استمع إلى الملخص
- **تأثير الظهور على الحكومة الإسبانية**: وضع ظهور بوتشيمون رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في موقف صعب، حيث يواجه ضغوطًا من القوى الانفصالية وانتقادات من اليمين والمحافظين.
- **تداعيات سياسية وأمنية**: زيارة بوتشيمون كشفت عن هشاشة حكومة مدريد، مع تهديد حزب "جونتس بير كتالونيا" بإطاحة سانشيز، مما يعقد المشهد السياسي ويعيد إشعال النزاع الاستقلالي.
فجأة ظهر الزعيم الانفصالي الكتالوني كارليس بوتشيمون وسط عاصمته برشلونة، قبل أن يعود ويختفي فجأة أيضاً بعد قوله لآلاف مؤيديه: "تحيا كتالونيا حرة". يوم الخميس الماضي، رفع بوتشيمون القادم من منفاه البلجيكي مستوى التحدي في كتالونيا، وسط استنفار أمني كبير، وبسبب مذكرة بحث واعتقال إسبانية بحقه على مدار السنوات السبع الأخيرة. وأصبح بوتشيمون (61 عاماً) رئيساً للحكومة المحلية في كتالونيا في عام 2016، حيث أثار ضجة عندما رفض، وهو أول رئيس حكومة محلية، أداء قسم الولاء للدستور الإسباني والنظام الملكي.
ومنذ إعلان الاستقلال الفاشل في 2017، أطلقت سلطات مدريد مطاردة مكثفة بحقه وحق رفاق له، جرى توقيف بعضهم والعفو عنهم لاحقاً. ويوم أمس الجمعة، قال رفاق بوتشيمون، بعد مباشرة مئات ضباط الشرطة مطاردة كبيرة له، إن الرجل الذي هُرّب من حدود إسبانيا في صندوق سيارة، غادر الإقليم (شمال وشرق إسبانيا) نحو المنفى البلجيكي. وآخر كلماته في الحشود كانت: "لا أعرف متى سأراكم مرة أخرى". وبعيداً عن تفاصيل تهريبه الجديد عبر الحدود من الإقليم الكتالوني وإليه، حيث نشرت الصحافة الإسبانية أن ضابطي شرطة جرى توقيفهما بتهمة تسهيل تهريبه، يبدو أن ما تركه في أثره ليس سهلاً على المستوى السياسي والأمني، كما ذهبت صحيفة إل باييس اليوم السبت. فإلقاء كلمة لأكثر من ثلاثة آلاف شخص، في تقدير الصحف الإسبانية، اعتُبر فشلاً ذريعاً للشرطة والأمن في الإقليم، وهو ما اعترفت به وزارة الداخلية، وفقاً لصحيفة إل كوريو.
والتسلل الفجائي، وفقاً لصحيفة إل موندو مساء أمس الجمعة، يضع رئيس الحكومة الإسبانية الاشتراكي بيدرو سانشيز في موقف صعب. فمن خلال نهجه التصالحي في السنوات الأخيرة، نجح الرجل الخمسيني والاشتراكي الميول في خفض التوتر مع القوى الانفصالية في برشلونة، وذلك لضمان بقاء حكومته بتصويت حزب "جونتس بير كتالونيا" (معاً من أجل كتالونيا) الانفصالي. والأخير، على خلفية النفخ في جذوة الاستقلال خلال اليومين الماضيين، هدد بأنه قد يسحب الثقة من سانشيز إذا لم يقدم تنازلات لكتالونيا بشأن قضايا متعددة، وبينها توسيع العفو ليشمل بوتشيمون ورفاًقاً آخرين معه.
ويبدو أن المستفيدين من زيارة بوتشيمون الفجائية هم اليمين والمحافظون، الذين كانوا في السلطة يوم انفجار المواجهات في 2017، بإرسالهم الآلاف من عناصر الشرطة لقمع وكسر استفتاء الاستقلال في الإقليم. وأدت السياسة الصارمة للمحافظين آنذاك إلى إقالة الحكومة واعتقال القادة المحليين، ليُحكم عليهم بالسجن لسنوات طويلة، بينما فرّ آخرون أمثال بوتشيمون، الذي صدرت بحقه مذكرة جلب واعتقال من بروكسل، مقر المفوضية الأوروبية. والآن، يعود اليمين المتشدد والمحافظون إلى مهاجة سانشيز، الذي خاطر بعقد صفقة مثيرة للجدل لتأمين الأحزاب الكتالونية أغلبية برلمانية لحكومته، مقابل منح المئات من الناشطين والسياسيين الاستقلاليين عفواً عن أدوارهم في تحرك 2017. والحديث خلال الأشهر الأخيرة كان يدور حول إمكانية دفع سانشيز نحو العفو عن بوتشيمون، على الرغم من أن المحكمة العليا الإسبانية تمنع ذلك بناءً على اتهامات تتعلق بسوء استخدامه للأموال العامة، فترة الاستفتاء على الاستقلال، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً.
إشعال الجذوة مجدداً.. وفوائد للمحافظين
ظهور بوتشيمون وسط الحشود الملوحة بالأعلام الكتالونية الحمراء والصفراء، وترديده أن الكتالونيين "يتعرضون للاضطهاد منذ سنوات"، وبأنّ كونك كتالونياً صار أمراً يُنظر إليه بعين الريبة، يتحول إلى أمر مزعج لسانشيز، الذي يواجه أصلاً اتهامات اليمين بأنه "خائن" وداعم لتقسيم إسبانيا، وخصوصاً من قبل الجناح الملكي المحافظ. فمع أن جذوة الاستقلال بدت أقل اشتعالاً خلال السنوات الأخيرة، فإن عودة مطلق شرارته في 2017، في خطبة حماسية، كشفت أن تأثير بوتشيمون في حياة الكتالونيين والإسبان ليست هامشية، وخصوصاً باستمرار وجود شارع ورفاق له، مصرَّين على الاستقلال. وتزامُن وصوله إلى الإقليم مع تنصيب رئيس حكومة الإقليم الجديد، سلفادور إيلا، المنتمي إلى حزب سانشيز، العمال الاشتراكي الإسباني، لا يمكن إخفاء مقاصده، على ما تذهب إليه وسائل الإعلام المحلية. فإيلا أول رئيس حكومة كتالوني منذ عام 2010 لا يفضل الاستقلال، وفاز في الانتخابات الإقليمية الأخيرة في مايو/ أيار الماضي، حيث خسرت الأحزاب الانفصالية أغلبيتها في الوقت نفسه، وكانت تلك النتيجة بمثابة إشارة إلى رغبة أغلبية سكان كتالونيا في الحد من الصراع، وبدا الأمر وكأنه انتصار لخط المصالحة الذي تبناه رئيس الوزراء سانشيز. والأخير ركز منذ وصوله إلى السلطة في 2018 على خفض التصعيد، مصدراً عفواً في 2021 عن القادة المسجونين في 2017.
سياسة المصالحة عرّضت سانشيز لهجوم متواصل من خصومه السياسيين، رغم أنه استطاع خفض نزاع الاستقلال الكتالوني، وتطبيع علاقة الإقليم بالسياسة المركزية في مدريد. ويساهم الظهور الأخير لبوتشيمون في تأجيج النزاع الاستقلالي من ناحية، وخصوم سانشيز من ناحية ثانية، حيث تفهم الرسالة على أنها لن تقف عند الظهور بين أنصاره في برشلونة، بل ربما تذهب بالاستقلاليين نحو إطلاق جديد لطموحات الاستقلال، ما يزيد في حرج الاشتراكيين على المستوى البرلماني في مدريد. ففي الأخير، ثمة قوى سياسية محافظة تشعر الآن بأن زيارة الإقليم السرية تمنحها بعض ذخيرة لإطلاق هجمة تستهدف الاشتراكيين. فقد استغل زعيم حزب المحافظين، حزب الشعب، ومنافس سانشيز في الانتخابات ألبرتو نونيز فييخو، زيارة بوتشيمون لإقليم كتالونيا وخروجه منه سالماً، معتبراً أنه بمثابة "إهانة لا تطاق"، بينما اعتبر زعيم حزب بوكس (فوكس) المتطرف، سانتياغو أباسكال، أن سانشيز يتحمّل المسؤولية بإطلاقه سراح المجرمين، ويقصد بالطبع داعمي الانفصال الكتالوني.
إلى ذلك، فإن الزيارة تكشف أيضاً الأرضية الهشة لحكومة مدريد على مستوى الأغلبية البسيطة في البرلمان الإسباني، خصوصاً بعد أن حذر يوم أمس الجمعة هذا الحزب الكتالوني، جونتس، على لسان أمينه العام جوردي تورول، أن على سانشيز اتخاذ خطوات أخرى بشأن قانون العفو الذي يعتقدون أنه إذا لم يسرِ على بوتشيمون، فقد يهدد بإطاحة الحزب لبيدرو سانشيز. ذلك أمر سيسعد بالتأكيد أحزاب اليمين المتطرف والمحافظين، وغيرهم ممن لا يروقهم الحكم الاشتراكي.