أصدرت المحكمة العليا الباكستانية، أول من أمس الأربعاء، قراراً أمرت بموجبه الحكومة في إسلام أباد، والتي يرأسها شهباز شريف، بإجراء الانتخابات المحلية في كل من إقليم البنجاب وإقليم خيبربختونخوا، شمال غربي البلاد، وهو ما ظلّت ترفضه حكومة شريف، بعد حلّ البرلمانيين المحليين في هذين الإقليمين، رغم صدور قرار بذلك من الرئاسة الباكستانية.
وتدخل انتخابات البنجاب وخيبربختونخوا في دائرة الصراع الجاري في البلاد بين الحكومة والمعارضة الممثلة بحزب رئيس الوزراء السابق عمران خان، لكن قرار المحكمة العليا، والذي رفضته الحكومة وتفاوتت آراء المعلقين حوله ما بين صائب أو خاطئ، أعاد تسليط الضوء على حدود دور وتدخل القضاء في السياسة، وهو أمر ظلّ متغيّراً في تاريخ باكستان، ومتبدلاً بين مرحلة وأخرى.
قرار لإجراء انتخابات في البنجاب وخيبربختونخوا
وأصدرت لجنة قضائية خاصة في المحكمة العليا الباكستانية، ترأسها رئيس المحكمة القاضي عطا عمر بنديال، أول من أمس، أمراً بوجوب أن تجري الحكومة الباكستانية الانتخابات المحلية في إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا. واعتبرت اللجنة أنه ينبغي على الحكومة وفق الدستور إجراء هذه الانتخابات خلال 90 يوماً بعد تاريخ حلّ البرلمان في كلا الإقليمين، مشيرة أيضاً إلى وجوب التشاور مع حاكمي الإقليمين في ذلك.
وعلى الفور، رحّب حزب عمران خان (حركة الإنصاف) بالقرار، واعتبر وزير العدل السابق والقيادي في الحزب فؤاد شودري، أول من أمس، من أمام مقر المحكمة في العاصمة عقب صدور الأمر، أن المحكمة العليا "أثبتت أنها حرّة في قراراتها، وأن تطبيق القانون لا بد منه، من هنا نحن نشيد بدور المحكمة العليا والمحاكم الباكستانية، ولا سبيل أمام الحكومة سوى إجراء الانتخابات".
بدوره، ذهب وزير الداخلية السابق شيخ رشيد إلى اعتبار أن يوم الأربعاء "يوم الفتح المبين"، مضيفاً أن "القانون أخذ طريقه، وعلى الشعب الباكستاني أن يستعد لإجراء الانتخابات المحلية في الإقليمين، ولا مانع ولا ذريعة لدى الحكومة أن تؤخر أو تؤجل ذلك، لأنه سيكون بمثابة ازدراء لقرار المحكمة". وحذّر رشيد من "وقوع كارثة في البلاد" في حال التأجيل.
رفضت حكومة شهباز شريف قرار المحكمة العليا
لكن وزير العدل الباكستاني في حكومة شريف أعظم نذير تارر قال في حديث، أول من أمس، مع قناة "جيو" المحلية، إن الحكومة "ستدرس القرار"، الذي اعتبره "مبدئياً غير صائب، وغير موافق للدستور".
وحول سبب هذا الموقف، شرح الوزير أن "اللجنة المخولة بالبحث في المسألة، كانت مكونة أصلاً من 9 قضاة، رفض اثنان منهم المشاركة، ثم أُخرج اثنان آخران من قبل المحكمة بعدما اعترضت عليهما الحكومة، ليبقى 5 فقط، ومن بين هؤلاء، عارض اثنان القرار الصادر، وبالتالي فإن ثلاثة قضاة فقط قرّروا أن تجرى الانتخابات خلال 90 يوما"، ولفت إلى أن محكمتين في خيبربختونخوا والبنجاب تنظران في القضية، معتبراً أن قرارهما سيكون هو المعتمد.
وكان برلمان البنجاب قد جرى حلّه في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي، بعد استقالة معظم نواب حزب عمران خان منه حيث كانت لهم الأكثرية، فيما جرى حلّ برلمان خيبربختونخوا في 18 من الشهر نفسه للسبب ذاته.
وبحسب الدستور الباكستاني، فإن حلّ برلمان أي إقليم لا يعني بالضرورة إجراء انتخابات مبكرة في كل باكستان، ولكن إجراء انتخابات في غضون 90 يوماً في الإقليم ذاته فحسب، ما يعني إجراء انتخابات في إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا فقط لا غير، إضافة إلى عدم مقدرة الإقليمين على المشاركة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها حتى الآن في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الحالي.
أصدر الرئيس الباكستاني قراراً بوجوب إجراء انتخابات في الإقليمين في غضون 90 يوماً بعد حلّ البرلمانين
وأخذت المحكمة العليا في إسلام أباد علماً بالأزمة وأخذت على عاتقها البحث في المسألة من تلقاء نفسها، بعدما كانت حكومة شهباز شريف قد رفضت الالتزام بقرار الرئيس الباكستاني عارف علوي (ينتمي لحزب خان)، الذي حدّد بموجبه 21 من شهر مارس/ آذار الحالي، و9 من شهر إبريل/ نيسان المقبل موعدين لإجراء الانتخابات المحلية في إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا على التوالي. وذكر مكتب علوي أنه حدّد الموعدين بناء على المادة رقم 57/1 من قانون الانتخابات، ووجه رسالة إلى لجنة الانتخابات لتنظيم الاقتراع.
وجاء في الرسالة أن الرئاسة حاولت إجراء مشاورات وعقد اجتماعات مع لجنة الانتخابات لاتخاذ الإجراءات اللازمة ووضع خطة لإجراء الانتخابات، إلا أن اللجنة لم تحضر لإجراء المشاورات، ما جعل الرئاسة ترى أنه أصبح لزاماً عليها تطبيق القانون. لكن الحكومة، وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها، بينهم شهباز شريف نفسه ووزير الدفاع خواجه آصف والداخلية رانا ثناء الله، اتهموا عمران خان باستخدام الرئيس الباكستاني لتنفيذ أجندته السياسية.
وبينما ظلّ عمران خان يدعو مرة تلو الأخرى المحكمة العليا للتدخل في قضية تأجيل الحكومة الانتخابات المحلية في الإقليمين، إلا أن حكومة شهباز شريف لم تتوقع أن تدخل المحكمة العليا فعلاً على خط الأزمة. وجاء استبعاد الأمر من قبل الحكومة، رغم أن محكمة إقليم البنجاب المحلية (محكمة لاهور العليا) طلبت من الحكومة في 10 فبراير تحديد موعد للانتخابات هذه، بحسب مقتضيات القانون.
لكن بخلاف توقعات الحكومة، فقد تدخلت المحكمة العليا في العاصمة، وأعلنت النظر في القضية من خلال تشكيل لجنة قضائية رأت قرار علوي صائباً، ما أدخل البلاد في صراع وجدل جديدين بين الحكومة والمعارضة، وأعاد تسليط الضوء على دور القضاء ومدى تدخله في السياسة.
نأي عن العمل السياسي
ولا شكّ أن للمؤسسة العسكرية في باكستان تاريخاً طويلاً من الانخراط في الشأن السياسي، غير أن المؤسسة القضائية ظلّت معروفة بنأيها بنفسها عن السياسة، إلا في زمن الحكومات العسكرية، حين تكون المؤسسة القضائية تابعة للحكومة، وهو ما كان الوضع عليه في عهد الرئيس العسكري السابق برويز مشرف ومن قبله. كما أن المؤسسة القضائية ظلّت مبتعدة عن السياسة، رغم اتهام جهات عدة لها (تارة الحكومة وتارة المعارضة)، بأنها تنحاز في بعض قراراتها إلى الجهة المناوئة).
وجاء قرار المحكمة العليا أول من أمس حول الانتخابات، بعد يوم من إصدار محكمة في العاصمة مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء السابق عمران خان، وذلك بسبب غيابه عن جلسة استماع بتهمة بيع هدايا حكومية وإخفاء أصوله. وجاء هذا القرار متزامناً مع قرارات أصدرتها ثلاث محاكم أخرى وقضت بأن خان محصّن من الاعتقال بتهم منفصلة تتعلق بالإرهاب ومحاولة قتل ضد سياسي منافس والكسب غير المشروع.
تريد الحكومة إجراء انتخابات الإقليمين في أكتوبر المقبل تزامناً مع الانتخابات العامة
وفي تعليقه على أداء القضاء، رأى المحامي الباكستاني راشد عمر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه ما كان يحق للمحكمة العليا النظر في قضية انتخابات الإقليمين، لأن هناك حدوداً للقضايا التي يفترض أن تنظر فيها، ولأن محكمتي إقليمي البنجاب وخيبربختونخوا كانتا تنظران في القضية، وهذا ما كان سبب معارضة قاضيين اثنين في اللجنة للقرار.
ولفت عمر إلى أن "القضية كانت مرتبطة بلجنة الانتخابات الوطنية والحكومة، واللتين رأتا أن لديهما مسوغات قوية لإجراء انتخابات الإقليمين تزامناً مع الانتخابات العامة في أكتوبر المقبل". ورأى عمر أن الانتخابات في الإقليمين ستجري في أكتوبر، محذراً من أن تدخل المؤسسة القضائية في السياسة خطير جداً، لأن ذلك سيدفع بالبلاد نحو المزيد من الاضطراب، وحينها لن يكون المواطنون معتمدين على المؤسسة القضائية، لأن رأيها سيكون محل تنازع، ودعا لبقاء القضاء الباكستاني "وجميع المؤسسات في البلاد تعمل ضمن حدودها"، كما حذّر من أن المحكمة العليا خصوصاً "بدأت تنحاز إلى حزب سياسي، ما يؤدي إلى انقسامها"، وهو ما اعتبره أمراً أصبح حاصلاً.
لكن الإعلامي الباكستاني أبرار أحمد، المهتم بقضايا المحاكم الباكستانية، اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه كان من الضروري أن تنظر المحكمة العليا في هذه القضية، لأنه لولا ذلك فإن الأمر كان سيؤدي إلى صراع سياسي وانقسام. وبشكل عام، اعتبر أن انخراط المؤسسة القضائية في السياسة يزيد الانقسام، لكنه لو ظلّ في حدوده، حينها فإن أي قرار سيضع حداً للصراع.
أما المحامي الباكستاني وكيل أحمد، فاعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القضاء والسياسة لا يتماشيان معاً في باكستان، فالقضاء عليه توفير العدالة للناس، وهو ما يتوقعه منه الشعب، أما الأحزاب السياسية فلها تاريخ طويل من الصراعات، وبالتالي فإنه إذا انخرطت المؤسسة القضائية في السياسة، وبدأ قضاة المحكمة العليا ينحازون للأحزاب، فسيشتد الصراع الذي ستدفع البلاد ثمنه، وخصوصاً أن باكستان تمر بأوضاع سياسية ومعيشية سيئة.