لم تكد القوات الروسية تنسحب من قاعدة لها في محيط عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، حتى عادت مجدداً إليها، في إشارة إلى نية الجانب الروسي ابتزاز "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بالتلويح بورقة التدخل التركي في البلدة، الواقعة في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، وتشكل عقدة مواصلات فيها. وأكدت مصادر محلية أن القوات الروسية عادت مرة أخرى فجر أمس الاثنين إلى قاعدتها في عين عيسى، ورفعت العلم الروسي فوقها مجدداً. وكشفت المصادر أن القوات الروسية "تظاهرت بالانسحاب من قاعدة لها في منطقة عين تمر في ريف الحسكة الشمالي الغربي" أيضاً، لكنها لا تزال موجودة في القاعدة. وفي خطوة ربما تدفع إلى انفجار الأوضاع في عين عيسى، لفتت مصادر في "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة السورية، إلى أن "قسد" استهدفت أمس نقطة تمركز لفصيل "سليمان شاه" على محور عين عيسى، بصاروخ موجّه، ما أدى إلى مقتل عنصرين وإصابة ستة آخرين. وسبق أن أعلن رئيس المكتب السياسي لـ "تجمع أحرار الشرقية"، أحد فصائل المعارضة في الشمال السوري، زياد أبو طارق لـ "العربي الجديد"، انسحاب القوات الروسية مساء أول من أمس الأحد من محيط عين عيسى، باتجاه نقطة تمركز لها في بلدة تل السمن، التي تبعد 20 كيلومتراً جنوبي عين عيسى. واستبعد أبو طارق حصول عملية واسعة النطاق من قبل الجيش التركي في المنطقة، مشيراً إلى أن الأمر لن يتعدى الاشتباكات المتقطعة بين فصائل المعارضة السورية وقوات "قسد".
حسو: سيعود الأميركيون بقوة إلى منطقة شرقي نهر الفرات
من جانبه، وضع الباحث السياسي المقرب من قوات "قسد" آزاد حسو في حديث مع "العربي الجديد" الانسحاب الروسي من عين عيسى ومن ثم العودة إليها، في "سياق الضغوط الأميركية على الجانب الروسي". وأضاف أن "الأميركيين سيعودون بقوة إلى منطقة شرقي نهر الفرات خلال إدارة الرئيس جو بايدن. سوف يستعيد الأميركيون مواقعهم في المنطقة التي انسحبوا منها إبان فترة الإدارة السابقة". وكان لافتاً إنشاء الأميركيين خلال الأيام القليلة الماضية، قاعدة عسكرية في المثلث الحدودي بين سورية والعراق وتركيا، في منطقة المالكية أقصى شمالي شرق الحسكة، بالقرب من قرية عين ديوار، آخر قرية سورية قبل الحدود السورية ـ العراقية. ومن الواضح أن وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" تريد منع الروس من الوصول إلى الحدود السورية العراقية، وتهديد منابع النفط والغاز التي تضع يدها عليها مع "قسد". وتحتفظ الولايات المتحدة بالعديد من القواعد ونقاط التمركز على طول المنطقة التي تضم حقول وآبار النفط، بدءاً من المالكية في ريف الحسكة الشرقي مروراً ببلدة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، وصولاً إلى ريف دير الزور الشرقي، الذي يضم حقل العمر النفطي، من أكبر الحقول النفطية السورية، الذي أقام فيه التحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة الولايات المتحدة مطاراً عسكرياً. وحاولت روسيا أواخر العام الماضي دفع "قوات سورية الديمقراطية" للانسحاب من البلدة، وتسليمها لقوات النظام السوري، إلا أن "قسد" رفضت. وهو ما عرّضها لمحاولات تقدم من قبل الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به. واعتبرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن الجانب الروسي لجأ إلى ابتزاز قوات "قسد" مرة أخرى في سياق تفاهمات غير معلنة بين أنقرة وموسكو، خصوصاً أن التحرك الروسي جاء بعد أيام من انتهاء أعمال الجولة 15 من محادثات مسار أستانة، في سوتشي الروسية. ويبدو أن من بين هذه التفاهمات نقل مئات الأطنان من القمح من الصوامع في قرية الشركراك القريبة من بلدة عين عيسى والخاضعة لفصائل المعارضة السورية، إلى مناطق سيطرة النظام لمساعدة الأخير في توفير الخبز للسوريين الخاضعين لسيطرته. وتقع عين عيسى شمالي مدينة الرقة بنحو 48 كيلومتراً، وهي في قلب منطقة شرقي نهر الفرات، ما يمنحها موقعاً مهماً، كونها عقدة طرق تربط بين مدن وبلدات المنطقة. وتقع البلدة بعمق 37 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية، أي خارج النطاق الجغرافي الذي حدده الاتفاق بين الروس والأتراك أواخر عام 2019 لانسحاب قوات "قسد"، وهو بعمق 30 كيلومتراً عن الحدود السورية ـ التركية. ولجأت قوات "قسد" إلى الجانب الروسي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 للتدخل لإيقاف العملية العسكرية التركية في شرق الفرات، في مقابل السماح لقوات روسية وأخرى تابعة للنظام، بالتمركز في مناطق عدة في الشمال الشرقي من سورية.
تفاهم على نقل مئات الأطنان من القمح إلى مناطق سيطرة النظام
وتوصل الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي في سبتمبر/أيلول 2018، إلى اتفاق رسم خريطة للسيطرة والنفوذ بين موسكو وأنقرة في منطقة شرقي الفرات، نصّ على توقف العملية العسكرية شمالي شرق سورية، وذلك بسبب "عدم الحاجة لعمل عسكري جديد بعد تحقيق الاتفاقيات الموقّعة مع روسيا وأميركا، وانسحاب قوات قسد لمسافة 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية السورية". كما نص على تسيير دوريات تركية ـ روسية مشتركة بعمق 10 كيلومترات في شرق وغرب منطقة العمليات التركية شمالي شرق سورية، مع الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة التي تضم مدينتي تل أبيض ورأس العين، اللتين سيطر عليهما الجانب التركي في عملية عسكرية استمرت أياماً في أكتوبر 2019. واستثنى الاتفاق مدينة القامشلي، ذات الأكثرية الكردية، في أقصى الشمال الشرقي من سورية. واستغل الروس الأوضاع المضطربة في شرق الفرات لترسيخ وجودهم، تحديداَ في محافظة الحسكة الغنية بالثروات، فحوّلوا مطار مدينة القامشلي إلى قاعدة عسكرية مرتبطة بقاعدة حميميم على الساحل السوري. ولا يمكن عزل ما يجري في بلدة عين عيسى عن المشهد العام في الشمال السوري، مع ازدياد التنافس بين الأتراك والروس والأميركيين على تأكيد الحضور وترسيخ النفوذ في المنطقة الأكثر أهمية من نواح متعددة في سورية.