واجه الانقلاب العسكري في النيجر على حكم الرئيس المنتخب محمد بازوم، معارضة دولية قوية، وتعددت طرق الضغط على العسكريين من أجل إعادة الحكم الدستوري في البلاد، بدءاً بالضغط السياسي ثم فرض العقوبات الاقتصادية، وانتهاء بالتهديد بالتدخل العسكري لإعادة الرئيس المعزول إلى الحكم.
تبدلات ما بعد انقلاب النيجر
لكن الأمور تغيرت بعد مرور ما يقارب 5 أشهر على الانقلاب الذي نفذه قائد الحرس الرئاسي عبد الرحمن تياني في 26 يوليو/تموز الماضي، إذ يبدو أن السلطات الحالية في نيامي نجحت في التخفيف من الضغوط الدولية وتأثيراتها السياسية والاقتصادية، في بلد يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية. وأعلنت السلطات العسكرية في نيامي، مساء الثلاثاء الماضي، حصولها على اعتراف من قبل الأمم المتحدة، بعد أن اعتمدت الجمعية العامة وثائق المجلس العسكري الحاكم في النيجر كممثل وحيد للسلطات النيجرية لدى جميع هيئات الأمم المتحدة.
لكن المتحدثة الرسمية باسم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، مونيكا غرايلي، قالت: "إن قرار لجنة اعتماد وثائق التفويض التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول أوراق تفويض ممثل النيجر المقدمة من المجلس العسكري، لا يعني اعتراف الأمم المتحدة بالحكومة العسكرية".
غرايلي: الأمم المتحدة ليست الجهة التي تعترف بحكومة ما أو لا
وأضافت، رداً على استفسارات لمراسلة "العربي الجديد" في نيويورك ابتسام عازم، حول قرار لجنة وثائق التفويض قبول أوراق اعتماد ممثل المجلس الانقلابي غير المعترف به دولياً، أن "الأمم المتحدة ليست الجهة التي تعترف بحكومة ما أو لا، فالاعتراف بحكومة ما تقرره الدول المختلفة من خلال علاقاتها الثنائية وبشكل أحادي".
وأشارت غرايلي إلى أن قرار اعتماد أوراق تفويض ممثل المجلس العسكري هذا ينطبق على الدورة الحالية للجمعية العامة، والتي تستمر لمدة عام وتنتهي في سبتمبر/أيلول المقبل، وقد تقرر اللجنة خلاف ذلك في دورتها للعام المقبل إذا ما أرادت. ومن المثير للاهتمام أن قرار لجنة وثائق التفويض، والتي تجتمع مرة كل عام، جاء في الوقت الذي لم تقبل فيه اللجنة نفسها أوراق اعتماد سفراء حكومات تُعتبر انقلابية، وهي أفغانستان وميانمار.
انفتاح إقليمي ودولي تجاه عسكر النيجر
في موازاة ذلك، قررت قمة رؤساء دول وحكومات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، في 10 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، فتح نقاش مع السلطات العسكرية في النيجر لوضع جدول زمني لمرحلة انتقالية "قصيرة المدى" تفضي إلى انتخاب حكومة ديمقراطية مدنية.
وكلّفت قمة "إيكواس" لجنة مكونة من رؤساء بنين وتوغو وسيراليون بالتفاوض مع المجلس العسكري بشأن الالتزامات التي يتعين تنفيذها، قبل تخفيف العقوبات التي فرضتها على نيامي. بعدها، أعلنت الولايات المتحدة، في 14 ديسمبر، استعدادها لاستئناف تعاونها مع النيجر بشروط، أبرزها أن يحدد "المجلس الوطني لحماية الوطن" الذي أنشئ بعد الانقلاب "موعداً نهائياً لانتقال سريع وذي مصداقية" تنبثق منه "حكومة منتخبة ديمقراطياً".
ديابا: الاعتراف الدولي بالمجلس العسكري هو ثمرة تبرير الانقلاب
كما أعلن وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس خلال زيارة لنيامي، الثلاثاء الماضي، أن بلاده "مهتمة" باستئناف التعاون العسكري مع النيجر، بعد تعليقه جزئياً منذ انقلاب يوليو. وقال بيستوريوس لصحافيين بعد محادثات مع نظيره النيجري ساليفو مودي، إن بلاده "مهتمة باستئناف المشاريع" في النيجر في إطار التعاون العسكري. وأضاف أنه منذ الانقلاب "لم نوقف كل شيء. لقد تركنا مستشارنا العسكري هنا"، وكذلك "قوات خاصة" و"سمحنا للجنود النيجريين بالتدرب معنا". وتابع: "كنت واضحاً مراراً في الماضي لجهة أنه من المهم لألمانيا والشركاء الأوروبيين وشركاء آخرين الاستثمار في هذه المنطقة".
وتنشر برلين مائة جندي يتمركزون في قاعدة نيامي الجوية، والتي كانت تضم قسماً من القوات الفرنسية، حتى انسحابها أخيراً بناء على طلب النظام العسكري. وزيارة بيستوريوس هي الأولى لوزير أوروبي إلى النيجر منذ الانقلاب.
تجاوز الضغوط الدولية
يرى مراقبون أن النيجر نجحت في امتصاص الغضب العارم من الانقلاب العسكري بفضل الدعم الشعبي، والتحالف الإقليمي الذي أنشأته مع مالي وبوركينا فاسو بدعم من روسيا، إلى جانب انشغال العالم بأزمات أخرى، مما خفف إلى حد كبير الضغط الدولي على قادة الانقلاب.
في هذا الصدد، قال الخبير النيجري محمد ديابا، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "يمكن أن نفهم الأحداث الأخيرة في النيجر في ظل تطورات تحوّل النظام العالمي وتأثيره على الوضع السياسي والأمني في منطقة الساحل والصحراء". وأضاف أن "نزول روسيا بثقلها في منطقة الساحل يعني أنها ستحمي أي تحرك تم بموافقتها وبدعمها طالما أن أذرعها بالمنطقة ذات تأثير". ولفت ديابا إلى أن ذلك "ظهر في أزمة النيجر، فعلى الرغم من الضغط الدولي غير المسبوق استطاع حلفاء روسيا في غرب أفريقيا المناورة، ومواجهة رد الفعل الدولي بعد الإطاحة ببازوم".
وأشار إلى أن تأثير هذا الانقلاب "يتجاوز بكثير تأثير الانقلابات العسكرية التي حدثت في مالي وبوركينا فاسو وغينيا، حيث تجاوزت المطالب الموجهة للسلطات العسكرية بإعادة السلطة إلى المدنيين في أسرع وقت ممكن، كما يحدث غالباً، إلى التهديد بالتدخل العسكري". وفي وقت اعتبر أن "الانقلابات والانتهاكات الدستورية تثير دائماً حفيظة المجتمع الدولي"، قال ديابا إن "وجود دعم شعبي حقيقي للانقلابيين في النيجر، وإنشاء تحالف الساحل الثلاثي مع مالي وبوركينا فاسو، ودعم روسيا عبر مجموعة فاغنر لهم ولاستخباراتهم، عوامل ساعدت على تجاوز الضغوط الدولية".
الغيلاني: النيجر تكبدت خسائر كبيرة جراء انقلاب غير ضروري
ورأى أن بدء الاعتراف الدولي بالمجلس العسكري هو "ثمرة كل هذا الجهد الذي بُذل لمواجهة الضغوط الدولية وتبرير الانقلاب، وتبديد أي مخاوف بشأن دور النيجر في الأمن الإقليمي والتعاون في مكافحة الإرهاب بالساحل". وتابع أن "تعهدات المجلس العسكري الذي أكد مراراً أنه سيلتزم بتسليم السلطة بعد فترة انتقالية قصيرة، إلى جانب كل القرارات التي اتخذها للتخلص من الوجود الفرنسي العسكري والاقتصادي، ساهمت إلى حد كبير في تبرير الانقلاب وإقناع المجتمع الدولي بالأمر الواقع".
انقلاب مكلف للغاية
في المقابل، لا ينكر مهتمون بالشأن النيجري الآثار السلبية للانقلاب على حكم بازوم، والذي يعتبر واحداً من بين رؤساء أفريقيا الأكثر اعتدالاً وتقبلاً للمعارضة. فقد فاز بانتخابات ديمقراطية بشهادة المراقبين الدوليين، ولم يتمكن من الحسم إلا في جولة الإعادة وبنسبة تناهز 55 في المائة من الأصوات، مقابل 44 في المائة حصل عليها مرشح المعارضة ماهاماني عثمان.
ورأى الباحث الموريتاني محمد ولد الغيلاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا مبرر حقيقيا ومنطقيا للانقلاب على بازوم الذي لم تمضِ على فترته الرئاسية سوى عامين و3 أشهر". وأضاف أن "الموقف العدائي لفرنسا لا يبرر هدم نظام ديمقراطي وإدخال البلاد إلى نفق مظلم"، لافتاً إلى أن "النيجر تكبدت خسائر كبيرة جراء انقلاب غير ضروري، لا مبرر له سوى الرغبة في تحقيق المصالح الشخصية للعسكر واستغلال موجة الانقلابات وتسامح المجتمع الدولي معها".
وأشار الغيلاني إلى أن "خسائر النيجر جراء الانقلابات عديدة وفادحة وتتعدى الخسائر الاقتصادية، إلى عودة التنظيمات الإرهابية التي استغلت انشغال الجيش بالسياسة لتنظيم صفوفها والعودة بقوة للميدان". واعتبر أن "الرجوع بالبلاد إلى عهد الانقلابات ينسف كل الجهود التي بُذلت لإقامة نظام ديمقراطي، خصوصاً في عهد بازوم الذي كان منفتحاً على جميع التيارات السياسية ومنتقداً للتدخل الفرنسي بقوة".
ويسعى عسكر النيجر إلى بناء شرعية وطنية ودولية على أساس خطاب معاد للتدخل الفرنسي. ويسطر أهدافاً كبيرة لتحقيق ذلك، أهمها تحرير الاقتصاد من التبعية لكبريات الشركات الأجنبية. لكن النيجر تعاني من تأثير العقوبات الاقتصادية، التي قلصت ميزانيتها العامة بنحو 40 بالمائة.
وتمنع العقوبات منذ الانقلاب، النيجر من الوصول إلى الأسواق الإقليمية من دول "إيكواس". مع العلم أنها واحدة من أفقر البلدان في العالم، على الرغم من أنها غنية باليورانيوم والنفط، بل إنها من المنتجين الرئيسيين لليورانيوم في العالم.
وعلى الرغم من إمكانيات النيجر الهائلة وموقعها الاستراتيجي، إلا أنها لا تزال تعتمد على المساعدات الخارجية. ويعتقد مراقبون أن الانقلاب العسكري ورغم كلفته العالية، استطاع تجاوز أصعب مراحله.
وأطيح ببازوم في 26 يوليو الماضي، على يد عناصر من حرسه الرئاسي، ثم أُعلن قائدهم الجنرال عبد الرحمن تياني رئيساً للدولة في 28 يوليو، بعد أن تمكن من حشد دعم بقية فصائل الجيش لصالحه. ويرفض بازوم، المحتجز مع أفراد من عائلته وأعضاء حكومته وحزبه، التوقيع على خطاب الاستقالة. ويقترح المجلس العسكري فترة انتقالية مدتها 3 سنوات كحد أقصى يعيد في نهايتها السلطة إلى المدنيين، لكنه عاد بعد الانتقادات التي وجهت له بخصوص طول الفترة الانتقالية، ليؤكد أن هذه الفترة تحدد مدتها من خلال حوار وطني سيعقد قريباً.