تسارع فنلندا والسويد الخطى نحو طلب عضوية مزدوج في حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويتزامن ذلك مع حصول البلدين على ضمانات أمنية من واشنطن ولندن بعدم معارضتهما، مع تزايد نسب مؤيدي العضوية رغم التحذيرات الروسية المتواصلة منذ غزوها أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي.
وبقيت استوكهولم تتأنى خشية من إمكانية عرقلة تركيا لانضمامها، مع تزايد توتر علاقة الطرفين على خلفية سياسات السويد في العلاقة مع الأكراد في الشمال السوري.
فيتو تركي
وكشفت الصحافة السويدية، أمس الاثنين، أنّ استوكهولم تعيش مرحلة الحصول على ضمانات من ألا تتخذ أنقرة موقفاً معارضاً لعضويتها في الحلف الغربي، حيث تتطلب العضوية موافقة كل الدول الأعضاء الـ30 على توسيعه.
وشهدت العلاقة بين السويد وتركيا توتراً منذ العام الماضي، حيث استُدعي سفير السويد إلى الخارجية التركية احتجاجاً على مشاركة وزير دفاعها، بيتر هولتكفيست، في مؤتمر عبر الفيديو مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، ووجهت تركيا انتقادات لاذعة إلى وزيرة الخارجية السويدية، آنا ليند، بسبب ما سمته اجتماعات مع "عناصر إرهابية"، إثر زيارة وفد كردي من سورية للسويد.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الأوروبي يصنف حزب "العمال الكردستاني" منظمة إرهابية، تعتقد تركيا أنّ كلاً من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية تغاضت عن تصنيفها خلال فترة الحرب على تنظيم "داعش". وتنظر تركيا إلى مواقف استوكهولم باعتبارها "تتعارض ومبدأ تضامن أعضاء الأطلسي"، وهو ما ينسحب على مواقف أوروبية أخرى.
ونقلت صحيفة "سفنسكا داغبلاديت" السويدية، اليوم الثلاثاء، عن أستاذة العلاقات الدولية في جامعة حليش بإسطنبول أيلين أونفير نوي، قولها إنّ "العلاقة السويدية ودعم حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي يمكن أن يجعل عضوية السويد في الناتو أصعب".
ونقلت الصحيفة عن وجود أجواء في تركيا لضرورة استغلال مسألة العضوية لممارسة ضغوط على استوكهولم من أجل تغيير سياساتها وإظهار مواقف تضامنية أكثر مع أنقرة.
تراهن السويد على أن لا تذهب تركيا بعيداً في معارضة عضويتها في الأطلسي
وفي المقابل، تراهن السويد على ألا تذهب تركيا بعيداً في معارضة عضويتها في الأطلسي "حتى لا تبدو وكأنها تقف ذات الموقف الروسي المعارض"، بحسب تصريحات مدير قسم الدراسات التركية في جامعة استوكهولم، بول ليفين.
ويطرح ليفين مشكلة أن يذهب البرلمان التركي، بمبادرة من حزب "الحركة القومية"، إلى التصويت ضد السويد، مستذكراً تصويته في 2003 ضد مشاركة الحكومة التركية في غزو العراق أو استخدام الأراضي التركية.
التهديد النووي الروسي
وعلى الضفة الأخرى، نقلت صحيفة "إلتاليهتي" الفنلندية، أمس الاثنين، عن مصادر متابعة لقضية العضوية المشتركة مع السويد في الناتو، تنامي الرغبة الفنلندية في تسريع استوكهولم لقرارها "من أجل طلب مزدوج".
وتتوقع صحيفة "إكسبرسن" السويدية، وفقاً لمصادر حكومية، أن تتسارع العضوية المزدوجة "التي تجعل البلدين أقل عرضة لردود فعل روسية سلبية مستفردة بكل دولة"، وهو ما أكده أيضاً الأستاذ المشارك في أكاديمية الدفاع السويدية، إلماري كيهوكو.
وتوقع كيهوكو، وهو خبير في الشؤون الدفاعية "أن تنشر روسيا أنظمة تسلح، ولكن ذلك لا يعني الكثير، فأصلاً الأسلحة النووية منتشرة بالقرب من فنلندا، وزيادة الوجود العسكري لن تغير الأمور كثيراً".
وأضاف أنّ "طلب السويد المشترك مع فنلندا مهم للأخيرة، نظراً للحاجة للتواصل الجغرافي مع النرويج، العضو في الأطلسي من خلال الجغرافيا السويدية".
خطوات الانضمام إلى الناتو في مايو
ودخلت هلسنكي واستوكهولم في مفاوضات برلمانية بين مختلف الأحزاب بشأن عضوية الأطلسي. وتتوقع صحافة البلدين حسم طلب العضوية في وقت ما عند منتصف مايو/أيار المقبل.
وكانت وزيرة الخارجية السويدية آنا ليند، قد لمّحت، نهاية الأسبوع الفائت، إلى أنّ بلدها، قد يكون جاهزاً للعضوية في 13 مايو/أيار المقبل.
وتكشف مصادر حكومية في البلدين لصحيفة "أفتون بلاديت" في استوكهولم أنهما تلقتا على هامش المناقشات السياسية، ضمانات بعدم وجود معارضة للعضوية، خصوصاً أنها تصبّ في مصلحة سياسة موسكو في إغلاق "الباب المفتوح" التي ينتهجها الأطلسي، إذ ستكون رسالة سلبية، بحيث لن يجرؤ أي بلد آخر على التقدم بعضوية الحلف الغربي.
عود بريطانية وأميركية بتوسيع انتشار الأطلسي في منطقة بحر البلطيق
وتتزامن تلك الضمانات، بما فيها تليين الموقف التركي، مع وعود بريطانية وأميركية بتوسيع انتشار الأطلسي في منطقة بحر البلطيق، وتعميق التعاون الاستخباراتي وتعزيز التمرينات المشتركة، وفقاً لما نقلت "أفتون بلاديت"، أمس الاثنين.
تزايد نسبة مؤيدي عضوية الأطلسي
وعلى صعيد النقاشات الداخلية في السويد، تظهر أرقام الاستطلاعات التي أجريت بين 23 و25 من إبريل/نيسان الحالي، وبشكل مشترك بين "سيفو" لقياس الرأي وصحيفة "سفنسكا"، نشرت نتائجها، مساء أمس الاثنين، إلى تزايد نسبة مؤيدي عضوية الأطلسي إلى ما بين 47-49%، أي بزيادة نحو 10% عن آخر استطلاع في فبراير/شباط الماضي.
ويعتبر هذا الدعم قياسياً في بلد ظل يحافظ على ما يسمى حياد الأحلاف، طوال فترة الحرب الباردة (1947-1992)، ودون إغفال ناشري نتائج الاستطلاع ربطها بما جرى بعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث لم يعد يعارض العضوية سوى نحو 22%، فيما ظلت نسبة مؤيديها طوال سنوات ماضية تراوح حول تلك النسبة، بواقع 25% في أفضل الحالات منذ 2017.
ومن الملاحظ أنّ الحزب "الاجتماعي الديمقراطي" الحاكم، برئاسة ماغدالينا أندرسون، شهد أكبر النقلات في معسكر معارضي العضوية في الناتو إلى الموافقين عليها بأكثر من 53%. ورغم معارضة "حزب اليسار" للعضوية لا يبدو أنّ ذلك سيؤثر في نتيجة المناقشات المتوقع ختامها الشهر المقبل.
يذكر أنّ فنلندا شهدت أيضاً ارتفاعاً ملحوظاً بين نسبة مؤيدي عضوية الناتو، إذ تأتي التهديدات الروسية على ما يبدو بنتائج عكسية. فقد أظهرت آخر الاستطلاعات في هلسنكي قفزة في نسبة المؤيدين من 47% إلى 59%، فيما لم يعد يعارض العضوية سوى 16%.