دعا رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري إلى عقد جلسة، صباح بعد غدٍ الخميس، لانتخاب رئيس جديد للجمهورية مع قرب انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في خطوة من المتوقّع، تبعاً للتجارب اللبنانية مع الاستحقاق الرئاسي، أن تكون شكلية التزاماً بالمهل الدستورية الموجبة، على أن يصار إلى إرجائها أو تعطيل نصابها لحين تأمين التوافق السياسي الغائب حتى اللحظة.
وتأتي دعوة بري في وقتٍ ترتفع فيه وتيرة الحركة الدولية تجاه لبنان، وخصوصاً الدبلوماسية، التي تؤكد ضرورة الالتزام بالاستحقاقات الدستورية والمهل المتصلة بها، ويتقدمها انتخاب رئيس للجمهورية.
ومن أكثر الأسماء المطروحة على الساحة اللبنانية ضمن الطائفة المارونية، لخلافة الرئيس عون، قائد الجيش العماد جوزيف عون، ويعدّ متقدماً على غيره نسبةً لتوافق خارجي يتردد أنه يحصل عليه خصوصاً أميركياً، علماً أن هناك علامات استفهام عدة حول علاقته "المتشنجة" مع حزب الله وحلفائه.
وكذلك، يعد من المرشحين "الطبيعيين" رئيس "التيار الوطني الحر" (صهر عون) النائب جبران باسيل، ورئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية، ورئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي لم يعلن ترشحه، لكنه قد يقدم على هذه الخطوة في حال تلقى الدعم اللازم من جانب نواب المعارضة والتغييريين وبعض المستقلين.
وانطلقت المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد في الأول من سبتمبر/أيلول الحالي، وقد أكد رئيس البرلمان نبيه بري في أكثر من موقفٍ، أنه لن يقدم على الدعوة قبل تأمين نوع من التوافق السياسي، بيد أن البرلمان يجتمع وفق ما ينصّ الدستور اللبناني إلزامياً قبل 10 أيام من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، الأمر الذي يجعل من هذه الخطوة ملزمة باعتبارها محطّة أولى، من المرتقب ألا تشهد أي عملية انتخاب، على غرار ما حصل عام 2014، عندما دعا بري لجلسة انتخاب رئيس خلفاً للرئيس ميشال سليمان، قبل أن يليها تأجيل مستمر وتعطيل حلفه السياسي نصاب الجلسات والذي استمرّ سنتين، حتى إتمام تسوية انتخاب عون عام 2016.
سيناريو متوقّع لجلسة الخميس
في السياق، يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في القانون الدستوري وتاريخ الفكر السياسي، وسام اللحام، لـ"العربي الجديد" إن "المادة 49 من الدستور اللبناني تنصّ على أنه "ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويُكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي"، بيد أنه في كل موعد يحين لانتخاب رئيس تُثار إشكالية الغالبية المطلوبة، والنصاب المطلوب لجلسة الانتخاب، وطبعاً تعتمد الأحزاب السياسية المقاربة الأنسب لها، بهدف استخدامها للتعطيل والابتزاز، ومنع وصول مرشح لا تريده.
ويشير اللحام إلى أن "الممارسة استقرت منذ عام 1976 خلال انتخاب إلياس سركيس، فعام 1982 عند انتخاب بشير الجميل على أن رئيس الجمهورية ينتخب بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء مجلس النواب، أي 86 من أصل 128 نائباً وذلك في الدورة الأولى، وأنه ثمة ضرورة في توفير نصاب يتألف من الغالبية ذاتها من أجل عقد جلسة الانتخاب، وإلا المطلوب 65 صوتاً أي الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النواب في الدورة الثانية، في حين أن المفترض وتبعاً للدراسات والأصول أن يكون النصاب حسب عدد الحضور لا المجموع".
ويلفت اللحام إلى أنه وفق النصاب الذي تعتمده الأحزاب السياسية، فإن الجلسة الأولى قد تعقد، من بوابة خلع رداء التعطيل وإظهار النية في إتمام الاستحقاق، لكن سيصار إلى تطيير النصاب في الدورة الثانية، على غرار ما حصل عند عقد أول جلسة عام 2014 لانتخاب رئيسٍ بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، بحيث إنه عندما لم يؤمن أي اسم الثلثين في الدورة الأولى، خرج النواب والمعارضون منهم وطار النصاب، مع العلم أنه حينها حاز رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع على أكبر عددٍ من الأصوات، وكان يمكن أن يفوز فيما لو طُبق نصاب ثلثي الحضور.
ويذكّر اللحام أن الرئيس عون لم يتمكّن حتى من الفوز في الدورة الأولى عام 2016، إذ نال 84 صوتاً في الدورة الأولى، بينما نال 83 صوتاً في الدورة الثانية، أي أكثر من الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء مجلس النواب أي 65 صوتاً.
تبعاً لذلك، يرى اللحام سيناريو الخميس مرتبطاً بمشهدين إما ألا تعقد الجلسة من أساسها، أو تعقد وتجري الدورة الأولى من دون تأمين النصاب، ومن ثم تطيير النصاب في الدورة الثانية، لحين حصول التوافق السياسي حول شخصية رئاسية.
دعوة بري التزامٌ بالأصول الدستورية
سياسياً، يقول النائب في كتلة بري النيابية "التنمية والتحرير"، قاسم هاشم، لـ"العربي الجديد" إن "هذه الدعوة تأتي في سياقها الطبيعي، وفقاً للأصول الدستورية، خصوصاً أنه انقضى شهر تقريباً من المهلة التي انطلقت مطلع الشهر".
ويلفت هاشم إلى أن "الرئيس بري عندما رأى أن هناك ما يتوجب مثل هذه الدعوة قام بذلك فهو صاحب القرار وفق الدستور والنظام الداخلي، وبغض النظر عمّا إن كان هناك توافق نهائي أم لا، لكن هناك توافقاً حول جملة من القضايا، فالرئيس بري سبق أن طرح مواصفات الرئيس الذي يعبّر عن رؤية الكتلة ويمكن أن يكون خشبة خلاص يبدأ من خلالها مسار الخروج من الأزمة، خصوصاً على مستوى أن يكون جامعاً توافقياً وقادراً على الحوار داخلياً وإقليمياً ودولياً، الأمر الذي يجري العمل عليه، فإذا كانت النوايا سليمة فقد نصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقتٍ ممكن، وإلا فالفراغ سيطول عند تعقيد الأمور".
ويشير إلى أن الكتلة لم تسمِّ حتى اللحظة اسماً معيناً ولكن ستكثّف مشاوراتها واتصالاتها حتى موعد الجلسة، لتتخذ القرار، لافتاً إلى أن فرنجية طبعاً من الأسماء المتقدمة، تبعاً لقناعتنا به وما يربطنا أيضاً به، ولكن قد لا يكون الاسم النهائي.
وتأتي دعوة بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في وقتٍ تأجل فيه اللقاء الذي كان منتظراً، اليوم، بين الرئيسين عون ونجيب ميقاتي، علماً أنه لم يتفق على توقيته رسمياً، بسبب بروز مطالب وزارية جديدة على حدّ قول أوساط ميقاتي لـ"العربي الجديد"، من جانب فريق رئيس الجمهورية، وإثارته أخرى كان قد جرى حلّها، الأمر الذي دفعه إلى عدم زيارة بعبدا، واستكمال المشاورات السياسية، باعتبار أن الاجتماع الذي سيحصل سيكون حاسماً.
ومن المعروف أن عون، ومن خلفه صهره باسيل، يرفضان تولي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية في حال الفراغ الرئاسي، وكانوا قد لوّحوا بفوضى دستورية، وتصعيدٍ لقطع الطريق أمام هذا الاتجاه، الأمر الذي يجعل من جلسة الخميس أيضاً شكلية مستبعداً منها انتخاب رئيس في ظلّ عدم تشكيل حكومة جديدة كاملة المواصفات والصلاحيات التي يريدها أيضاً "حزب الله" لتتسلم في حال الفراغ.
في المقابل، وضعت علامات استفهام حول خطوة بري، وفيما إذا كانت محاولة للضغط على عون لتسهيل عملية تأليف الحكومة في الساعات المقبلة، والتوقف عن فرض الشروط والمطالب.
على صعيدٍ آخر، استقبل مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ عبد اللطيف دريان اليوم، في دار الفتوى، النائب جبران باسيل، الذي أكد أن موضوع الحكومة "أمر لا بد منه، حتى يكون لدينا حكومة كاملة الصلاحيات، تستطيع ممارسة الصلاحيات المطلوبة منها في فترة عصيبة يمر بها لبنان، وفي أزمة حادة مثل التي نمر بها، فكيف الحال إذا وقعنا في فراغ لا يحتمل أزمة سياسية إضافية"، آملاً أن يقوم المعنيون بالجهود اللازمة حتى يكون لدى لبنان حكومة في القريب العاجل.
وعبّر باسيل للمفتي دريان عن خوفه من "الفراغ المميت للبنان"، قائلاً: "لأننا نستهيب عمق الأزمة المالية والاقتصادية، قدّمنا هذه المرة مقاربة مختلفة على حسابنا وبتضحية منا، ولكن من دون تنازل عن فكرة أساسية، وهي التمثيل لرئيس الجمهورية، إن كان بالمباشر أو بالتأييد، هذا يحتم علينا أن نتوافق كلبنانيين وكأكثرية لازمة في المجلس النيابي، على انتخاب رئيس يتمتع بالصفات اللازمة، ليساعد في إخراج لبنان من الأزمة الحالية"، معتبراً أن "هذا الأمر يجنّب الفراغ الذي قد يحصل"، ومؤكداً بذلك على أن الانتخابات يجب أن تحصل في الفترة الفاصلة عن نهاية أكتوبر/تشرين الأول؛ "مما يقربنا كلبنانيين من بعضنا البعض"، على حد تعبيره.
ضغط خارجي لالتزام لبنان بالمهل الدستورية لانتخاب رئيس
وقد برز أخيراً البيان المشترك الفرنسي - الأميركي والسعودي، في هذا الجو، والذي "حدّد" مواصفات الرئيس المقبل للبلاد، فيما كان لافتاً محلياً، جمع دار الفتوى نواب الطائفة السنية، لمناقشة الملف الرئاسي والتوافق على الثوابت الأساسية، في لقاء شهد بعض "الاعتذارات"، قبل أن يستقبلهم السفير السعودي وليد بخاري الذي سبق أن لوّح بمواصفات السعودية للرئيس خلال لقائه جعجع، والتي وجه فيها ضربة لمرشحي ما يعرف بـ8 آذار أي حلفاء "حزب الله"، البارز منهم باسيل وفرنجية.