تزايدت في الأيام الأخيرة متاعب الرئيس الأميركي جو بايدن، في وقت تعاني فيه حملته الانتخابية من حالة ركود بدأت تدب الذعر في صفوف حزبه الديمقراطي.
الخميس، صدرت لائحة اتهام جنائية بحق ابنه هانتر في قضية اقتناء سلاح فردي بصورة مخالفة للقانون، فيما تتوالى التحقيقات بمخالفاته الضريبية، وبأعماله وشركاته التي باشرها يوم كان والده نائباً للرئيس (2009/2017). في الوقت نفسه، باشرت الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب عملية التقصي الهادفة إلى التصويت على عزل بايدن، بزعم أن ثروته زادت من أعمال ابنه، وبما يشكّل مخالفة تستدعي اتخاذ مثل هذا الإجراء.
المشكلة في هذه التطورات توقيتها المربك للرئيس، لا خطورتها القانونية. ودفع هذا الإرباك لحملة انتخابية مترنحة أصلاً، إلى المطالبة العلنية والمسموعة بانسحابه من معركة الانتخابات الرئاسية 2024 تحاشياً لهزيمة بدأت تبدو محققة، كما ترى جهات وازنة في فريقه الانتخابي - السياسي. ولا بدّ أن مثل هذه المفاتحة قد زادت من الضغوط على ساكن البيت الأبيض، ومن غير المستبعد أن تضطره إذا توسعت دائرتها، إلى إعادة النظر بخياره الانتخابي.
قصة ابنه ومشاكله قديمة. جديدها يعود إلى عام 2018، حين أعطى إفادة كاذبة أنكر فيها تعاطيه المخدرات لتأمين موافقة متجر السلاح على بيعه مسدس. في هذه الحالة، القانون صارم، لكنه يتساهل مع المرتكبين من غير أصحاب السوابق مثل هانتر. ولو لم يكن ابن الرئيس، لما تحوّلت التهمة إلى حديث الساعة في واشنطن، والإعلام، ووسائل التواصل، مع كلّ ما يرافق ذلك من تأويل، وتضخيم، وعلامات استفهام، خصوصاً وأن التحقيق في هذه المخالفة قد فتح الأبواب على مخالفات هانتر الضريبية، والأهم على أعماله التجارية السابقة في أوكرانيا والصين، والتي تبين أنه كان يتداول بشأنها مع والده، الذي كان هانتر يتعمّد التذكير به أمام شركائه الأجانب ليوظف موقع نائب الرئيس لخدمة مصالحه، وهي رواية مؤذية للرئيس إذا صحّت سرديتها.
استفادت جماعة الرئيس السابق دونالد ترامب في مجلس النواب من هذه القضية، لزرع الريبة بالرئيس ورسم الشبهات حوله لطرح مسألة العزل، مع أن الحيثيات الدستورية الملزمة غير متوفرة لتبرير اللجوء إلى هذا الخيار، إذ ليس هناك جريمة ارتكبها الرئيس ولا خيانة، فقط ذرائع مسيّسة ومفروضة على رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، تحت تهديد مجموعة اليمين الجمهوري بعزله من منصبه إذا مانع في المضي بها. الغرض أن يخرج المجلس بغالبيته الجمهورية بقرار لعزل بايدن أسوة بما فعلت غالبيته الديمقراطية مع ترامب في 2021، ولو أنّ نسف العزل مضمونٌ في مجلس الشيوخ.
ومع أنّ هذا الإجراء قد يرتد سلباً على الجمهوريين، إلا أنه قد يساهم أيضاً في إثارة الشبهات، وبالتالي البلبلة في حملة بايدن التي لا تحتمل المزيد من الاهتزاز، وخاصة في ساحتها الحزبية، إذ يرى 77% من الأميركيين وفق آخر استطلاع، أنّ بايدن لن يقوى في الثانية والثمانين من العمر على ممارسة مهامه لمدة أربع سنوات. الاعتقاد نفسه يشمل 69% من الديمقراطيين، حسب استطلاع وكالة أسوشييتد برس بالاشتراك مع مركز الأبحاث للاستطلاعات. والأرقام محبطة أيضاً في ما يتعلق الأمر بنائبته كامالا هاريس التي لا يتجاوز رصيدها 39.5% وفق استطلاع "موقع 538".
كلّ هذا كان بمثابة قرع لجرس الإنذار. الحديث عن منافس أو بديل لبايدن متداول منذ فترة بين الهمس وجسّ النبض. من بين الطامحين، ولو بتردد، منْ تراجع مثل حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، ومنهم من بقي في الميدان، لكن من غير أن يقوى على الإقلاع، وربما لن يقوى لغياب المواصفات برغم الزخم الذي يوفره اسم العائلة، مثل روبرت كينيدي جونيور.
وفي ضوء ضغط الوقت وتزايد المؤشرات على صعوبة تسويق بايدن أو نائبته هاريس، عاد شبح ترامب يحوم فوق واشنطن وبالتحديد فوق الديمقراطيين، خصوصاً وأنه لم يبرز حتى الآن منافس جدّي له بين المرشحين الجمهوريين، والأرقام تعزز خشية الديمقراطيين، سواء فاز ترامب بالترشيح أو غيره من المرشحين الجمهوريين الآخرين.
وقد انعكست هذه الخشية في مطالبة الرئيس، ولأول مرة بمثل هذه العلانية والصراحة، بالانسحاب من المعركة وتركها لغيره. وأهمية هذه الدعوة التي حملتها مقالة كاتب الرأي الشهير ديفيد إغناتيوس في "واشنطن بوست"، أنها أبعد من رأي كاتب وفي صحيفة مؤيدة للخط الديمقراطي. فالمذكور مطلع على أجواء المرجعيات وصانعي القرار. والاعتقاد أن مطالبته بهذه الصورة المباشرة، وهو مقرّب من بايدن ومحسوب على خندقه، تعكس الأجواء الحزبية المتخوفة من مرشح معطوب، لا تحتمل الظروف المراهنة عليه، في معركة تنطوي على تداعيات فاصلة. فهل يستجيب بايدن لمثل هذه الدعوة إذا بقيت أوضاعه تتفاقم؟
المأزق أنّ بايدن وفق هذه الحسابات، ليس رجل الساعة، لكن لا بديل له حتى الآن. بذلك يتساوى الحزبان. كلاهما متورط بمرشح، إما معطوب أو كارثي.