بايدن والحلفاء الأوروبيون يفشلون إلى الآن في ردع بوتين

09 فبراير 2022
بايدن غير مرتاح لأدوار وممارسات بعض الأوروبيين تجاه الأزمة الأوكرانية (Getty
+ الخط -

تواجه إدارة بايدن مأزقاً لا تُخفى معالمه، إذ إن توظيف جزء كبير من الرأسمال السياسي للرئيس جو بايدن من أجل حمل الكرملين على التراجع في أزمة أوكرانيا، بقي بدون مردود.

وبالمثل، كانت نتيجة استنفار للحلفاء الأوروبيين الذين خابت محاولاتهم مع الرئيس فلاديمير بوتين لزحزحة مواقف الكرملين. والأسوأ من ذلك أنه بعد كل هذه الجهود الدبلوماسية والتحذيرات والتلويح بالعواقب القاسية، فضلاً عن محاولات الردع من خلال إرسال قوات أميركية إلى بعض الحلفاء في أوروبا الشرقية والتلويح بالمزيد منها، زاد سيّد الكرملين من حشوده، وآخرها البحرية، ومن دون أن يتراجع قيد أنملة عن شروطه، بل جعلها أكثر غموضا وصعوبة في فك طلاسمها.

وأحرج هذا الوضع واشنطن التي بدت كمن لا حيلة لها على التأثير بمجرى الأزمة، ناهيك بالقرار الروسي. وقد أثار ذلك طوفانا من النقاش والجدل والقراءات، بين متشدد وعاتب على الحلفاء. 

الصقور خاصة من خصوم الرئيس في الكونغرس وصفحات ومنابر الرأي، يدعون، إلى فرض "عقوبات مسبقة" لردع موسكو وإنذارها بالمزيد لو دخلت القوات الروسية إلى أوكرانيا، والدفع بتعزيز القدرات الدفاعية في أوروبا الشرقية وأوكرانيا، مع الإصرار على النية بتوسيع "الناتو" باعتبار أن هذه مسألة غير قابلة للبحث. ومع أن الإدارة اتخذت مثل هذا الموقف من البداية، إلا أن الطرح تغلب عليه المزايدة السياسية وخاصة العقوبات المسبقة التي لم يأخذ بها البيت الأبيض.

أما موضوع الحلفاء الأوروبيين، فهناك عدم ارتياح أميركي، بل عتب ومرارة ولو مضمرة من ضعف تضامنهم القوي والصريح وعدم "تطابق" ردودهم مع الموقف الأميركي، خاصة أن مسألة أوكرانيا ومخاطرها تتعلق بالأمن الأوروبي، وبالأخص أن الكبار منهم مثل ألمانيا وفرنسا، حرصوا على مراعاة مصالحهم الكبيرة مع موسكو وتقديمها على موجبات التصدي لتهديداتها في أوكرانيا. 

ومن المآخذ أن برلين ترفض تزويد أوكرانيا بمعدات عسكرية حتى لا تغيظ موسكو، واستعاضت عن ذلك بتقديم مساعدات اقتصادية لها. وأكثر ما أثار الاستياء في واشنطن أن ألمانيا أصرت من البداية على تحييد أنبوب الغاز الروسي نورد – 2 إلى أوروبا والذي اقترب من مرحلة التشغيل. وتبدى ذلك بوضوح أمس خلال زيارة المستشار أولاف شولتز لواشنطن، والذي امتنع في أكثر من مقابلة ومؤتمر صحافي، عن ذكر هذا المشروع والتلويح به كورقة في معركة ردع موسكو.

ولم تخف بعض الأوساط تشكيكها بصدقية الحليف الألماني، ولو أن امتناعه ربما كان مرتبطا بزيارته الأسبوع القادم إلى موسكو للبحث في الأزمة مع بوتين. وكان من اللافت أن كُشفت معلومات مسربة بعد مغادرة شولتز لواشنطن، أن الرئيس بايدن غير مرتاح عموماً لأدوار وممارسات بعض الأوروبيين مثل الرئيس ماكرون "الذي يطمح ليكون ديغول" فرنسي آخر. ويُتهم ماكرون بتعمد التحرك باسم الاتحاد الأوروبي، وليس التحالف الأطلسي، ليُبقي بريطانيا خارج اللعبة.

كما يعتقد بايدن أن شولتز "لا يقوى على توحيد الأوروبيين، كما كانت أنجيلا ميركل"، وكأنه في ذلك يعبّر عن شيء من الخيبة في تعويله على الدبلوماسية الأوروبية لتلعب دور الرافعة في الأزمة الراهنة مع موسكو، كما أن في ذلك غمزا مبطّنا من تغليب أوروبي ضمني للمصالح الكبيرة في القارة والتي كانت ميركل نفسها قد دعت الأوروبيين قبل تقاعدها إلى حمايتها من خلال" الاتكال على أنفسنا من الآن وصاعدا". وكانت ميركل ترد آنذاك على الفوقية التي مارسها الرئيس ترامب على الأوروبيين وحلف "الناتو"، فهناك مرارة أوروبية يعرفها الأميركيون وخاصة بايدن، الذي خطف من فرنسا بالتواطؤ مع بريطانيا، صفقة الغواصات الأسترالية. 

ويبدو أن الأوروبي المكتوي من واشنطن لم ينس وصية ميركل، ويبدو أنه ترك لها حيزا في تحركه لاحتواء المشكلة الراهنة، لكن في اعتقاد دوائر أميركية أن إصرار بوتين على التصعيد بكل ما ينطوي عليه من مخاطر على الأمن الأوروبي، قد يؤدي في النهاية إلى تعزيز التماسك في التحالف الأطلسي بدل أن ينعكس سلبا عليه "كما يطمح بوتين".

ويبدو أن الأمور سائرة في هذا الاتجاه، حسب قراءات رصينة أخرى، فالرئيس بوتين يبدو أنه "يتوسل حيثيته الأوكرانية" التي أبدى الأميركيون والأوروبيون استعدادهم "للنظر والبحث فيها"، لتسجيل أهداف أبعد من مسالة عدم ضم أوكرانيا إلى حلف "الناتو". أهداف من عيار إعادة رسم خريطة الأمن الأوروبي" وإخراج أميركا منها بالإضافة إلى خلخلة حلف الناتو".

وحسب هذا التصور، يبني بوتين حساباته على أساس أن الظرف الدولي المنهك ملائم وأن الولايات المتحدة غارقة بمتاعبها الداخلية والخارجية من الصين إلى إيران. ولترجمة أجندة من هذا النوع قد يعتمد بوتين خطة معقدة ومتنوعة تكفل خلق الذرائع كغطاء للقضم وبما يحقق الشروط بالتقسيط عبر عملية طويلة يتحكم بمفاتيحها. هذا واحد من السيناريوهات المتداولة والمبنية على التكهن الذي تفرضه حركات وإشارات لاعب الشطرنج والمفتوحة على التأويل، مثل دعوته إلى مواصلة الحوار، وفي الوقت ذاته يواصل تعزيز حشوده العسكرية. وبذلك يحتفظ بكل خياراته لترجمة حساباته في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة. ويبقى السؤال مطروحاً حول ماهية الطريقة المناسبة لذلك. 

المساهمون