انفراط التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية يبدأ من مأرب

13 أكتوبر 2024
خلال حفل تخريج لقوات الجيش اليمني بمأرب، 2022 (فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت فروع الحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي في محافظة مأرب، شمال شرقي اليمن، أول من أمس الجمعة، تعليق كافة أنشطتها السياسية ضمن مسمى أحزاب التحالف الوطني في المحافظة. وذكرت الأحزاب الثلاثة، في بيان صحافي مشترك، أنها "وقفت أمام مسيرة العمل السياسي المشترك في محافظة مأرب"، الذي "تعتز بدورها الفعّال فيه مأربياً ووطنياً رغم الصعوبات والعراقيل المصنوعة من قبل البعض لوأد التجربة بممارسات تتنافى وأسس العمل المشترك"، مضيفة أنها "قرّرت تعليق كافة أنشطتها" ضمن مسمى أحزاب التحالف الوطني في مأرب.

علي بقلان: بعض الأحزاب يتجاوز الضوابط المنظّمة لأي عمل جماعي

وتشير الاتهامات الضمنية التي حملها البيان إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح (يضمّه التحالف)، الذي نشرت وسائل إعلام مقربة منه، يوم الأربعاء الماضي، بياناً صحافياً باسم التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية في محافظة مأرب، يدين العقوبات الأميركية التي اتخذتها وزارة الخزانة الأميركية بحق البرلماني الإصلاحي حميد الأحمر بتهمة دعم حركة حماس، وهو بيان نفت هذه الأحزاب أن تكون مشاركة فيه.

إشكالية ترافق تحالف أحزاب مأرب

الخطوة التي اتخذتها أحزاب الاشتراكي والناصري والبعث جاءت بمثابة مسمار في نعش أحزاب التحالف الوطني الذي يرى الكثير من المراقبين أنه يعيش منذ ولادته مرحلة موت سريري، كونه ظلّ محصوراً في المستويات القيادية العليا، من دون أن ينعكس على قواعد الأحزاب.

أمين سرّ فرع التنظيم الناصري في مأرب علي بقلان أوضح لـ"العربي الجديد" أن "سبب تعليق العضوية في أحزاب التحالف الوطني في محافظة مأرب يعود إلى تجاوز الضوابط المنظّمة لأي عمل جماعي، وقلّة الاحترام من البعض، وهذا أحد العوامل المؤثرة في فضّ التحالفات بين القوى السياسية في اليمن، إضافة إلى التفكير الأبوي لدى من يعتقدون أن من يمتلك الإمكانات المادية قادر على توجيه العمل في الاتجاه الذي يخدم مصالحه من دون مراعاة للآخرين وقناعاتهم".

وأكد بقلان "وقوف التنظيم الناصري في مأرب مع ضرورة العمل المشترك في إطار التحالفات السياسية، ولكن إذا لم تكن على أسس صحيحة ولوائح ناظمة وفق برامج تحدّد اتجاه هذه التحالفات وطبيعتها، فإن مستقبل أي تحالف سيكون إما الركود أو الانتهاء بمجرد أن يبدأ الاستئثار والأنا اللذان يهمشان الآخر ويلغيانه، ما يؤكد أن هذه التحالفات بالنسبة للبعض هي مجرد تكتيك مرحلي حقّق خطوة في اتجاه خاص على حساب قضية عامة، وهي، أي القضية العامة، ما نؤمن بها ونسعى وفقها إلى أي تحالف".

أكدت أحزاب في التحالف عدم مشاركتها في بيان لـ"الإصلاح"

وأشار بقلان إلى أن "أسباب فشل التحالفات الحزبية في اليمن تعود أساساً إلى عدم إدراك البعض أن المشتركات الوطنية تُبنى على مصلحة عامة وفق مشروع سياسي واضح المعالم، ولكن في اليمن، مثله مثل غيره، هناك من يعتبر التحالفات مسائل تكتيكية لهدف محدد، ويدفع هوس السلطة البعض لتجاوز أسس الشراكة الوطنية لينفرد، وبذلك تفشل التحالفات ما لم يكن أساسها صحيحاً، وتكون مبنية على قاعدة عامة تتمثل في مصلحة وطنية عليا".

وكان 16 حزباً وتنظيماً سياسياً، أبرزها المؤتمر والإصلاح والاشتراكي والناصري والبعث، قد أعلنت، في إبريل/نيسان 2019، على هامش انعقاد جلسة لمجلس النواب، عن إشهار تحالف سياسي داعم للشرعية واستعادة الدولة، وملتزم بالمرجعيات والثوابت الوطنية، باسم "التحالف الوطني للقوى السياسية اليمنية".

وتعاني الأحزاب السياسية اليمنية من حالة من التباين في الأيديولوجيا الفكرية التي تنعكس في العديد من المواقف من القضايا الرئيسية، بما في ذلك الموقف من الثورة الشبابية الشعبية 2011، وشكل الدولة، والموقف من الشرعية، والعلاقة مع دول التحالف العربي، غير أن الموقف من انقلاب جماعة الحوثيين على الدولة يوحد هذه القوى التي جعلت استعادة الدولة في مقدمة أهداف تحالفها.

نشاط حزبي هامشي

كما تعاني الأحزاب السياسية اليمنية من غياب تقييم تجارب تحالفاتها السابقة، وفي مقدمتها تجربة اللقاء المشترك الذي أُعلن عنه في فبراير/شباط 2003 وضمّ أحزاب الإصلاح والاشتراكي والناصري والبعث والحق واتحاد القوى الشعبية، بهدف التنسيق بين مكوناته في الانتخابات البرلمانية، والعمل المشترك لضمان وصول أحزابه إلى مجلس النواب.

وقد مرّ تكتل اللقاء المشترك بمراحل متباينة بين اتفاق واختلاف الأحزاب المنضوية فيه، لينتهي هذا التحالف فعلياً مع انقلاب الحوثيين، وتباين مواقف أحزابه من الانقلاب نتيجة انقسامها.

معن دماج: الكوادر والقواعد على حد سواء عاجزة عن التأثير وإنتاج قيادات بديلة

وهناك عدد من العوامل التي أدت إلى ضعف دور الأحزاب وغيابها، وفي مقدمتها استحواذ الجماعات المسلحة على المشهد، حيث الشمال تحت سيطرة جماعة الحوثيين ومعظم المحافظات الجنوبية تحت سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي، ولم يبق هامش للعمل الحزبي إلا في محافظتي تعز ومأرب اليمنيتين، غير أن هذا الدور يظل ضعيفاً أيضاً نتيجة وجود معظم قيادات الأحزاب اليمنية خارج البلاد، في الرياض والقاهرة وإسطنبول.

كما أن الأحزاب السياسية في اليمن تعجز عن الالتئام وعقد الاجتماعات التنظيمية بسبب حالة الانقسام السياسي والعسكري في البلاد الناتجة عن الحرب التي يشهدها اليمن منذ ما يقرب من عشر سنوات، وهو الأمر الذي فاقم حجم المشاكل التنظيمية لهذه الأحزاب.

وتحاول الأحزاب السياسية اليمنية، من خلال دخولها في تحالفات سياسية، تسجيل حضور للحفاظ على ما تبقى من دور للعمل الحزبي، في ظل غياب وتغييب القرار الحزبي انعكاساً لغياب القرار الوطني للشرعية المشكّلة أصلا من هذه الأحزاب، وهو ما يكشف حجم التأثير الذي أصاب العمل الحزبي والعمل المدني بشكل عام نتيجة غياب الدولة ومؤسساتها منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014.

ورأى أستاذ الاجتماع السياسي معن دماج، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن العمل الحزبي انكفأ في اليمن، لأن الأحزاب لا تستطيع أن تمارس سياسات غير ثورية، ولا هي قادرة على أن تكون فاعلة في بلد يشهد حرباً لها طابع الحرب الأهلية، إضافة إلى الصراع والتدخل الإقليمي. لكن برأيه، فإن أزمة الأحزاب سابقة أصلاً على هذه المرحلة، فكل الأحزاب في اليمن، وبدرجات مختلفة، تعاني انقساماً وتشظياً، لأنها لم تستطع ولا تستطيع رسم خطّ سياسي واحد وواضح، لأنها متى ما فعلت، سوف تخرج الانقسام من الضمني إلى العلني، وفق اعتقاده.

وأضاف دماج: "الحاجة للقول إن تأثير الأحزاب على مجرى الأحداث ضعيف، فهي كلّها تقريباً هامشية وغير مؤثرة باستثناء حزب الإصلاح الذي يعاني بدوره من جملة من المشاكل". وأوضح أن "التحالفات السياسية غالباً ما تأتي لتوفير إطار لتقاسم بعض المواقع في السلطة، ولتلبية حاجة قوى إقليمية، ولا تعبر عن سياسات وتوجهات الأحزاب الحقيقية، فكل التحالفات المعلنة تأتي بكل الأحزاب ونفس الأحزاب رغم أنها في الواقع وفي الإعلام متنافرة".

وأشار أستاذ الاجتماع السياسي إلى "أن المشكلة بين قيادات وقواعد الأحزاب في اليمن تتجاوز مسألة التحالفات، وقواعد الأحزاب نفسها تعيش انقسامات تتحدد في كثير من الأحيان بطبيعة الانقسامات الموجودة في البلد، والأحزاب الحالية تجاوزها الواقع وتكلّست، ولم تعد قادرة على إنتاج لا المشاريع السياسية ولا حتى الأفكار، وفي أحيان كثيرة، حتى انتماؤها لتاريخها ولأيديولوجيتها نفسها لم يعد واضحاً". وبرأيه، فإن "المسألة إذاً ليست قيادات عاجزة عن إنتاج الحلول، بل أيضاً كوادر وقواعد عاجزة عن التأثير وإنتاج قيادات بديلة وفرض خط سياسي محدد".