فتحت الاستقالة التي تقدم بها سعد الحريري من زعامة "تيار المستقبل" وإعلانه تعليق عمله في الحياة السياسية الباب على مصراعيه أمام شقيقه الأكبر بهاء لدخول المشهد السياسي اللبناني المعقّد بقوّة من باب "الوراثة السياسية".
الطموح السياسي لبهاء الحريري (55 عاماً)، لم يكن وليد اللحظة، ولعلّ ملامحه بدأت بالظهور منذ زمن اغتيال والده رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، حين بايعته الجماهير الغاضبة حينها، قبل أن يتم الدفع بشقيقه الأصغر سعد لـ"متابعة مسيرة والده".
أعلن الابن البكر للحريري أمس الجمعة دخوله الحياة السياسية اللبنانية، قائلا إنه سيواصل مسيرة والده. وأضاف بهاء في كلمة متلفزة: "سوف نخوض معركة استرداد الوطن واسترداد سيادة الوطن من محتليها. سوف أستكمل مسيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري"، مشيرا إلى أنه سيكون في لبنان قريبا.
رسالة من بهاء الحريري.. 🇱🇧 pic.twitter.com/mNkHKVNDpr
— Bahaa Rafik Hariri (@bahaa_hariri_) January 28, 2022
وتثار تساؤلات حول مدى قدرة بهاء الحريري على ملء الفراغ في الطابع التمثيلي الواسع الذي يمثله شقيقه داخل الطائفة السنية، والذي يتوزع على المناطق اللبنانية كافة، علماً أنه يتقدّم قائمة الشخصيات الأكثر حماسةً لخلافة سعد.
بهاء، الذي تخرّج من جامعة بوسطن الأميركية ويحمل الجنسية السعودية كما شقيقه سعد، عاد للظهور في الساحة اللبنانية أواخر عام 2019 من بوابة الانتفاضة الشعبية. واختار حينها السير عكس "تيار المستقبل"، خطاباً وتوجهاً، فكان على النقيض من شقيقه سعد حامل شعلة مواجهة "حزب الله"، حاذفاً كل سقوف العبارات الملطفة الدبلوماسية من أجندته التي تضمنت مغازلة للشارع اللبناني الذي انتفض في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، وثار بوجه الطبقة السياسية وأسقط حكومة سعد الحريري آنذاك.
خطوات تكاد تكون متطابقة
ومع ذلك فإن أوجه الشبه بين سعد الحريري وشقيقه الأكبر بهاء عديدة. اتّبع الشقيقان خطوات تكاد تكون متطابقة في مسيرتهما المالية التي انطلقت من عباءة والدهما رفيق الحريري. وإن شكّل اغتيال الحريري الأب عام 2005 مدخلاً لخلافة سعد والده في المسيرة السياسية، وتحوّل بهاء إلى إدارة إمبراطورية أعماله من دون الالتفات إلى الشأن السياسي اللبناني، فإن الأخير تصرّف كما قد يتصرف سعد عندما ارتدت خلافاتهما المالية طابعاً سياسياً.
لم يتردد بهاء سابقاً في مهاجمة شقيقه سعد واتهامه بالتراخي في مواجهة الأزمات، والتصدي لـ"حزب الله"
وقبل سنوات انفصل عن شقيقه سعد مالياً من خلال بيعه حصته في شركة "سعودي أوجيه" التي تمتلكها العائلة قبل معاناتها من مشاكل مالية أوصلتها لمرحلة الإفلاس.
وقرّر بهاء، رجل المال والأعمال، تدعيم حراكه السياسي بمنبر إعلامي يحمل اسم "صوت بيروت إنترناشونال"، وسرعان ما ثبّت موقعه على الساحة، مستعيناً بصحافيين ومقدِّمين معروفين، ومن الصف الأول، وصوّب سهامه نحو "حزب الله" بالدرجة الأولى، وغازل الحلفاء والأصدقاء الداخليين والخارجيين، تحضيراً لمشوار الانتقال إلى الحكم، رغم أنه كان ينكر سعيه إليه.
كذلك أعلن بهاء دعمه حركة المنتديات في لبنان والقائمين عليها، والتي أكد أنها تعتنق مطالب الثورة المحقة وتشارك بشكل فعال في ثورة الشعب اللبناني على منظومة الفساد والسلاح غير الشرعي.
ولم يتردد بهاء سابقاً في مهاجمة شقيقه سعد واتهامه بالتراخي في مواجهة الأزمات، والتصدي لـ"حزب الله"، وشنّ في مايو/أيار 2020 هجوماً على الطبقة السياسية التي حكمت لبنان بعد تاريخ اغتيال والده عام 2005 والتي يُعَدّ سعد ركناً بارزاً فيها.
وقال بهاء إنه "بعد عام 2005 ذهب غالبية السياسيين والأحزاب إلى تكديس القوة والأموال على حساب الوطن ومصالح المواطنين وعقدت التحالفات الرباعية والخماسية على قاعدة أصمت عن سلاحك واستباحة حزبك للسيادة الوطنية وأنت تسكت عن صفقاتنا وسرقتنا للمال العام، فكان الضحية لبنان وأهله والثقة الدولية".
لكن المفارقة الإقليمية تُبقي حظوظ بهاء قائمة في استكمال المسيرة السياسية لـ"المستقبل" بدلاً من سعد، بعدما لم تُفلح هتافات أنصار "المستقبل" بحياة "الشيخ بهاء" في تحوّل الابن الأكبر لرفيق الحريري، إلى وريثه السياسي، عام 2005. وقالت مصادر سياسية متقاطعة في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، وواكبت عائلة الحريري بُعيد الاغتيال، إن الرأي السعودي كان حاسماً في ترجيح كفة سعد على حساب أخيه الأكبر.
وظهر بهاء في صورة مهزوزة وهو يطلب من أنصار "تيار المستقبل" الابتعاد عن ضريح والده لإقامة صلاة الميت عليه. ناشدهم بـ"يا أيها القوم"، وبقيت العبارة الشهيرة إلى اليوم مدار تندّر في لبنان، على اعتبار أن من يخطب في الناس بمثل هذه العبارة، يمكن أن يكون إمام مسجد لا رجل سياسة في بلد شديد التعقيد مذهبياً وطائفياً مثل لبنان.
حظوظ بهاء الحريري في تولي قيادة "تيار المستقبل" قد لا تكون هينة بالنظر لغيابه الطويل عن لبنان
صحيح أن بهاء ظل بعيداً عن الإعلام، بما أنه أُبعد عن الوراثة السياسية للتفرّغ لعالم الأعمال والأموال، إلا أنه ظلّ حاضراً عن بُعد، مطروحاً، ولو نظرياً، بالنسبة للبعض، لاستبدال أخيه في حال فرضت الظروف ذلك. وربما اليوم، يظن بهاء أن هذه الظروف صارت متوفرة، بعدما اختار سعد الحريري ترك العمل السياسي إلى حين.
هل يقبل الشارع بزعامة بهاء؟
إلا أن حظوظ بهاء الحريري في تولي قيادة "تيار المستقبل" قد لا تكون هينة بالنظر لغيابه الطويل عن لبنان، وبالتالي عدم اطلاعه عن قرب على المشاكل التي يتخبط فيها البلد، وكذا مدى قدرته على نيل ثقة أنصار "تيار المستقبل".
وفي هذا الصدد، أكد رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام في بيروت خلدون عريمط (يتبع دار الفتوى اللبنانية) لـ"العربي الجديد" أن "الشارع هو الذي يقرّر ما إذا كان بهاء الحريري قادرا على الحلول مكان سعد الحريري أو لا، حيث إن الشارع الإسلامي وخاصة أهل السنة بقسمٍ كبيرٍ منهم يرون بالرئيس سعد ممثلاً لهم، وبهاء حتى الآن لم يقدم أي شيء على الأرض أو يؤكد إذا كان بمقدوره أن يلعب هذا الدور أو لا".
وأضاف عريمط أن "هذا الموضوع يبقى سابقاً لأوانه ولا سيما أن بهاء بعيد عن الساحة اللبنانية وعن أوضاع لبنان ولم نطلع حتى الآن على ما يريده، وعلى ضوء المعطيات المتوفرة يبنى على الشيء مقتضاه".
واستبعد عريمط أن يكون في وسع بهاء استكمال مسيرة والده من خارج جمهور "تيار المستقبل" الذي يشكل امتداداً لجمهور رفيق الحريري خاصةً أن بهاء وعلى مدى 16 عاماً تقريباً لم يتواجد على الساحة اللبنانية ولم يدخل في مشاكل لبنان والتحديات التي عاشتها البلاد بعكس شقيقه سعد الذي كان يزور كل المناطق اللبنانية ويعرف بيروت بشوارعها وقواها المتعددة.
الحريري أو "تيار المستقبل" لا يختزلان الطائفة السنية التي تمتاز بتنوعها وتعددها
وختم عريمط تصريحه بالقول: "لا أعرف إلى أي مدى يمكن لبهاء أن يثبت وجوده من خارج جمهور المستقبل الذي لا يزال كبيراً سواء في بيروت أو الشمال والبقاع وصيدا جنوباً وحتى في جبل لبنان وإقليم الخروب".
في المقابل، كانت لافتة تغريدة النائب الذي يمثل "الحزب التقدمي الاشتراكي" (بزعامة وليد جنبلاط) فيصل الصايغ التي أكد فيها أن "السياسة لا تعرف الجمود والفراغ والواضح أن الشيخ بهاء الحريري قد اتخذ قراره بالحفاظ على الإرث الوطني للرئيس الشهيد رفيق الحريري والعمل على تعزيزه وإعادة تصويب مساره، وهو يتوقع من المخلصين وفي طليعتهم شقيقه مواكبة جهوده ودعم عملية إنقاذ لبنان وإعادته إلى الحاضنة العربية والمنظومة الدولية".
وتعرض الصايغ عبر "تويتر" لهجوم كبير من جمهور تيار المستقبل الذي شدد على أن موقفه معروف وهو أن سعد الحريري ممثله الوحيد وأصواته الانتخابية لن تذهب إلى بهاء الحريري وكل من يتحالف معه، وأن من ليس لديه وفاء لشقيقه لن يكون وفياً للبلد وأهل السنة.
على صعيد ثانٍ، لا تخفي أوساط سنية من خارج دائرة الحريري غضبها من طريقة مقاربة التمثيل السياسي والنيابي للطائفة السنية وتؤكد أن كل ما يحصل منذ يوم الاثنين، من لقاءات ومواقف، وتصريحات خير دليل على ما كانوا يكررونه دائماً بأن الحريري أو "تيار المستقبل" لا يختزلان الطائفة السنية التي تمتاز بتنوعها وتعددها.