باتيلي ومشروع "الخمسة الكبار"

30 نوفمبر 2023
باتيلي خلال لقائه الدبيبة في طرابلس، سبتمبر الماضي (الأناضول)
+ الخط -

أضاف المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي، مصطلحاً جديداً إلى قاموس الأزمة الليبية. فبعدما دعا القادة الأساسيين في مشهد الصراع، الذين وصفهم بـ"الخمسة الكبار"، إلى طاولة حوار سياسي جديدة، بات مصطلح "الخمسة الكبار" متداولاً في الأوساط السياسية المحلية والمتابعة للشأن الليبي بشكل واسع، على حساب اللقاءات السابقة كلقاءات الصخيرات وبوزنيقة وبرلين الأول والثاني وجنيف وغيرها، والتي لم يبق منها إلا التعبيرات التي تشير إلى أن الحوار السياسي هو موضوع اللقاء. 

ومنذ إطلاق أول حوار سياسي يجمع أطراف الصراع الليبي في الصخيرات المغربية عام 2015، تضخم قاموس التوصيفات والتعبيرات الخاصة بالأزمة الليبية، من دون أن يحرز أي تقدم. فالأجندة المحددة لقضايا ومسائل الحوارات تتوسع في كل مرة تبعاً لنتائج كل حوار والذي يضيف طرفاً جديداً في مشهد الأزمة، وآخرها الطاولة السياسية التي دعا إليها باتيلي، والتي يفترض أن تضم اللاعبين الخمسة "الكبار"، رئيس البرلمان عقيلة صالح والمجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة واللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بعدما كان الصراع يدور بين طرفين يمثلان جهتين: الشرق والغرب. 

صحيح أن الوجوه التي شاركت في منتدى الحوار السياسي عام 2020 بلغ عددها 75 شخصية من مختلف الانتماءات السياسية والمجتمعية، لكنها في الحقيقة لم تكن في الواقع تناقش عمق الأزمة بل الظاهر منها وتبحث عن حلول مؤقتة لها، ولم ينته هذا المنتدى إلا إلى توحيد شكل السلطة دون إجراء مصالحة وطنية تقوم عليها ركائز وحدة حقيقية تجتث جذور الخلافات والصراعات. 

ما فعله حوار الشخصيات الـ75 لا يعدو كونه تفتيت جبهة الصراع الجهوي وزيادة عدد أقطابها في الجهة الواحدة. ففي شرق البلاد، وإن كان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وقائد المليشيات هناك خليفة حفتر تربطهما مصالح في الظاهر، إلا أن الخلافات عميقة بينهما. وفي الغرب، وإن كانت سلطة حكومة الدبيبة ترتبط بالمجلس الرئاسي الذي يقوده محمد المنفي بصلاحيات وتراتبية هرمية، إلا أن الخلاف بينهما قائم وإن كان يزيد وينقص. وغير بعيد عن ذلك، المجلس الأعلى للدولة الذي يمثل منتظماً سياسياً تميل مصالحه في كل مرة مع طرف، مع صالح حيناً، ومع الدبيبة حيناً آخر. 

لم يعد صعباً تكهن نتائج حوار الطاولة الجديدة، فقاموس الأزمة وسجلاتها كافيان لتكهن النتيجة مسبقاً: سوف يلبي القادة الخمسة دعوة باتيلي لكن باشتراطات سيتشددون في فرضها لضمان تمرير هدفهم الأساسي في البقاء بالسلطة ضمن أي تسوية سياسية جديدة بينهم، وبالتالي فاستحقاق الانتخابات الذي سيقصيهم ولن يحقق بقاءهم، ستكون عرقلته هدفهم المشترك. 

هذه هي الحقيقة التي يدركها الليبيون، وهي أن مبعوثي الأمم المتحدة على تتابعهم لم ولن يضيفوا أي جديد لحلحلة أزمة بلادهم، وكل ما يضيفونه هو لسجلاتهم المهنية من مشاريع يحمل كل منها مسمى مختلفاً، وإن كان عنوانه الحوار من أجل الحل، ومشروع "الخمسة الكبار" لن يكون بعيداً عن المشاريع التي سبقته.

المساهمون