رجح محللون سياسيون وأمنيون صوماليون أن تنعكس خطوة انضمام الصومال لمجموعة دول شرق أفريقيا إيجاباً على الوضع السياسي والأمني في البلاد، الذي بدأ يتحسن في ظل تحدي الإرهاب الذي يواجهه منذ نحو عقدين من الزمن.
وجاء قرار إعلان عضوية الصومال في المجموعة، خلال الدورة 23 لقمة قادة المجموعة التي عُقدت في أروشا بتنزانيا في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد سلسلة مفاوضات دامت 8 سنوات مع فريق من خبراء المجموعة، لتصبح العضو الثامن في المجموعة.
وتسعى مقديشو جاهدة لتسلم مهام أمن البلاد من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية "أتميس" بحلول نهاية 2024، ما أثار مخاوف من حدوث فراغ أمني، الأمر الذي دفع الصومال للبحث عن تحالفات إقليمية، مثل مجموعة دول شرق أفريقيا، قد تمدها بدعم عسكري بعد انسحاب قوات "أتميس"، الذي قد يرافقه تراجع في الدعم الدولي في المجال الأمني، بحسب المحللين.
محمد آدم: التوافق في المواقف السياسية بين دول المجموعة يعد مكسباً للصومال
وقال المبعوث الرئاسي الخاص لمجموعة دول شرق أفريقيا عبدالسلام عمر هديلة إن عامل الاستقرار السياسي كان من العوامل الحاسمة وراء قبول عضوية الصومال في المجموعة، من أجل تحقيق رؤية البلاد الاستراتيجية لمستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً.
من ناحية أخرى، رأى محللون صوماليون أن تحقيق الاستقرار السياسي مع الجيران كان من العوامل الأخرى التي دفعت الصومال للانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا، في ظل بروتوكول المجموعة الذي يساعد في تقليل احتمالات الصراع بين الدول الأعضاء في المجموعة.
"صفر مشاكل" مع الجوار
ويمهد نجاح الصومال في الانضمام إلى مجموعة دول شرق أفريقيا لطي صفحة التوترات السياسية مع جيرانها، خصوصاً كينيا، العضو في المجموعة التي كانت لها علاقات متذبذبة مع الصومال، والتي وصلت أحياناً إلى أدنى مستوياتها، نتيجة خلافات فرضتها الظروف السياسية والأمنية، إلى جانب الحدود الجغرافية بحسب النائب في البرلمان الصومالي محمد آدم.
وقال عضو اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية محمد آدم، لـ"العربي الجديد"، إن الانضمام إلى هذا التكتل الإقليمي سيحقق للصومال مكاسب سياسية، لا تقل عن المضمون الاقتصادي الذي تجسده المجموعة، مشيراً إلى وجود بروتوكولات وميثاق يشجع التعاون السياسي بين الدول الأعضاء، ويعزز آفاق الحوار بينها، وهو ما يقلل احتمالات التصادم السياسي في المستقبل.
وأضاف أن العلاقات الدبلوماسية بين الصومال وكينيا كانت تتسم بالتدهور، ولا تكاد تتحسن عاماً إلا وتتجه نحو التصعيد من جديد بسبب تداخل البلدين، سياسياً واقتصادياً وأمنياً، ما أثّر سلباً على الاستقرار السياسي بين البلدين، متوقعاً أن ينعكس الانضمام إلى مجموعة شرق أفريقيا إيجاباً على العلاقات الدبلوماسية مع كينيا.
وأوضح النائب الصومالي أن بروتوكولات مجموعة دول شرق أفريقيا تضمن أيضاً ألا يؤثر تغيير أنظمة الحكم على التعاون والعلاقات الدبلوماسية بين الدول الأعضاء في المجموعة، كما حصل في السنوات الأربع الماضية بين الصومال وكينيا، حيث انقطعت العلاقات الدبلوماسية أكثر من مرة في ولاية الرئيسين السابقين الصومالي محمد فرماجو والكيني أوهورو كينياتا.
توافق المواقف مكسب للصومال
وفي ما يخص الاتحاد السياسي بين أعضاء المجموعة، قال آدم إن التوافق في المواقف السياسية بين الدول قد يعد أيضاً مكسباً للصومال، الذي واجه أكثر من مرة معارضة كينيا لتمرير قرارات لصالح مقديشو في المجالس الدولية، كرفع حظر الأسلحة عنها، كما سيتمتع الصومال بالقدرة على التأثير في معالجة قضايا الإقليمية.
ورغم أن النزاع الحدودي البحري بين البلدين، الذي تم فصله من قبل المحكمة العدل الدولية في 2021، يعد المسبب الأكبر لتوتر العلاقات بين البلدين، إلا أن هناك اعتبارات سياسية أخرى كانت كفيلة بتدهور العلاقات بين حين وآخر. لكن مع انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا، توقع آدم أن تتجه العلاقات بين البلدين للتعاون في المستقبل القريب.
هدوء سياسي في الصومال
وتوقعت السلطات الصومالية أن تساهم العضوية في مجموعة شرق أفريقيا في خفض فاتورة الاضطرابات السياسية الداخلية التي قد تعيق عمل المؤسسات الحكومية، لا سيما مع قرب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تنظم مرة كل أربع سنوات بحسب المحلل السياسي أويس عدو.
وقال عدو، لـ"العربي الجديد"، إن تدهور العلاقات مع الجيران له ارتدادات عكسية على الاستقرار السياسي الداخلي، إذ تعد كينيا من الدول المؤثرة في السياسة الداخلية الصومالية الهشة، ومركزاً للمعارضة السياسية الصومالية التي تشكل عقبة أمام الحكومات المتعاقبة، ووفقاً لبرتوكول التعاون بين دول المجموعة فقد ينخفض تأثير كينيا في السياسة الداخلية من خلال تعبئة المعارضة السياسية، ما ينعكس إيجاباً على الاستقرار السياسي في البلاد.
محمد أمين: ارتماء الصومال في حضن تكتل إقليمي يعكس مدى حاجته لتنويع مصادر دعمه العسكري
وأضاف المحلل السياسي أن الصومال ليس له تأثير على سياسة كينيا داخلياً، بقدر ما تؤثر كينيا على السياسة المحلية الصومالية، فالتزام كينيا ببروتوكولات المجموعة يجعل الصومال أكثر استقراراً سياسياً، ما قد يحسن الوضع الأمني في البلاد. ومن الفرص التي يستفيد منها الصومال من مجموعة شرق أفريقيا، دورها في عملية التحول الديمقراطي في البلدان المنضوية تحتها، من خلال إرساء الحوار وتسوية الخلافات بين المعارضة والحكومة، كون الصومال من الدول التي تواجه مشاكل وعقبات في التحول الديمقراطي خلال الانتخابات الرئاسية في البلاد.
التعاون الأمني والعسكري
وبعد إتمام عملية انضمام الصومال إلى مجموعة شرق أفريقيا، تباينت الآراء والتساؤلات حول الفرص والامتيازات الأمنية التي ستحصل مقديشو عليها، وهي تخوض حرباً مفتوحة مع حركة "الشباب" منذ نحو عقدين من الزمن. والصومال ليس الدولة الوحيدة من بين دول المجموعة التي تعاني من هشاشة أمنية وانتشار الأسلحة، فدولة الكونغو الديمقراطية هي الأخرى تعاني من عدم الاستقرار، وكذلك جنوب السودان. إلا أن هذا التكتل الإقليمي يتيح لها فرصة للتعاون العسكري في مجالات عدة، في مقدمتها التحدي الأمني وتهريب المخدرات العابرة للحدود وغسل الأموال، لتحقيق السلم الأمني الإقليمي.
وبحسب المحلل الأمني والنائب السابق في البرلمان الصومالي محمد أمين، فإن ارتماء الصومال في حضن تكتل إقليمي يعد من أقوى تكتلات القارة يعكس مدى حاجته لتنويع مصادر دعمه العسكري، خصوصاً في ظل استعداداته لزيادة عدد أفراد جيشه إلى 400 ألف جندي.
وأضاف أمين، لـ"العربي الجديد"، أن توقف العمليات العسكرية الحكومية الأخيرة ضد "الشباب" نتيجة لتراجع دعم المجتمع الدولي، إلى جانب اقتراب موعد انسحاب بعثة "أتميس" بحلول 2024، كان من العوامل التي دفعت الصومال إلى البحث عن تحالفات إقليمية ودولية، مثل تكتل مجموعة شرق أفريقيا التي لها بروتوكول في مجال التعاون في الدفاع والأمن لسد الثغرة الأمنية التي ستنجم عن انسحاب "أتميس".
وأشار المحلل السياسي إلى أن فرص التعاون العسكري بين الصومال والمجموعة قد تنحصر في أربعة محاور رئيسية: أولاً الدعم العسكري وهو المحور الذي يحتاجه الصومال في الوقت الراهن، إذ أعلنت الحكومة أخيراً استعدادها لبدء المرحلة الثانية من العملية العسكرية ضد "الشباب" في أقاليم جنوب ووسط البلاد، ونجاح هذه العملية مرهون بمدى توفر دعم عسكري ولوجيستي لها. وأوضح أنه في ضوء بروتوكول مواجهة انعدام الأمن يمكن للمجموعة توفير دعم عسكري للجيش الصومالي للقضاء على الإرهاب.
والمحور الثاني، بحسب أمين، هو التدريب العسكري، حيث يمكن للصومال إقناع المجموعة لتدريب أفراد جيشها الذي سيكون 400 ألف جندي بحلول 2024، للوصل إلى جيش قادر على تسلم مهام أمن البلاد بعد انسحاب "أتميس" من الصومال.
وأشار إلى أن المحور الثالث والأهم بالنسبة للصومال هو إمكانية نشر قوات حفظ السلام من الدول الأعضاء في المجموعة، لتحل محل قوات "أتميس"، لدعم الجيش الصومالي في حربه ضد "الشباب"، حيث إن المجموعة لديها وحدات، من الجيش والشرطة وعناصر مدنية، للتدخل السريع وحفظ السلام.
وختم أن المحور الرابع والأخير هو الاستفادة من بروتوكول معالجة المخاوف الأمنية المشتركة بين دول المجموعة، حيث يعزز هذا البروتوكول الاتفاقية الأمنية التي أبرمت بين الصومال وكينيا في أغسطس/آب 2022 للتعاون في مجال أمن الحدود، ما يسهل تأمين الحدود المشتركة، للحد من تنقّل مقاتلين جدد أو عناصر حركة "الشباب" بين البلدين.