استقبل الرئيس الأميركي جو بايدن، اليوم الخميس، بحفاوة، رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في وقت تراهن فيه واشنطن على نيودلهي كقوة موازية للصين.
وبعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الهندي، قال بايدن إنّ حرية الصحافة والحرية الدينية أمور حيوية لنجاح الديمقراطيات.
وأضاف: "تحدثت مع مودي عن المآسي الإنسانية في أوكرانيا".
من جانبه، أكد رئيس الوزراء الهندي أنه ناقش مع بايدن إضافة فصل جديد للعلاقات بين الهند والولايات المتحدة، مضيفاً: "لا توجد ديمقراطية من دون حقوق إنسان ولا مكان للتمييز في الهند".
وتعهّد مودي العمل باتّجاه "السلام" في أوكرانيا، وذلك أثناء زيارة إلى واشنطن التي تأمل بأن تتخلي نيودلهي عن روسيا.
وقال مودي للصحافيين إلى جانب الرئيس جو بايدن "منذ بداية الأحداث في أوكرانيا، شددت الهند على حل النزاعات والحوار والدبلوماسية.. نحن على استعداد كامل للمساهمة في أي طريقة ممكنة لإعادة السلام".
ويحظى مودي باهتمام وترحيب كبيرين في الولايات المتحدة، خلال زيارة تعتبر الثالثة لمسؤول هندي في عهد بايدن، إذ لم تخفِ واشنطن دعمها له رغم عدم ارتياحها حيال رفض الهند التخلي عن روسيا، واتهام مجموعات حقوقية الزعيم الهندوسي القومي بالاتجاه إلى الاستبداد بشكل أكبر.
وفي تلميح مبطّن إلى المخاوف في هذا الصدد، وصف بايدن، اليوم الخميس، الحرية الدينية بأنها "مبدأ جوهري" بالنسبة للهند والولايات المتحدة على حد سواء.
وجلس مودي، رئيس الوزراء الهندي الأكثر نفوذاً منذ عقود، على مائدة العشاء مع بايدن أمس الأربعاء قبل عودته اليوم الخميس إلى البيت الأبيض، ليحظى بتكريم عسكري.
وكان البيت الأبيض قد أعلن أنّ الزعيمين سيجيبان على أسئلة الصحافيين، لكن من دون تسمية المناسبة مؤتمراً صحافياً. يُعرف عن مودي تجنّبه دائماً أي تفاعل مرتجل مع الصحافيين على مدى أعوامه التسعة في السلطة.
وفي إحدى أهم الاتفاقيات التي أُبرمت خلال الزيارة التي وصفها مسؤول أميركي بأنها "طليعية"، وقّعت الولايات المتحدة على اتفاق لنقل تكنولوجيا المحرّكات في وقت تبدأ الهند إنتاج مقاتلات على أرضها.
وستحصل "جنرال إلكتريك" على الضوء الأخضر لإنتاج محرّكاتها من طراز "إف414" بشكل مشترك مع شركة "هندوستان إيرونوتيكس" للصناعات الجوية والتابعة للدولة الهندية.
وذكر مسؤول أميركي بأنّ الهند ستشتري أيضاً مسيّرات مسلحة عالية الدقة من طراز "إم كيو-9بي سي غارديانز".
وتأمل واشنطن في أنّ يساعد تعزيز العلاقة الدفاعية في التخفيف من اعتماد الهند على روسيا، أهم مزوّد للمعدات العسكرية لنيودلهي خلال الحرب الباردة.
ورفضت الهند الانضمام إلى الجهود الغربية الرامية إلى عزل روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا، واستغلت الأزمة بدلاً من ذلك لشراء النفط الروسي بأسعار مخفّضة.
وفي نقطة خلافية منذ مدة طويلة، أثارت الهند حفيظة الولايات المتحدة عبر بيع الولايات المتحدة مقاتلات من طراز "إف-16" إلى خصمتها التاريخية باكستان.
الهند كمركز منافس للصين
وفي اتفاق آخر، ستستثمر مجموعة الشرائح الإلكترونية الأميركية العملاقة "ميكرون" 800 مليون دولار في محطة لتجميع واختبار أشباه الموصلات في الهند، والتي يتوقع بأنّ تصل قيمتها إلى 2.75 مليار دولار بعد مساهمات من نيودلهي.
وأفاد مسؤول أميركي بأنّ المحطة ستدفع قدماً بهدف تنويع سلاسل إمداد أشباه الموصلات المتطورة، في وقت يقود بايدن جهوداً منسّقة لمنع تصدير الشرائح الإلكترونية الأكثر تطوراً إلى الصين.
لكن "ميكرون" أعلنت مؤخراً عن استثمار بقيمة 600 مليون دولار في معمل في الصين، رغم ضغط بكين على الشركة عبر الإعلان بأنّ شرائحها الإلكترونية غير آمنة لمشاريع البنى التحتية الأساسية.
ووافقت الهند التي تزداد قوتها في الفضاء خلال زيارة مودي على الانضمام إلى اتفاقيات "أرتميس"، وهو جهد متعدد الجنسيات تقوده الولايات المتحدة لإعادة البشر إلى القمر بحلول عام 2025.
وفي إطار هذا التعاون، سيعمل برنامج الهند الفضائي مع ناسا على مهمة مشتركة لزيارة محطة الفضاء الدولية العام المقبل، بحسب البيت الأبيض.
وتسعى الولايات المتحدة إلى توطيد العلاقة مع الهند منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، إذ ترى واشنطن أنّ الهند تشاركها الرؤية ذاتها حيال تحديات تشمل الصين والصراع ضد الجماعات الإرهابية المتشدّدة.
مخاوف حقوقية
أقام مودي علاقة وثيقة مع دونالد ترامب، سلف بايدن، حتى أنه نظّم تجمّعاً حاشداً داعماً للرئيس السابق اليميني الشعبوي في ولايته غوجارات.
وتعهّدت إدارة بايدن بالتركيز بشكل أكبر على حقوق الإنسان في العالم، لكنها غضت الطرف نوعاً ما عن مودي الذي عمل على تعزيز هوية الأكثرية الهندوسية في الهند العلمانية رسمياً.
وخلال مراسم استقبال مودي في البيت الأبيض، اليوم الخميس، قال الرئيس الأميركي إن "المساواة بموجب القانون وحرية التعبير والتعددية الدينية وتنوّع شعبنا (...) هذه المبادئ الجوهرية صمدت وتطورت حتى في ظل التحديات التي واجهتها خلال تاريخ كل من بلدينا".
وفي آخر تقرير لها عن الحريات الدينية، أشارت الخارجية الأميركية إلى هجمات نفذتها الشرطة ولجان أهلية ضد الأقليات، والتصريحات التحريضية الصادرة عن أعضاء في حزب مودي "بهاراتيا جاناتا" (حزب الشعب الهندي).
وقالت النائبة الأميركية ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، وهي شخصية تقدّمية بارزة من الحزب الديمقراطي، أمس الأربعاء، إنها ستقاطع خطاب مودي، لتنضم بذلك إلى حليفتيها المسلمتين في الكونغرس إلهان عمر ورشيدة طالب.
وأشارت أوكاسيو كورتيز إلى أن مودي كان محظوراً في الولايات المتحدة عندما كان زعيم ولاية غوجارات، على خلفية أعمال شغب أسفرت عن سقوط قتلى معظمهم من المسلمين، وبأن حكومته نفّذت حملة أمنية مؤخراً ضد "بي بي سي" على خلفية وثائقي انتقد دوره في أعمال عنف عام 2002.
وبينما لفتت إلى أنّ على الكونغرس الأميركي عدم دعوة زعماء تعد "سجلاتهم في حقوق الإنسان مقلقة للغاية"، دعت النائبة الأميركية إلى المقاطعة دعماً "للتعددية والتسامح وحرية الصحافة".
(فرانس برس)