بقايا "داعش" في العراق... خلايا نائمة وأخرى نادمة

27 يناير 2018
معتقل مشتبه بانتمائه لداعش في الموصل (صافين حامد/فرانس برس)
+ الخط -


بين القاعدة العسكرية الأميركية في ولاية كاليفورنيا ومعسكر المطار، غربي العاصمة العراقية بغداد، أنجزت مجموعة من الضباط الأميركيين والعراقيين ما يمكن اعتبارها خارطة جديدة لتنظيم "داعش" في العراق بعد انكساره العسكري الكامل في البلاد نهاية العام الماضي واستعادة السيطرة الحكومية على كل المدن والمناطق التي كانت تخضع لاحتلاله.
وتأمل السلطات العسكرية العراقية الانتهاء من إعداد خطة مواجهة بقايا تنظيم "داعش" من خلال عمليات المسح والتحليل المعلوماتي بمساعدة وحدة عمليات خاصة في وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" بهدف منع أي انتكاسة أمنية أخرى في مدن شمال وغرب العراق فضلاً عن العاصمة بغداد، من خلال تتبّع بقايا مقاتلي التنظيم الذين يُقدّرهم التقرير بنحو ألف مقاتل فقط.

وبحسب جنرال عراقي رفيع شارك في الحملة العسكرية الأخيرة على بلدة الحويجة (250 كيلومتراً شمال بغداد) لتحريرها من تنظيم "داعش"، فإن العدد المقدر لعناصر التنظيم المتبقين حتى مطلع الشهر الحالي هو نحو ألف مقاتل، من بينهم 20 في المائة مقاتلون أجانب وعرب، وينتشرون في مناطق صحراء العراق الغربية الشاسعة وسلسة جبال حمرين والمنطقة المحصورة بين الموصل وحديثة، شمال وغرب العراق، المعروفة باسم البادية والجزيرة.
إلا أنه وفقاً للجنرال نفسه، الذي تحدث لـ"العربي الجديد" عن التقرير، فإن "نصف مقاتلي داعش المتبقين في العراق اليوم عبارة عن خلايا نائمة أو خاملة، وأخرى تضرب وتهاجم ثم تعود للسبات، وهذا ما جرى في عملية رصد هجمات ديالى والموصل وكركوك وهيت في الأسبوعين الماضيين"، لافتاً إلى أن "القوات العراقية نجحت أخيراً في تحقيق تقدّم كبير على الجانب الاستخباري في تتبّع تحركات التنظيم".

وحول فحوى التقرير العسكري العراقي الأميركي، يشير المسؤول العراقي إلى أنه شمل عدة نقاط وخطوات مهمة في تتبّع آثار مقاتلي "داعش"، منها إنشاء قاعدة بيانات عن كل عنصر منهم وأقربائه ومكان سكنهم ومراقبة من يتوقع تردده عليهم فضلاً عن تخصيص مكافآت مالية كبيرة، كما يسمح بمراقبة الهواتف النقالة في مناطق معينة والتنصت عليها وفقاً لقرارات قضائية نافذة تلزم شركات الاتصالات بالتعاون مع استخبارات الجيش. ويلفت إلى أنه "من المتوقع أن تستمر العمليات الإرهابية في العراق من قبل مسلحي داعش الحاليين لعامين لكن على نحو تراجعي مع مرور الوقت واستمرار عمليات المطاردة".
ويربط التقرير ذلك بنجاح الحكومة في سياستها العامة في البلاد مع العراقيين السنّة والأكراد ومعالجة تركة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي التي أدخلت العراق في دوامة من العنف راح ضحيتها أكثر من ربع مليون عراقي بين قتيل وجريح في غضون عامين، فضلاً عن تشريد قرابة الستة ملايين عراقي وتدمير ما يقارب 180 مدينة وقضاء وناحية وبلدة إضافة إلى آلاف القرى والقصبات العراقية بشكل كامل أو شبه كامل.


في المقابل، يؤكد أكثر من مسؤول عراقي، بينهم ضباط في الجيش العراقي وأعضاء في مجالس محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، وجود ما أطلق عليه أحدهم "خلايا نادمة" من مقاتلي "داعش" المحليين، الذين اختاروا إلقاء السلاح والتواري عن الأنظار مع النازحين ضمن الموجات التي انتقلت إلى المخيمات أو إلى إقليم كردستان العراق وباقي مدن البلاد بعد تيقّنهم من خسارة المعركة أو اكتشافهم الحقيقة في وقت متأخر جداً.

ويقول العقيد فاضل الدليمي، من قيادة الجيش العراقي المسؤولة عن المحور الغربي للعراق، إن "عدد من ألقى السلاح وترك داعش أكثر بكثير من الذين ما زالوا يقاتلون أو يهاجمون ويشكلون تنظيمات أو خلايا خيطية تعمل في العراق اليوم بشكل غير منسق".
ويضيف الدليمي في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك ما لا يقل عن 3 آلاف شخص جميعهم من السكان المحليين في محافظات نينوى والأنبار وكركوك وصلاح الدين ومدن أخرى تورطوا بشكل أو بآخر مع داعش بطرق وأشكال مختلفة، بينهم مقاتلون وآخرون مناصرون ومساعدون ضمن الدواوين التي أنشأها التنظيم خلال احتلاله للمدن في السنوات الثلاث الماضية، مثل ديوان الحسبة وديوان الزكاة وديوان الزراعة، أو في وظائف استحدثها داعش لتنظيم إدارته للمدن والسكان هناك، وآخرين في عملية صيانة وتصنيع السلاح والقذائف"، لافتاً إلى أن "هذه الشريحة من داعش يجب أن يتم اعتقالها بطريقة أو بأخرى، ونعتمد في ذلك على السكان الناقمين على التنظيم".

والسبت الماضي سلّم زعيم قبلي عراقي في بلدة هيت، غرب الأنبار، أحد أفراد عشيرته لقوات الجيش، وقال إنه متورط مع تنظيم "داعش" بما يسمى ديوان الحسبة، إذ كان ضمن حاجز تفتيش يحاسب الناس على التدخين والملابس ذات الطابع الغربي والنساء اللواتي لا يلتزمن بالنقاب.

وفي مطلع يناير/ كانون الثاني عام 2015، بلغ عدد عناصر "داعش" في العراق نحو 29 ألف إرهابي، انتشروا على رقعة مساحتها نحو 174 ألف كيلومتر مربع من إجمالي مساحة العراق، وشملت مناطق تواجده أو نفوذه وسيطرته محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك وبابل وحزام بغداد، وتفاوتت بين سيطرة كاملة عليها أو على مدن داخل تلك المحافظات. إلا أن عدد من تم توثيق مقتلهم فعلياً لا يتجاوز 12 ألف مقاتل، وهو ما يمكن اعتباره لغزاً عراقياً يحاول القائمون على الملف الأمني تفكيكه.

خلية الصقور واحدة من أبرز الوحدات الاستخبارية التابعة لوزارة الداخلية العراقية والتي تُقارن اليوم بوحدة "التشكيلات الخاصة" التركية المتخصصة بملاحقة الجماعات الإرهابية، وتحظى بدعم حكومي وأميركي واسع، وهي ما زالت تتابع هذا الملف. ويقول أحد أعضاء الخلية في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "بقايا داعش باتت تحت ثلاثة أصناف، وهي ملاحقة من قبل القوات العراقية، والفشل في المهمة يعني جرائم بشعة بحق المدنيين، لذا نبذل جهدنا في هذا الملف". ويضيف: "توجد خلايا لداعش تعمل اليوم مشتتة في المدن والمناطق الصحراوية، ويوجد أفراد هربوا من العراق إلى سورية أو تهريباً إلى تركيا، ونعمل على اعتقالهم، وآخرون وصلوا إلى أوروبا وآسيا من حيث أتوا، والقسم الثالث هم الذين خنسوا (تواروا عن الأنظار) وكأنهم لم يفعلوا شيئاً ويحاولون التستر بهويات أو أسماء مزيفة، وآخرون غيّروا من ملامحهم أو انتقلوا للعيش في مناطق أخرى لا يعرفهم فيها أحد"، معتبراً أن "هؤلاء يبقون خطراً حتى إن تابوا، فنهري دجلة والفرات لن يتمكنا من تطهيرهم". ويتابع: "قتلوا من السنّة أو تسبّبوا بكوارث بين المجتمع السنّي أكثر من غيرهم من طوائف العراق".