انفتاح الحكومة التركية على الأكراد: خطة لتمرير الدستور الجديد؟

21 أكتوبر 2024
باهتشلي (يسار) يصافح أوزغور أوزيل في البرلمان، 1 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- شهد البرلمان التركي تطورًا غير متوقع بمصافحة دولت باهتشلي لنواب حزب ديم الكردي، مما أثار تكهنات حول انفتاح رسمي على الأكراد. تبع ذلك تصريحات إيجابية من حزب العدالة والتنمية والحزب الكردي، مما دفع البعض للتفاؤل بمرحلة سلام جديدة.

- رغم التصريحات الإيجابية، يبقى التساؤل حول جدية التحركات، خاصة مع فشل محاولات سابقة للسلام مع حزب العمال الكردستاني. نفى قياديون في حزب ديم وجود اتصالات مع حزب العمال، مؤكدين ضرورة شمول البرلمان في أي عملية سلام.

- تتزامن التحركات مع جهود لكتابة دستور جديد، حيث يسعى التحالف الحاكم لضمان دعم الأحزاب الكردية في البرلمان. يرى البعض أنها محاولة لتطبيع العلاقات لضمان الدعم، بينما يعتبرها آخرون مكاسب سياسية وسط الأزمات.

مع افتتاح العام التشريعي الجديد للبرلمان التركي، بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي، فاجأ رئيس حزب الحركة القومية اليميني المتشدد، دولت باهتشلي، الرأي العام الشعبي والسياسي بمصافحة نواب حزب ديم الكردي الداعم لحزب العمال الكردستاني الانفصالي. تبع ذلك تصريحات إيجابية من قِبل حزب العدالة والتنمية الحاكم والحزب الكردي، ما دفع الرأي العام ومتابعين للحديث عن مرحلة مقبلة من الانفتاح الرسمي على الأكراد والأحزاب الكردية، وبدء مرحلة سلام جديدة، فيما تحدث آخرون عن "ربيع مؤقت" يستهدف التعديلات الدستورية.

ولاح مسار جديد في الأفق مع تعليقات إيجابية متبادلة من الحزب القومي والحزب الكردي، وتصريحات أخرى صبّت في صالح هذا المسار من الرئيس رجب طيب أردوغان، ما طرح تساؤلات حول جدية ما يمكن أن تؤول إليه الأمور، خصوصاً أن "العدالة والتنمية" حاول سابقاً قيادة مسار من أجل السلام مع حزب العمال الكردستاني إلا أنه لم يصل للهدف المنشود، وتوقف المسار رغم بعض التقدم فيه. وسبق أن قاد "العدالة والتنمية" مرحلة السلام مع "العمال الكردستاني" عبر لقاءات جرت في أوسلو النرويجية عام 2012، وتشكيل لجنة حكماء في العام 2014. لكن لم يتم الوصول إلى أي تطور، وعادت المواجهات بالتوازي مع حالة الحرب التي كانت موجودة في شمالي سورية وتشكيل كيانات وإدارة ذاتية كردية لاحقاً، لتعود هجمات "الكردستاني" وبعدها المواجهات مع الجيش التركي، والتي لا تزال مستمرة حتى اليوم.

وفي الوقت الذي تناقش فيه البرامج الإعلامية مع السياسيين والخبراء مسألة واحتمالات بدء مرحلة سلام جديدة، يجري الحديث عن اتصالات بين قادة حزب العمال الكردستاني وقيادة حزب ديم الكردي في جبال قنديل، لكن القيادي في "ديم" سيزايي تمللي نفى هذه المعلومات. وقال تمللي في لقاء مع صحافيي البرلمان، في 14 أكتوبر الحالي: "ليس لدينا معلومات حول هذه المسألة، ولذلك لا يمكننا التعليق على الاتصالات التي تجري من دوننا بخصوص هذا الأمر. المخاطِب هو إمرلي (عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني)، إذا كانت عملية الحل ستبدأ بالفعل فهو موجود". وأضاف أن "هناك مخاطبا ثانيا وهو البرلمان، نحن أيضاً طرف في هذا البرلمان، إذا بدأت حركة المفاوضات بالفعل وتم اتخاذ خطوات لحل القضية الكردية، فإن حزب ديم مستعد لتحمل المسؤولية وهو مرشح لهذا".

من جهته، قال باهتشلي في كلمة له باجتماع كتلة حزبه البرلمانية في أنقرة في 15 أكتوبر الحالي إنه "لا ينبغي لأحد أن يعتقد أن على الدولة التركية الجلوس لمفاوضة الإرهاب، الحديث عن أن المخاطب هو جزيرة إمرلي غير مصيب، وإن كان هذا ما يريدون فعليه (أوجلان) أن يعلن حل الإرهاب ووقف العمليات من طرف واحد". وأضاف أنه "على حزب ديم الكردي ألا يقع في شرك خداع الإرهابيين، وعليه ألا يفهم اليد الممدودة له بشكل خاطئ، فلا يمكن حوار الإرهاب، بل الصراع معه حتى النهاية". واعتبر أن "هناك ثلاثة خيارات أمام العمال الكردستاني تحدثنا عنها سابقاً، وهي التوقف عن النشاط الإرهابي فوراً بدون شرط، والاستسلام للدولة التركية، والقبول بنتائج العدالة التركية والقرارات الصادرة بحقه". وأضاف أن "اليد الممدودة هي يد بريئة تطالب بالتوحد داخل تركيا ومن يحاول الخروج بتقييمات مختلفة فهو مخطئ".

مرحلة جديدة مع الأكراد

الحديث عن المرحلة الجديدة بدأ بالمصافحة في البرلمان بين باهتشلي ونواب حزب ديم الكردي في الأول من الشهر الحالي، تبع ذلك تصريحات إيجابية من الحزب الكردي في اليوم التالي، إذ قال الرئيس المشارك للحزب، تونجر باقرهان، رداً على سؤال الصحافيين عن المصافحة: "أعتقد أنه لا يوجد شيء غير طبيعي، إذ كان مشهداً ينبغي أن يكون تحت سقف البرلمان، وهذه إحدى المهام الأساسية للبرلمان". وأضاف: "لماذا اختارنا الناس وأرسلونا إلى هنا؟ للحديث عن قضايا تركيا الأساسية وإيجاد الحلول لها، تركيا بحاجة إلى السلام الشامل". وتابع: "لا أعرف ما إذا كانت هناك عملية سلام جديدة ستخرج من مجرد المصافحة، لكن الصحيح أن تركيا تحتاج إلى السلام الاجتماعي".

عقب المصافحة والتصريحات الإيجابية من الحزب الكردي، التقى أردوغان مع حليفه باهتشلي في أنقرة في الثالث من الشهر الحالي، ويرجح تطرقهما لهذا الموضوع وإن لم يصدر أي إعلان رسمي. وفي خطاب ألقاه في الثامن من أكتوبر الحالي، أوضح باهتشلي ما ذهب إليه من المصافحة وهدفه، قائلاً إن "من ينظر إلى هذا الموقف الصادر عن حسن النية باعتباره محاولة للمعركة الرئاسية المقبلة والدستور الجديد بدلاً من المجاملة السياسية، هم البائسون الذين يبحثون عن الظلال في حقل ألغام". وأضاف أن "اليد التي أمدها هي رسالة وحدتنا الوطنية والأخوة، هي عبارة عن أمنية وعرض. تعالوا (حزب ديم) كونوا حزباً تركياً، اتخذوا موقفاً ضد الإرهاب، اتحدوا في أخوتنا"، معتبراً أن "المسؤولية الأساسية لحزب ديم هي فهم قيمة هذه اليد الصادقة التي تمد".

سئل أردوغان عن الموضوع وهو في طائرة العودة من جولة في دول البلقان في 12 من الشهر الحالي، وردّ بالقول: "نجد أن الموقف الذي طرحه باهتشلي إيجابي ومفيد لنضال بلادنا من أجل الديمقراطية"، مضيفاً أن "باهتشلي يؤكد هنا على أهمية الدعوة إلى المصالحة والحوار في البنية السياسية التركية، لذلك لا يمكن ترك هذه الخطوة التي قام بها جانباً، وكنا نعبر عن هذا منذ سنوات". وأضاف: "برأيي هذه الخطوة مهمة للغاية، ربما هناك من لم يتوقعها لكن لم أجد غرابة في أن يتخذ باهتشلي مثل هذه الخطوة، إنها خطوة مهمة".

الأحد 13 أكتوبر الحالي، شهدت مدينة دياربكر مسيرة مؤيدة لأوجلان. ورغم منعها من قبل سلطات الولاية إلا أن الآلاف شاركوا فيها، فيما اعتقل ستة أشخاص، وأطلقت النيابة العامة تحقيقاً بحق نواب "ديم". وقد جرت العادة أن تكون المواجهات في أحداث مشابهة أكبر بكثير وحصيلة اعتقالات أكبر، لكن الأمور بقيت دون تصاعد، ولم تؤدِ إلى اشتباكات بين المتظاهرين وقوى الأمن كما كان يجري في سنوات سابقة.

ورغم أن الحكومة تُظهر وسط التطورات الإقليمية في المنطقة والحاجة إلى التهدئة السياسية الداخلية، استمراراً لمرحلة التطبيع مع أحزاب المعارضة، وخصوصاً مع حزب الشعب الجمهوري، إلا أن الرأي الداخلي ومراقبين يرون أن الهدف هو الدستور الجديد أو بدء مرحلة سلام جديدة، خصوصاً أن التحالف الجمهوري الحاكم يسعى منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في العام 2023 لكتابة دستور جديد. وأطلق رئيس البرلمان عن "العدالة والتنمية" نعمان كورتولموش، لقاءات مع الأحزاب من أجل التوصل لتوافقات تؤدي لكتابة دستور جديد، إذ يتطلب كتابة دستور جديد موافقة 400 عضو من البرلمان من أصل 600 للتغيير بشكل مباشر، أو موافقة 360 عضواً لطرح التغيير للاستفتاء الشعبي وهو ما يمتلكه التحالف الحاكم.

مصطفى أوزجان: العدالة والتنمية بحاجة إلى مزيد من الأصوات والمقاعد لتغيير الدستور في البرلمان

خطة السلطة

الكاتب والمحلل السياسي التركي مصطفى أوزجان، تحدث لـ"العربي الجديد"، عن أهداف الحكومة وإمكانية طرح مرحلة سلام جديدة وموقف الحزب الكردي منها، بقوله إن "تحركات حزب الحركة القومية ودولت باهتشلي توحي بأن هناك طبخة ما حول القضية الكردية، وهناك حالياً حوارات سياسية إعلامية بين الحركة القومية وحزب ديم". وأضاف أن "العدالة والتنمية بهذه المرحلة بحاجة إلى مزيد من الأصوات والمقاعد لتغيير الدستور في البرلمان، وهو في سلم أولوياته". وأضاف أنه "معنوياً تغيير الدستور سينعكس على العدالة والتنمية بشكل إيجابي، كما يريد الرئيس أردوغان الترشح لولاية ثالثة وبالتالي يحتاج لتغيير الدستور، وهناك حاجة لدعم وتأييد الحزب الكردي لتأمين الأكثرية، وربما يحاولون تطبيع العلاقات على الأقل في المرحلة المقبلة". لكن في المرحلة المقبلة، وفق أوزجان "من غير المعروف ماذا سيحصل، حالياً هناك حاجة لمزيد من المقاعد".

وحول الأجواء الحالية اعتبر أن "المواجهات داخل تركيا قلت بين الجيش التركي ومسلحي الكردستاني، فيما يستمر الأمر في الخارج والقصف التركي لمواقع الكردستاني في جبال العراق وكذلك في سورية"، موضحاً أن "داخل تركيا استتب الأمن وهذا يمكن أن يشكل انطلاقة وأرضية صالحة لعقد السلام أو هدنة". وأضاف أن "تحركات باهتشلي وموقف حزب العدالة والتنمية يوحي بذلك". وختم بالقول إن "هناك مواقف إيجابية وردود فعل إيجابية من حزب ديم الذي يحتاج لهذا الأمر أيضاً، فهو فاز في عدد من البلديات جنوب شرقي البلاد، ويريد الاحتفاظ بها لأنه يمكن للحكومة فرض وصي وعزل البلديات هناك، وبالتالي يحتاج الحزب للاستقرار السياسي في تركيا لتثبيت أقدامه".

فايق بولوط:  السلطة تريد توظيف التهديد الإسرائيلي والحديث عن الانفتاح الكردي لصالحها

من جهته، قال الكاتب الكردي فايق بولوط، لـ"العربي الجديد"، إن "ما تطرح حالياً هي أنباء متضاربة وهي ممارسة شعبوية من قبل السلطة الحالية التي تحتاج إلى دعم الأحزاب المعارضة للتصويت من أجل دستور جديد وصياغته وقبوله". وبرأيه "فمن المعروف أن السلطة الحالية من الناحية السياسية والاقتصادية تعاني من أزمات كبرى تهيمن على أجندة الشارع التركي، وبالتالي تريد توظيف التهديد الإسرائيلي والحديث عن الانفتاح الكردي لصالحها مستقبلاً، لا أقل ولا أكثر". ولفت إلى أنه "لا توجد دلائل ومستندات قوية لوجود أرضية للانفتاح على الأكراد بالوقت الحالي"، معتبراً أن "الحوار المطروح من قبل السلطة الحالية هو الهروب من الواقع، إذ إن شعبية الحزب الحاكم تتآكل يوماً بعد يوم، وهو يريد التعويض عن هذه السيرورة". ورأى أن "هذا هو ملخص ما يحصل، وموقف الأحزاب الكردية هو الانتظار ورؤية التطورات التي ستأتي لتبني المواقف عليها".