تنطلق انتخابات الرئاسة داخل مصر، اليوم الأحد، ولمدة ثلاثة أيام، وسط انتشار كثيف لصور ولافتات تأييد الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يخوض انتخابات محسومة سلفاً لصالحه.
ويتنافس مع السيسي على مقعد الرئاسة رؤساء أحزاب الشعب الجمهوري حازم عمر، والمصري الديمقراطي فريد زهران، والوفد الجديد عبد السند يمامة، علماً بأن الأحزاب الثلاثة داعمة للسيسي منذ توليه السلطة، وفازت بجميع مقاعدها في البرلمان بغرفتيه (النواب والشيوخ) على قوائم النظام بقيادة حزب مستقبل وطن.
20 مليون جنيه الحد الأقصى لإنفاق المرشحين
وحدد القانون في مصر الحد الأقصى لما ينفقه كل مرشح رئاسي على حملته الانتخابية بمبلغ 20 مليون جنيه (الدولار يساوي 30.95 جنيهاً)، بالإضافة إلى 5 ملايين جنيه حداً أقصى للإنفاق في حالة الإعادة. وتمول الحملة الانتخابية للمرشح من أمواله الخاصة، وله أن يتلقى تبرعات نقدية أو عينية من المصريين، شرط ألا يتجاوز مقدار التبرع من أي شخص طبيعي 2% من الحد الأقصى المقرر للإنفاق.
ولم تعلن الحملة الرسمية للسيسي عن مصادر تمويلها، أو حجم إنفاقها الحقيقي. ولم يلق السيسي أي خطابات إلى المصريين طوال فترة الدعاية الانتخابية، أو يشارك في أي مؤتمر ترويجي لحث المواطنين على انتخابه، مكتفياً بتسمية مستشار مقرب من المخابرات العامة هو المستشار محمود فوزي رئيساً لحملته، وظهور الأخير بديلاً له في وسائل الإعلام والمؤتمرات الجماهيرية التي نظمتها الأحزاب الموالية.
مصادر برلمانية: رجال أعمال ينفقون على دعاية السيسي
وحرر السيسي، في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توكيلاً لفوزي بتولي حملته الانتخابية، والتقدم بأوراق ترشحه للانتخابات الرئاسية، والذي شارك في تمرير كثير من التشريعات سيئة السمعة، لا سيما المتعلقة بفرض مزيد من الرسوم والضرائب، بحكم عمله مستشاراً قانونياً لرئيس مجلس النواب السابق علي عبد العال، ثم أميناً عاماً لمجلس النواب بين عامي 2019 و2021.
رجال أعمال وراء الإنفاق الضخم على دعاية السيسي
وقالت مصادر برلمانية، لـ"العربي الجديد"، إن رجال الأعمال وأصحاب الشركات والمؤسسات التجارية وراء حجم الإنفاق الضخم على دعاية السيسي، خصوصاً في محافظات القاهرة الكبرى (القاهرة والجيزة والقليوبية)، بهدف تعظيم استفادتهم من استمرار نظام الحكم الحالي، وتعويض ما أنفقوه من أموال على الدعاية، من خلال رفع أسعار منتجاتهم، وبالتالي تحميل هذه الأموال على المستهلكين في نهاية المطاف.
وكشفت المصادر عن تخصيص الهيئة الوطنية للانتخابات مكافأة مالية قيمتها 45 ألف جنيه (نحو 1500 دولار) لكل قاضٍ مشارك في الإشراف على انتخابات الرئاسة، بواقع 15 ألف جنيه عن كل يوم عمل في الانتخابات. وقالت المصادر إن الهيئة حددت مكافأة أكبر للقضاة المشاركين في الإشراف على لجان الانتخابات بمحافظة شمال سيناء بقيمة 60 ألف جنيه، مستطردة أن جملة المكافآت المخصصة للقضاة في الانتخابات الرئاسية بلغت نحو 680 مليون جنيه لإجمالي 15 ألف قاض تقريباً.
1.3 مليار جنيه يومياً لتغطية اليوم الانتخابي
وأضافت المصادر أن وزارة المالية خصصت مبلغ 3 مليارات و900 مليون جنيه من أموال الموازنة العامة للدولة لتغطية مصاريف الانتخابات الرئاسية، بما يعادل نحو 1.3 مليار جنيه عن كل يوم من أيامها الثلاثة، لتغطية بنود مثل مكافآت القضاة والموظفين الحكوميين المعاونين لهم، وبدلات ضباط وأفراد الجيش والشرطة المشاركين في تأمين الانتخابات، وتجهيز مراكز الاقتراع في المدارس ومراكز الشباب في 27 محافظة، فضلاً عن توفير الأدوات اللازمة لإتمام عملية التصويت من بطاقات وأحبار فوسفورية وصناديق.
وشملت الموازنة المصرية الجارية رفع مخصصات هيئة الانتخابات إلى 120 مليون جنيه (ما يقترب من 4 ملايين دولار)، مقارنة بـ7 ملايين جنيه في موازنة عام 2018-2019، أي بزيادة تقدر بـ113 مليون جنيه في ظرف 5 سنوات، بغرض تمويل أجور ومكافآت وبدلات رئيس وأعضاء الهيئة، وأعضاء الجهاز التنفيذي التابع لها، وأغلبهم من المستشارين المنتدبين من جهات وهيئات قضائية.
إقبال ضعيف لانتخابات الرئاسة المصرية خارجياً
وشهدت أيام تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الرئاسة إقبالاً ضعيفاً، رغم ترويج وسائل الإعلام الموالية للنظام خلاف ذلك، مع استمرار تجاهل الإعلام الأجنبي ملف الانتخابات المصرية، باعتبارها محسومة للسيسي، الذي دفع بثلاثة من رؤساء الأحزاب المؤيدة له في الأصل لمنافسته، حتى يضفي "شرعية" على استمراره في المنصب لمدة ست سنوات أخرى.
وكانت هيئة الانتخابات قد أعلنت أن عدد لجان الاقتراع الفرعية، التي سيدلي أمامها الناخبون بأصواتهم، يبلغ 11 ألفاً و631 لجنة بداخل 9376 مركزاً انتخابياً، ما بين مدارس ومراكز شباب ووحدات صحية، مبينة أن من يحق لهم التصويت يبلغ نحو 65 مليون مواطن من أصل 105 ملايين.
ورغم اعتراضات بعض منظمات المجتمع المدني المعنية بشفافية الانتخابات، أتاحت الهيئة حق التصويت للوافدين والمغتربين بين المحافظات، من دون الالتزام بمحل إقامتهم، عن طريق لجان موزعة على المناطق الصناعية والسياحية في جميع المحافظات التي بها تجمعات من المغتربين.
أتاحت هيئة الانتخابات حق التصويت للوافدين بين المحافظات
في موازاة ذلك، أفاد مصدر مطلع في وزارة التموين بأن أحزاب مستقبل وطن وحماة الوطن والمؤتمر والحرية -الحائزة الأغلبية في البرلمان- جمعت مئات الأطنان من سلعتي السكر والأرز الأبيض في مقراتها بجميع المحافظات، تمهيداً لتوزيعها على الناخبين اعتباراً من اليوم الأحد للتصويت لصالح السيسي، في إطار ما يعرف بـ"الرشا الانتخابية".
وأوضح المصدر أن الأحزاب الأربعة حصلت على حصة معتبرة من كميات الأرز والسكر المخزنة لديها من الحكومة، في ظل مواجهة الأسواق نقصاً في مخزون السلعتين مع ارتفاع كبير في أسعار بيعهما للجمهور، بغرض استخدامها في حشد الفقراء والمعدمين للتصويت للرئيس الحالي، في تكرار لما حدث في انتخابات ولايته الأولى والثانية عامي 2014 و2018.
وتواجه مصر أزمة اقتصادية متفاقمة بسبب الفجوة بين قيمة العملات الأجنبية في البنوك الرسمية، وقيمتها في السوق الموازية، وعجز الحكومة عن تدبير الدولار للبنوك لشراء السلع الأساسية، ومن بينها السكر الذي قفز سعره إلى 55 جنيهاً للكيلوغرام، مقابل 4 جنيهات عند تولي السيسي الحكم.
وخفضت مصر عملتها ثلاث مرات في الفترة من مارس/ آذار 2022 إلى يناير/ كانون الثاني 2023، ما أدى إلى تراجع قيمة الجنيه من 15.70 جنيهاً إلى نحو 50 جنيهاً للدولار في السوق الموازية، مقابل ما يناهز 31 جنيهاً في السوق الرسمية. وتتوسع مصر في الاقتراض لمواجهة أزمة النقد الأجنبي، حيث مددت دول خليجية عدة ودائعها في البنك المركزي، كما تستهدف الحكومة تحصيل نحو 5 مليارات دولار من بيع الأصول حتى نهاية يونيو/ حزيران المقبل، إضافة إلى الاقتراض من البنوك والمؤسسات الدولية وبيع السندات والصكوك.