بعد سنة من هز كورونا العالم: متى تنتهي زيارة هذا القاتل؟

12 مارس 2021
الوفيات الأميركية بلغت 530 ألفاً حتى اللحظة (Getty)
+ الخط -

مرّت سنة على تصنيف كورونا في خانة الجائحة، وفياته الأميركية بلغت 530 ألفاً حتى اللحظة، من أصل ما يزيد على 29 مليون إصابة، والحبل على الجرار، حصة قياسية توازي 20% من وفيات العالم (2,5 مليون) و25 % من إصاباته (حوالى 118 مليوناً).

معدلات تفوقت بفارق شاسع على ما انتهت إليه في سائر البلدان، حتى الفقيرة منها، السبب أن التعامل مع الفيروس في بلد العلم جرى بصورة غير علمية، سخر منه الرئيس آنذاك دونالد ترامب واستهون أمره "وخطره الضئيل"، واعداً بانقضائه على سلامة خلال فترة قصيرة مع اقتراب طقس الربيع الدافئ كما هو حال الإنفلونزا الدورية. تطمين مناقض للتوجيهات الطبية، أدّى إلى الاستخفاف بشروط الوقاية والسخرية منها مثل الكمامة وغيرها.

خطابه الذي أملته حسابات انتخابية، شجّع مؤيديه خاصة في الولايات المحافظة في الجنوب والوسط على تجاهل التعليمات وممارسة الحياة بالصورة العادية المنفلشة، كانت النتيجة 4 موجات متقطعة للفيروس انتقل خلالها إلى سائر الولايات. أشرسها كانت تلك التي تفشت في أعقاب مواسم الأعياد في أواخر العام الفائت، والتي كانت كلفتها 80 ألف وفاة في كل من شهري يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط الأخيرين.

ومثل هذه الممارسة المنفلتة ما زالت مستمرة حتى اللحظة، بالرغم من التحذيرات من التهاون في التعامل مع طفرة السلالة الجديدة الأخطر، المنتقلة من جنوب أفريقيا والبرازيل وبريطانيا، والتي يقول المرجع الطبي البروفسور مايكل أوسترهولم، إنّ أخطارها ستكون أقسى من سابقاتها. لكن مع ذلك ألغى عدد من الولايات كافة إجراءات التحوط وفتح باب العودة على مصراعيه إلى الحياة الطبيعية، مع التخلي عن أبسط وسائل الوقاية مثل الكمامات التي جرى حرقها في احتفال جماعي، في بعض المناطق مثل ولاية إيداهو المحافظة.

الآن دخلت أميركا في طور غزارة إنتاج اللقاح وانتظام توزيعه مع تسريع استعماله. 95 مليوناً حتى اليوم، تلقوا الحَقنة الأولى. 32 مليوناً أخذوا الثانية. المتوقع حسب الرئيس جو بايدن أن يتوفر اللقاح لعموم الأميركيين مع شهر مايو/ أيار  المقبل، بعد دخول شركة "جونسون أند جونسون" إلى جانب شركتي "فايزر" و"موديرنا"، على خط الإنتاج. وبذلك لاح الضوء في نهاية النفق بالرغم من خطر الطفرة البرازيلية والجنوب أفريقية الراهنة. أو هكذا يُعتقد. وعليه صار السؤال: متى تنتهي زيارة هذا القاتل ؟

الأرقام كلها تدعو إلى الاستبشار بقرب النهاية، هبط عدد الإصابات إلى جوار الستين ألفاً بدلاً من مئات الآلاف، كما انخفضت الوفيات إلى تحت الألف يومياً بدلاً من 3 أو 4 آلاف. وفي الأسابيع القليلة الماضية توالى ظهور المؤشرات على تراجع الفيروس لعدة أسباب، على رأسها تسارع عملية التطعيم، والتوقعات أن يتواصل هذا المنحى، لكن لا ضمان. فأكثر المتفائلين متحفظ، وثمة من يتحدث عن "صيف شبه طبيعي" . آخرون يحذرون من استمرار " بقايا" الفيروس إلى أبعد من ذلك، وربما عودة إلى "موجة أخرى في الخريف"، يتوقف مدى قوتها على الالتزام طيلة الربيع والصيف القادمين، بشروط الوقاية الاحترازية.

الرئيس بايدن جانب التحفظ الشديد مثل مستشاره الرسمي الدكتور أنتوني فاوتشي، ليتحدث عن انفراج مرجح مع بداية 2022، ويبدو أنّ هذا التقدير يستند إلى سابقة تاريخية تعود إلى ما قبل مئة سنة، عندما اجتاحت العالم في 1918 جائحة الإنفلونزا الإسبانية وحصدت حوالي 50 مليون نسمة، كانت حصة الولايات المتحدة منها حوالي 650 ألف وفاة، آنذاك بقي الوباء حوالي سنتين قبل أن تتلاشى آثاره، ويذكر أنّ المرجع فاوتشي كان من الأساس قد ألمح أكثر من مرة إلى احتمال بقاء كورونا معنا حتى العام المقبل.

القاسم المشترك بين كافة التوقعات هو غياب التطمينات الحاسمة، لا أحد يجرؤ على التنبؤ بصورة ولو شبه جازمة عن النهايات، وإن على وجه التقريب، بالرغم من إجماع المعنيين على أنّ الصورة العامة مشجعة. رئيس شركة "فايزر"، ألبرت بورلا، أكد اليوم أنّ لقاح شركته مصمم لمواجهة سلالات كورونا الجديدة. مع ذلك أسئلة كثيرة باقية من غير إجابات، فالفيروس "قد يفاجئنا" ويتجدد ويتغير.

ثم إنّ اللقاحات والأدوية المستعملة ما زالت "تجريبية" وليس معروفاً حتى الآن مدى فعاليتها ومدة حصانتها، وما إذا كان ينبغي تجديدها سنوياً مثل لقاح الإنفلونزا، يضاف إلى ذلك أنّ الآثار بعيدة المدى للفيروس ولقاحاته غير معروفة بعد، لعدم توفر الإحصاءات والمعلومات الكافية حتى الآن والتي لن تتوفر قبل مرور أشهر على نهاية حملة التطعيم، أو معظمها. بل بمعظم دول العالم.

الخلاصة أنّ الأسئلة كثيرة والتطمينات القاطعة ما زالت مفقودة. لكن مع ذلك الأجواء واعدة.