بعد زلّة بايدن.. بلينكن يؤكد على سياسة "الغموض الاستراتيجي" مع الصين

27 مايو 2022
يتبنى بلينكن نصيحة كيسنجر حول نسج علاقات مع الصين لتحييدها عن روسيا (أليكس وونغ/ Getty)
+ الخط -

تناول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الخميس، موضوع العلاقات الأميركية الصينية من مختلف جوانبها، في خطاب شامل ألقاه في جامعة جورج واشنطن. كان مقرراً قبل زيارة الرئيس جو بايدن الآسيوية، لكنه تأجل بدواعي كورونا، وبما أتاح الفرصة لإزالة اللغط الذي أحاط بملف تايوان، بعد تأكيد بايدن في طوكيو أنّ واشنطن "ستتدخل عسكرياً" لو تعرضت الجزيرة لاجتياح صيني.

بعد استعراضه واقع العلاقات بلغة جمعت بين التشدد الناعم والرغبة في "التعاون متى أمكن" مع بكين؛ جدد بلينكن التزام واشنطن بسياسة "صين واحدة" المعتمدة، مؤكداً عدم وجود تغيير في هذا الخصوص. وكان الرئيس بايدن قد حاول هو الآخر قبيل مغادرته طوكيو، الثلاثاء، تغيير كلامه من دون التراجع عنه، بقوله إنّ سياسة "الغموض الاستراتيجي" ما زالت سارية مع الصين.

تلويح بايدن بالعصا للصين، والذي فاجأ المراقبين، تراوح تفسيره بين زلة لسان وبين تسرّع من موقع المنتشي بصدّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "صديق الصين" في أوكرانيا. وربما توسّله الرئيس كرادع مسبق. لكن في كل حال، أثار الشكوك، فهو "يعني ما يؤمن به عندما يخرج عن النص"، حسب المعروف عنه. وبذلك زاد من الالتباس في سياسة ملتبسة أصلاً.

عند هندسة العلاقات الأميركية الصينية، تم تجاوز عقدة تايوان الصعبة والحساسة بصيغة دقيقة عبر تنازلات متبادلة، عكست حاجة الطرفين آنذاك إلى فتح طريق الاعتراف بينهما. أول مرة وردت الإشارة إلى "صين واحدة" كانت في بيان 1972، إثر زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون التاريخية إلى بكين، والتي أنهت 25 سنة من العزلة بين البلدين. وعند الاعتراف المتبادل في 1979 اعترفت واشنطن بأنّ "حكومة جمهورية الصين الشعبية هي الحكومة الشرعية الوحيدة في الصين"، لكن من دون اعترافها بسيادة بكين على تايوان.

في المقابل حصلت بكين على إقرار واشنطن بأنها "أخذت العلم بموقف الصين التي تعتبر تايوان جزءاً منها". وعلى هذا الأساس أنهت واشنطن علاقاتها الدبلوماسية مع الجزيرة، واكتفت بعلاقات غير رسمية معها، ترافقت بصدور قانون أميركي في 1979، يقضي بتزويد الجزيرة بما يلزم من السلاح "للدفاع عن نفسها". تصريح الرئيس بايدن عن التدخل؛ خروج على هذا القانون، وينطوي على التزام أميركي بالدفاع المباشر عن تايوان.

لا توجد شهية لهذا التحوّل في واشنطن، رغم أجواء النفور من الصين والدعوات لهزّ العصا بوجهها. خاصة في الكونغرس.

التدخل لحماية نظام جنوب فيتنام ما زالت تجربته القاسية في الذاكرة. ثم هناك تحذيرات في أوساط خبراء السياسة الخارجية من الإيغال في التوتير مع الصين، خاصة في الوقت الذي تخوض فيه روسيا "صديق الصين" حرب أوكرانيا، وبما يقتضي "عدم التباعد مع الخصمين الكبيرين في آن واحد"، لئلا يدفعهما ذلك إلى زيادة التقارب بينهما.

العكس هو المطلوب حسب نصيحة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي يشدّد على أهمية نسج "علاقات عمل" في الوقت الحاضر مع الصين على الأقل، لتحييدها في المواجهة مع روسيا، كما فعل هو في 1972. نصيحة بدا أنّ الوزير بلينكن استرشد بها في خطابه، من خلال تجديد "الإقرار بحكومة صين واحدة"، والتسليم بأنّ للظروف أحكامها التي تفرض "بأن تعمل الصين والولايات المتحدة معاً في المستقبل المنظور"، بعيداً عن حرب باردة معها، يقول إنّ واشنطن لا تريدها؛ لأنّ الواقع الراهن يوجب تغليب "الشراكة على الخصومة".

الرئيس بايدن وضع نفسه في موقف مربك. فمن البداية هو مستعجل على قصقصة أجنحة الصين، التي يرى فيها "التحدي الخطير على المدى الطويل". خلط بين أولويات اللحظة الراهنة والطموح الأبعد. فكان لا بد من الاستدراك لئلا يؤسس ما قاله لغلط في تايوان، مثل الخطأ الذي وقع فيه بوتين في أوكرانيا، ولو أنّ الضرر وقع بتزايد الريبة وتآكل الثقة بين بكين وواشنطن، وبما يراكم عوامل التأزم الذي تتوقع جهات عسكرية، كالأدميرال المتقاعد جيمس ستافريديس، أن يقود إلى حرب بين البلدين بعد عقد ونيف من الزمن.

المساهمون