- بوتين يعبر عن استعداد روسيا للتواصل مع الغرب حول الأمن والاستقرار الاستراتيجي، مؤكداً على أهمية التعاون والتفاؤل بمستقبل روسيا رغم التحديات.
- المقاطعة الغربية لمراسم التنصيب تبرز العزلة الدولية لروسيا، لكن حضور سفراء من فرنسا، المجر، وسلوفاكيا يشير إلى استمرارية بعض العلاقات الدبلوماسية.
أدى الرئيس الروسي الحالي المنتخب فلاديمير بوتين اليوم الثلاثاء، اليمين الدستورية للولاية الرئاسية الخامسة في مراسم تنصيب مهيبة جرت بقصر الكرملين الكبير بحضور مسؤولين رفيعي المستوى وشخصيات عامة.
وبعد أداء القسم، أعلن رئيس المحكمة الدستورية فاليري زوركين عن تولي بوتين منصب رئيس روسيا رسمياً. وبذلك سيقود بوتين البالغ من العمر حالياً 71 عاماً، البلاد لمدة ست سنوات أخرى، كما يحق له الترشح لولاية سادسة في عام 2030 بموجب الدستور الروسي المعدل في عام 2020.
ورغم أن بوتين يتولى ولايته الجديدة بموازاة تفاقم الأزمة في العلاقات الروسية الغربية بسبب الحرب في أوكرانيا، إلا أنه لمّح في كلمة ألقاها بعد أداء القسم إلى استعداد روسيا لإجراء اتصالات مع الدول الغربية، بما في ذلك في قضايا الأمن والاستقرار الاستراتيجي على أساس التكافؤ "لا من موقع القوة والغرور".
وقال بوتين: "الخيار متروك لهم بشأن ما إذا كانوا يعتزمون مواصلة محاولات ردع تنمية روسيا والسياسات العدوانية والضغوط المستمرة منذ سنوات أم البحث عن سبيل نحو التعاون والسلام". وعند توجهه بالحديث إلى الروس، أعرب بوتين عن قناعته بأن روسيا ستتجاوز المرحلة المفصلية الصعبة، وستحقق خططها طويلة الأجل ومشاريعها العملاقة، مضيفاً: "أثق في أننا سنتجاوز بجدارة هذه الفترة المفصلية الصعبة، وسنزداد قوة وسنحقق حتما المشاريع طويلة الأجل الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية".
واشنطن تقاطع مراسم تنصيب بوتين
ورغم المقاطعة الغربية الواسعة لمراسم تنصيب بوتين، إلا أنها جرت بحضور سفراء فرنسا والمجر وسلوفاكيا، فيما أوضح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن روسيا التزمت بالبروتوكول، ودعت سفراء حتى الدول "غير الصديقة" لحضور التنصيب.
وقاطعت واشنطن مراسم تنصيب بوتين بعدما أعلنت، الاثنين، أنها لن ترسل أي ممثل عنها لحضور المراسم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر للصحافيين: "لن يكون لدينا ممثّل في حفل تنصيبه". وردّاً على سؤال عمّا إذا كانت مقاطعة الولايات المتّحدة لهذا الحفل تعني أنّها تعتبر بوتين رئيساً غير شرعي، قال ميلر: "بالتأكيد لم نعتبر هذه الانتخابات حرّة ونزيهة، لكنّه رئيس روسيا، وسيظلّ كذلك".
وبذلك يتولى بوتين رئاسة روسيا للمرة الخامسة بعدما فاز من الجولة الأولى في انتخابات أعوام 2000 و2004 و2012 و2018 و2024، ليبقى رئيساً لروسيا لأكثر من ربع قرن باستثناء فترة قصيرة تولى فيها منصب رئيس الوزراء من عام 2008 إلى 2012 مراعاة لأحكام الدستور الروسي الذي كان يمنعه حينها من تولي الرئاسة لأكثر من ولايتين "متتاليتين".
في مثل هذا اليوم قبل 12 عاماً، أدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليمين الدستورية للولاية الرئاسية الثالثة، بعدما استثمر الثغرة الدستورية القاضية بمنع تولي الرئاسة لأكثر من ولايتين "متتاليتين"، عائداً إلى الكرملين بعد شغله منصب رئيس الوزراء لمدة أربعة أعوام. واليوم، يتكرر هذا المشهد مع أداء بوتين اليمين الدستورية للولاية الخامسة، بعدما أعفاه الدستور الروسي المعدل عام 2020 من احتساب ولاياته السابقة في الرئاسة، ولكن مع مجموعة من الاختلافات الجذرية بين الأوضاع الداخلية والخارجية للبلاد، وفي مقدمِها خوضها حرباً مفتوحة في أوكرانيا منذ أكثر من عامين.
وقبل تنصيب بوتين بيوم، شهدت موسكو في 6 مايو/ أيار 2012، تظاهرات حاشدة رفضاً لعودته إلى الكرملين، عُرفت إعلامياً باسم "تظاهرات ساحة بولوتنايا"، تخللتها اعتقالات واشتباكات بين المحتجين والشرطة، مشكّلة محطة انطلاق قطار الملاحقات السياسية بحق المعارضين. واتسمت السنوات التالية من حكم بوتين بتشديد قبضة السلطة على مفاصل الحياة السياسية في روسيا، بما في ذلك عبر سنّ مجموعة من القوانين المثيرة للجدل مثل قانون "العملاء للخارج"، وحجب المواقع ذات التوجهات المعارضة، ومنع التظاهرات المناهضة للكرملين.
من الانفتاح إلى الانغلاق
على صعيد السياسة الخارجية، ظلت موسكو بعد عودة بوتين منفتحة على العالم، واستضافت عام 2014 الدورة الشتوية للألعاب الأولمبية في منتجع سوتشي المطل على البحر الأسود، كما استبق ذلك الإفراج عن المالك السابق لشركة يوكوس النفطية العملاقة، ميخائيل خودوركوفسكي، الذي يُعد من أشرس خصوم الكرملين. إلا أن الوضع تغير بشكل جذري في مارس/ آذار 2014، حين أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم بموازاة الاضطرابات في كييف، وسقوط الرئيس الأوكراني الموالي لها، فيكتور يانوكوفيتش، وسط تنديد أوكراني وغربي بعملية الضم، وانطلاق مسلسل التوتر في العلاقات الروسية الغربية.
إعلامياً، سطع في تلك الفترة نجم الإعلامي الموالي للكرملين دميتري كيسيليوف، الذي كان له السبق بين زملائه في التلويح بالقدرات النووية الروسية من شاشة التلفزيون الحكومي، ملوحاً في إحدى حلقاته بإمكانية تحويل الولايات المتحدة إلى رماد نووي. وبذلك، تحوّل النظام السياسي في روسيا خلال الولايتين الثالثة والرابعة لبوتين من الانفتاح، إلى تشديد قبضة السلطة داخلياً، وفرض خطاب مواجهة الغرب والحروب بالوكالة خارجياً، مما سيتجاوز نطاق فضاء الاتحاد السوفييتي السابق، وسيتضح بجلاء بالتوسع الخارجي الروسي، بما في ذلك عبر التدخل العسكري المباشر في سورية عام 2015، وإنشاء شركة فاغنر العسكرية الخاصة.
وبحلول نهاية ولاية بوتين الرابعة، تبدو روسيا اليوم دولة مختلفة تماماً عما كانت عليه عند عودته إلى الكرملين، لجهة تفاقم الأزمة غير المسبوقة في العلاقات مع الغرب، وانقطاع حركة الطيران مع البلدان الأوروبية والغربية، وانسحاب كبريات الشركات العالمية من السوق الروسية، وتطبيق قوانين صارمة أشبه برقابة زمن الحرب بحق المعارضين المؤثرين للتدخل العسكري في البلد المجاور.
ومع ذلك، تبدو الأوضاع في روسيا مستقرة على المستويين الاقتصادي والسياسي، بعدما فشلت العقوبات الغربية في إلحاق ضربة قاضية بالاقتصاد الروسي، وميل كفة موازين القوة لمصلحة روسيا في ساحة المعركة الأوكرانية، إثر تأخر الدعم العسكري الأميركي لكييف لأشهر طويلة.
كيف جرت مراسم التنصيب؟
أثناء التنصيب، وضع الرئيس يده على الدستور وأؤدى اليمين الدستورية، ناطقاً بنص القسم الوارد في المادة 82 من الدستور: "أحلف يميناً أن أحترم عند أداء مهام رئيس روسيا الاتحادية، حقوق وحريات الإنسان والمواطن وأن أحميها، وأن ألتزم بدستور روسيا الاتحادية وأحميه، وأن أدافع عن سيادة الدولة واستقلالها وأمنها ووحدة أراضيها، وأن أخدم الشعب بإخلاص".
وبموجب القانون الروسي، تتقدم الحكومة باستقالتها بعد تنصيب الرئيس المنتخب الذي يعيّن رئيس حكومة مؤقتاً لتشكيل مجلس الوزراء، وهو بدوره يقدم ترشيحات الوزراء للرئيس للمصادقة على أسمائهم. وفي وقت تتم دعوة سفراء الدول الأجنبية المعتمدين لدى روسيا لحضور مراسم تنصيب الرئيس في الكرملين، أوضح معاون الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، أمس الاثنين، أنه تقرر توجيه الدعوات إلى جميع السفراء، بمن فيهم سفراء "الدول غير الصديقة"، أي تلك الدول التي فرضت عقوبات على روسيا، هذه المرة أيضاً.
وتجدر الإشارة إلى أن مراسم تنصيب أول رئيس روسي، بوريس يلتسين، جرت قبيل تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، ورفع بعدها علم جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفييتية إلى جانب العلم الأحمر السوفييتي، فيما ألقى يلتسين وآخر زعيم سوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، كلمتين بهذه المناسبة. أما بوتين، فأدى اليمين الدستورية رئيساً لروسيا لأول مرة عام 2000، وذلك بعد أشهر عدة على إعلان يلتسين تنحيه عن الرئاسة ليلة الألفية الجديدة، دون أن يتصور أحد حينها استمراراً لحكمه لأكثر من ربع قرن.