انقلاب السودان: البرهان يدفن الشراكة مع المدنيين

13 نوفمبر 2021
يستعد السودانيون للخروج بتظاهرة مليونية اليوم (فرانس برس)
+ الخط -

يمكن وضع قرار قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تشكيل مجلس سيادة جديد في إطار دفنه الشراكة مع تحالف "قوى الحرية والتغيير"، خصوصاً بعد تحذير الأمم المتحدة من أن ما قام به البرهان "يغلق" النافذة أمام إمكانية التوصل إلى حل سلمي لأزمة الانقلاب. ووسط تحذيرات من اعتماد قائد الجيش على فلول حزب "المؤتمر الوطني" المنحل، والذي كان يرأسه الرئيس المعزول عمر البشير، لتدعيم حكمه، يستعد السودانيون للتصعيد بوجه الانقلابيين، مع المليونية الجديدة اليوم السبت.
وبعد ساعات من الانقلاب الجديد، أدى نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) القسم أمام البرهان، أمس الجمعة. وكان البرهان شكل، أمس الأول، مجلس سيادة جديدا، استبعد منه أربعة ممثلين لتحالف "قوى الحرية والتغيير". وأشهر الأعضاء الجدد أبو القاسم برطم، الذي كان نائباً في عهد البشير، وهو رجل أعمال يدير شركات تعمل في الزراعة والنقل. وكان برطم قد دعا في العام 2020 للتطبيع بين بلاده وإسرائيل. كما أصدر البرهان قراراً بفك تجميد مواد بالوثيقة الدستورية، ما عدا عبارة "الحرية والتغيير"، بحسب بيان صادر عن الإعلام العسكري للجيش. وأبرز المواد التي قرر البرهان فك تجميدها تتعلق بمجلس السيادة وصلاحياته ومهامه، ومجلس الوزراء ومهامه.

رفض "جيش تحرير السودان" تعيين إدريس في المجلس الجديد

وفي أول ضربة لقرار البرهان، رفضت حركة "جيش تحرير السودان ـ المجلس الانتقالي"، أمس الجمعة، تعيين رئيسها الهادي إدريس في المجلس السيادي الجديد. وقالت الحركة، في بيان، إن "إدريس ليس له أو لتنظيمه أي علم أو علاقة بقرار تعيينه في مجلس السيادة الجديد". وأوضحت أن "قرار التعيين غير ملزم للحركة ومرفوض رفضاً قاطعاً". وقال مستشار رئيس الحركة السياسي محيي الدين شرف، لوكالة "الأناضول"، إن "الحركة ملتزمة بعدم مشاركة رئيسها في مجلس السيادة الجديد"، مضيفاً أن "الحركة ستشارك في تظاهرات السبت، للمطالبة بالحكم المدني وإسقاط الانقلاب العسكري بالمقاومة السلمية".
وستزيد خطوة البرهان من حدة المعارضة بين الجماعات المدنية التي تعهدت بمقاومة الانقلاب من خلال حملة عصيان مدني وإضرابات وتجمعات حاشدة. وكان محتجون أغلقوا، أمس الأول، الطرق وأضرموا النار في الإطارات في مناطق مختلفة من العاصمة الخرطوم.

وقال عضو تجمع المهنيين السودانيين حسن فاروق، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" رداً على سؤال حول قراءته لقرار البرهان تشكيل مجلس سيادة برئاسته وهل يعني إنهاء الشراكة مع المدنيين والتفرد بالسلطة، إن "أي قرارات يتخذها البرهان عبارة عن انقلاب على الثورة ككل"، مضيفاً "هو عملياً يعمل على إعادة كل أعضاء المؤتمر الشعبي إلى مؤسسات الحكم، من الخارجية والأمن إلى التعليم". واعتبر أن أعضاء حزب "المؤتمر الوطني" يدعمون البرهان، خصوصاً مع إعادتهم إلى كل مؤسسات الدولة. وتابع فاروق: الشارع ضد العسكر والعودة إلى الشراكة في الحكم، وشعاراته خلال الثورة كانت واضحة، ومنها "لا لحكم العسكر"، و"العسكر لا يصونك". واعتبر أن أحد أكبر الأخطاء هي التراجع عن مبدأ عدم التفاوض مع العسكر. 
وأشار فاروق، رداً على سؤال حول المواقف الدولية، التي لم تتعد التعبير عن القلق، والدعوات المستمرة إلى الحوار، إلا أن هناك من يراهن على العودة إلى الشراكة بين العسكر والمدنيين، معتبراً أن من مصلحة واشنطن بقاء العسكر في السلطة. وعن التظاهرات المليونية المتوقعة اليوم السبت، قال فاروق إن "المليونية ستكون عبارة عن مواجهة مباشرة بين العسكر والشارع"، من دون أن يستبعد سقوط ضحايا جدد بنيران القوى الأمنية، موضحاً أنه منذ 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سقط 15 قتيلاً، كما أن هناك عشرات المعتقلين لدى الانقلابيين. واعتبر أن مصير البرهان سيكون مثل مصير البشير، الذي أطيح عن الحكم بعد أشهر من التظاهرات، موضحاً أنه لا يمكن للبرهان أن يحكم فيما يتصاعد العصيان وتتوقف عجلة الدولة.

من جهته، قال القيادي في قوى "الحرية والتغيير"، الناشط في حقوق الإنسان معز حضرة، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن ما قام به البرهان عبارة عن إلغاء كامل للوثيقة الدستورية، موضحاً أنه لا يمكن له القيام بهذا الأمر، بصفته قائداً للجيش. وأضاف: حتى التعيينات التي يصدرها مخالفة لقوانين الجيش. وأضاف: ما يحدث هو إعادة لفلول حزب البشير، إذ إن التعيينات التي أصدرها تضم أعضاء في "المؤتمر الوطني"، وحتى أن من عينهم في المجلس السيادي هم من الحزب المنحل.
وعن التظاهرات المليونية اليوم وما إذا كان البرهان سيواجهها بالقوة، أكد حضرة أن قائد الجيش لم يهتم أبداً بالاحتجاجات في الشارع، وقد سقط عشرات القتلى والجرحى منذ انقلابه، لكنه شدد، في المقابل، على قدرة الشارع على إطاحة الانقلابيين كما حصل مع البشير. وعلى عكس فاروق، رأى حضرة أن التدخل الدولي هو متدرج، إذ إنه بدأ بالشجب والانتقاد ووقف المساعدات، وقد يتزايد ضغطه على الانقلابيين للتراجع عن هذا الأمر، عبر إعادة السودان إلى الدول الراعية للإرهاب، خصوصاً إذا أصر البرهان على مواصلة السير بالانقلاب إلى النهاية.

وقوبل تشكيل مجلس السيادة الجديد برفض كبير في الداخل. وزير الإعلام السوداني المقال حمزة بلول، وصف ذلك بأنه "يمثل امتداداً للإجراءات الانقلابية التي بدأت في 25 أكتوبر". وأعرب عن "ثقته في قدرة الشعب السوداني على حسم الانقلاب وتصفية آثاره واستعادة كافة مكتسبات ثورة ديسمبر" ومواصلة الانتقال إلى الديمقراطية. ورأى أن هذا القرار يؤكد صحة موقف قوى الحرية والتغيير "الرافض للحوار مع الانقلابيين". وتابع: "هذه خطوة هروب إلى الأمام، وقراءة من كتاب المخلوع عمر البشير الذي ظل 30 عاماً يزدري صوت الشعب وينكل بالمناضلين والثوار".
أما تجمع المهنيين السودانيين فأكد، في بيان، أن "قرارات البرهان والمجلس الانقلابي تخصهم وحدهم، فلا شرعية لها ولن تجد من جماهير شعبنا إلا الازدراء والمقاومة الضارية حتى الإسقاط الكامل والزج بهم في مزبلة التاريخ حيث ينتمون". وفي حين أكد حزب "المؤتمر" السوداني أنه "سيقاوم القرار وأن صوت الشارع هو صوتنا وموقفه موقفنا"، قال تحالف "التجمع الاتحادي"، وهو أحد مكونات "الحرية والتغيير"، إن "إجراءات البرهان ما هي إلا تصعيد واستمرار في الإجراءات غير الدستورية التي قام باقترافها منذ بيانه الانقلابي في 25 أكتوبر الماضي". واعتبر الحزب "الشيوعي السوداني"، في بيان، أن القرار "عودة إلى ما قبل 11 إبريل/نيسان (تاريخ سقوط نظام البشير في 2019) وتبديل ديكتاتور بديكتاتور آخر". ودعا جميع السودانيين إلى "الوقوف صفاً واحداً لهزيمة الانقلاب العسكري َوامتداداته".

وفشل مجلس الأمن الدولي، أمس الأول، في إصدار إعلان مشترك بشأن التطورات في السودان، فيما حمل دبلوماسيون مسؤولية ذلك إلى روسيا التي تواصل دعم البرهان، وفق أحد الدبلوماسيين. وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، في تغريدة أمس الجمعة، إن قرار البرهان تعيين مجلس سيادة جديد برئاسته يصعب العودة إلى النظام الدستوري. وكتب مكتب بيرتس نقلاً عن إفادة قدمها أمام مجلس الأمن أن "التعيين الأحادي الجانب لمجلس سيادة جديد يزيد من صعوبة العودة إلى النظام الدستوري". وقالت سفيرة بريطانيا لدى الأمم المتحدة باربرا وودوارد، في إفادة لمجلس الأمن الدولي خلف الأبواب المغلقة، إن بيرتس كان "صريحاً للغاية في تقييمه بأن النافذة تنغلق الآن أمام الحوار والتوصل إلى حل سلمي". ويشارك بيرتس في جهود وساطة تهدف لتأمين إطلاق سراح محتجزين، والتوصل إلى أسلوب تفاوضي للخروج من الأزمة عبر العودة إلى تقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين. لكن هذه الجهود تعثرت وسط مؤشرات أن الجيش يتجه لتعزيز قبضته على الحكم.

حضرة: ما يحدث هو إعادة لفلول حزب البشير إلى مؤسسات الدولة

وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، أمس الأول، إن أحدث التطورات التي يشهدها السودان "مقلقة للغاية"، وإن الأمين العام للمنظمة الدولية أنطونيو غوتيريس يريد أن "يرى عودة إلى المرحلة الانتقالية في أسرع وقت ممكن". ودعا دوجاريك إلى الإفراج عن حمدوك وعن زعماء سياسيين آخرين.
وأعربت دول "الترويكا" (الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج) والاتحاد الأوروبي وسويسرا، في بيان مشترك أمس الجمعة، عن القلق البالغ بشأن إعلان البرهان عن مجلس سيادي والذي "يمثل انتهاكاً للوثيقة الدستورية". وقالت "ندعو إلى عودة رئيس الوزراء حمدوك والحكومة الانتقالية المدنية للسلطة". واعتبرت أن ذلك من شأنه أن يتسبب بـ"تعقيد الجهود الرامية إلى إعادة عملية الانتقال الديمقراطي في السودان إلى مسارها، كما يعد مخالفاً لتطلعات الشعب السوداني، ولمتطلبات تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد". واعتبرت أن "الدعم الدولي مرهون بنجاح عملية الانتقال السياسي بموجب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية الموقعة عام 2019 بين المكونين المدني والعسكري في السودان".
وكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في تغريدة، أن الأحداث في السودان مقلقة للغاية. وأضاف "نطالب بالإفراج فوراً عن جميع من يجسدون روح وأمل الثورة السودانية التي يجب ألا تتعرض للخيانة".

المساهمون