيلي تصفية بلدة بيت أمر معنوياً، حيث يشدد العلامي على أهمية وجود دور توعوي تثقيفي متكامل من كل الجهات؛ لمواجهة مخططات الاحتلال، وضرورة تحلّي سكّان البلدة بالمسؤولية لعدم الانجرار إلى مشاكل سببها رسائل مجهولة المصدر بمواقع التواصل الاجتماعي.
الاحتلال يسعى كذلك لطمس المعالم النضالية عبر عصابات منظمة تفتعل حوادث إطلاق النار، وقضايا المخدرات، والعِرض (أي قضايا الشرف)، لتفتيت بيت أمر سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وفق ما يؤكده الأسير المحرر علاء الزعاقيق في حديث لـ"العربي الجديد".
يقول الزعاقيق: "من يحملون السلاح في المشاكل معروفون لدى السلطة الفلسطينية وللجميع، وغياب الحاضنة التربوية للشباب عبر المراكز الثقافية والمساجد انعكس على الحالة المجتمعية في بيت أمر"، مشيراً إلى أن الأجهزة الأمنية تصمت عن حاملي سلاح المشاكل العائلية، وتلاحق من يحمل ذرّة انتماء للدين والأرض، حسب تعبيره.
أين دور الأمن الفلسطيني؟
يتساءل نشطاء عن دور الأجهزة الأمنية الفلسطينية عند وجود مشكلات في بيت أمر، حيث يشير أبو ماريا إلى أن عناصر الأمن الفلسطيني، وحين وجود رايات فصائلية خضراء أو سمراء (في إشارة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي)، يتدخلون باقتحام البلدة سريعاً، ويصادرون الرايات، متسائلاً عن تأخر الأمن لساعات عند حدوث إطلاق نار خلال شجارات تقع بين العائلات.
ويشير أبو ماريا إلى أنه عند مراجعة شخصيات بالأمن الوقائي الفلسطيني لضعف تدخلهم بالمشاكل العائلية، يعللون ذلك بعدم موافقة الاحتلال على التنسيق الأمني لدخول البلدة، أو نتيجة تأخر الموافقة.
يعاتب عضو مجلس عشائر بيت أمر حابس العلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، مُحافظ الخليل جبرين البكري لعدم زيارته البلدة حتى الآن، رغم المطالبة بذلك، كما جرت مطالبة قيادة الأمن بضرورة إنهاء المشاكل، كما يشير إلى أنه "بحكم وجود البلدة في منطقة (ج)، ليس من السهل حل المشاكل".
وتواصل "العربي الجديد" مع مساعد محافظ الخليل جميل رشدي، الذي رد على الاتهامات التي طاولتهم بالتقصير في ملاحقة المطلوبين من العائلات، وجهدهم في ملاحقة النشطاء السياسيين، قائلًا: "هذا كلام غير صحيح، نحن لا نتدخل بالأحداث السياسية، وهذا ادعاء موتور وباطل تروجه الصحافة الصفراء، ونحن نتعامل بمهنية في كل القضايا".
ويؤكد رشدي أن الاحتلال منع الأجهزة الأمنية أكثر من خمس مرات من دخول بيت أمر لتطويق أحداث إطلاق النار، ما دفعهم لدخولها من دون تنسيقٍ أمني من خلال عناصر أمنٍ مسلحين بلباس مدني، لاحقوا المطلوبين بإطلاق النار، وكذلك تجار المخدرات، وتعرض حينها أفراد الأمن للخطر والأذى.
ويرى رشدي أن استمرار حالات الفلتان في بيت أمر ناتج عن عدم انصياع الشبان والمسلحين للأوامر، إضافة لوجود أطراف، تحركها أجندة الاحتلال، تدفع لتأجيج الاحتقان، مع أطراف خارجية أخرى تزوّد أطراف النزاع بالذخيرة والسلاح، وهذا ما تعلمه الأجهزة الأمنية وتسعى للقضاء عليه للحفاظ على بيت أمر، لأنها بلدة الشهداء والمقاومة.
وعلى الرغم من محاولات الاحتلال زرع الفتنة، فإن بيت أمر تشهد مواجهات متواصلة منذ أشهر مع قوات الاحتلال وسيارات المستوطنين، لتشكل نقطة ساخنة في جنوب الضفة الغربية، تعادل وتوازي سخونة وانتفاضة مثيلاتها في سلواد في رام الله، وبيتا في نابلس، وبلدتي جبع وقباطية في جنين، إلى جانب عشرات البلدات التي تمتد على خريطة الضفة الغربية وتشعل مواجهات يومية مع قوات الاحتلال.