قالت منظمات حقوقية سورية معارضة، اليوم الأربعاء، إن قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا أصدروا مذكرات توقيف بحق رأس النظام السوري بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد واثنين من معاونيه بتهمة استخدام الأسلحة الكيميائية المحظورة، وهو ما اعتبر "إنجازا تاريخيا" يُضاف إلى خطوات سبقته في المحاكم الأوروبية والدولية.
وبيّن المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وهو منظمة حقوقية تنشط في أوروبا وفق بيان نشره على صفحته على "فيسبوك" اليوم، أن المذكرة التي تشمل الأسد وشقيقه ماهر، الذي يقود الفرقة الرابعة في قوات النظام وهي الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين، واثنين من ضباط النظام هما غسان عباس وبسام الحسن، جاءت بسبب استخدام الأسلحة المحظورة ضد المدنيين في مدينة دوما ومنطقة الغوطة الشرقية في 2013، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص.
واعتبر المركز في بيان التحرك الفرنسي "سابقةً قضائيةً تاريخيةً، ونصراً جديداً للضحايا وعائلاتهم وللناجين/ات، وخطوة جديدة على طريق العدالة والسلام المستدام في سورية". وأوضح أن "الإجراء القضائي الذي اتخذه قضاة التحقيق الفرنسيون يأتي في أعقاب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس، حول الهجومين بالأسلحة الكيميائية في آب/ أغسطس 2013".
ويرأس العميد غسان عباس، الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية السورية.
وفُتح التحقيق بناءً على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) وضحايا سوريون في مارس/آذار 2021، بالاستناد إلى شهادات من ناجين وناجيات من هجمات أغسطس/آب 2013.
فُتح التحقيق بناءً على شكوى جنائية قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (SCM) وضحايا سوريون في مارس 2021
وقد حظيت الشكوى بدعم الأرشيف السوري ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح، ومنظمة المدافعين عن الحقوق المدنية، التي انضمت إلى التحقيق كأطراف مدنية، بالإضافة إلى أعضاء من رابطة ضحايا الأسلحة الكيميائية (AVCW).
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أدت هجمات النظام السوري بالأسلحة الكيميائية على الغوطتين عام 2013 إلى مقتل 1144 شخصاً خنقاً، بينهم 99 طفلاً و194 سيدة، بينما أصيب 5935 شخصاً بحالات اختناق.
أدلة كافية
من جانبه، أوضح ثائر حجازي نائب رئيس منظمة ضحايا الأسلحة الكيميائية في سورية في شريط مصور نشر على شبكات التواصل أن وجود ضحية فرنسي في الهجوم الكيميائي عام 2013 منح القضاء الفرنسي الولاية لفتح التحقيق في الدعاوى المقدمة، مضيفا: "قدمنا كل الأدلة والشهود للقضاء الفرنسي".
وتابع حجازي: "هناك أدلة كافية تؤكد أن بشار الأسد أمر باستخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين طيلة سنوات الثورة". واعتبر هذه الخطوة الفرنسية بداية لـ"محاسبة كل المسؤولين عن الانتهاكات بحق السوريين".
نقطة تحول؟
إلى ذلك، وصف المحامي والحقوقي السوري غزوان قرنفل في تصريح لـ"العربي الجديد" الخطوة الفرنسية بـ"المهمة والإيجابية جدا ستشكل نقطة تحول في ملف الصراع السوري"، مضيفا: "هي تتويج لجهود قضائية لمؤسسات دولية ومنظمات حقوقية سورية وروابط الضحايا".
وتابع قرنفل: "وهي تنطوي على رسالة لأولئك الساعين لإعادة تعويم النظام أن هذه الجهود ستبوء بالفشل وأن فكرة الإفلات من العقاب قد طويت فحجم ما ارتكب من جرائم في سورية لا يتيح أي فرصة لطي تلك الصفحة".
وجاءت الخطوة الفرنسية الجديدة بعد أقل من شهر من إصدار القضاء الفرنسي مذكرات اعتقال بحق وزيري الدفاع السابقين في حكومة النظام علي عبد الله أيوب وفهد جاسم الفريج، بالإضافة إلى قائد القوات الجوية أحمد بلول، وقائد "اللواء 64 مروحيات" علي الصافتلي، بتهمة التواطؤ في "جرائم حرب"، وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين، وقتل شخص محمي بموجب اتفاقيات منها "القانون الدولي الإنساني".
وكان القضاء الفرنسي قد أصدر مذكرات اعتقال بحق ضباط في النظام السوري، حيث كان قد أصدر في عام 2018 مذكرات توقيف دولية بحق ثلاثة مسؤولين رفيعين في الاستخبارات السورية، هم: علي مملوك، المدير الحالي لمكتب الأمن القومي للنظام السوري، الذي يشرف على "كل الجهاز الأمني" التابع للنظام، والرئيس السابق لجهاز المخابرات الجوية جميل حسن وهو أحد كبار الضباط المتهمين بارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية، والشخص الثالث هو عبد السلام فجر محمود، رئيس فرع التحقيق في الاستخبارات الجوية، التي كانت وراء مقتل عدد كبير من المعتقلين تحت التعذيب في عشرات السجون التي تديرها في العاصمة والمحافظات.
وكان القضاء الألماني حكم، مطلع العام الفائت، بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في مخابرات النظام السوري لإدانته بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وقضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنتس (غرب ألمانيا) بأن السوري أنور رسلان (58 عاما)، الذي كان لاجئا في ألمانيا قبل أن تُكتشف حقيقة ما قام به، مسؤول عن مقتل معتقلين وتعذيب آلاف آخرين في معتقل سرّي للنظام في دمشق، وذلك بين 2011 و2012.