انتخابات مصر: التجاوزات تفجر الخلاف في الهيئة الوطنية

17 نوفمبر 2020
شكاوى من ناخبين بمنعهم من الوصول إلى صناديق الاقتراع (Getty)
+ الخط -

وجدت الخلافات طريقها إلى مجلس إدارة الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، كنتيجة مباشرة لتوجه رئيس الهيئة المستشار لاشين إبراهيم إلى رفض جميع الطعون الموضوعية والإجرائية على أعمال الفرز في اللجان الفرعية والعامة، مما تسبّب في صدور أحكام من المحكمة الإدارية العليا بتعديل نتائج ثلاث دوائر حتى الآن، وإحالة عشرات الطعون إلى محكمة النقض لتعلّقها بعمليات تزوير ومنع ناخبين من الوصول إلى اللجان واستخدام الرشى لتغيير نتيجة الاقتراع، وغيرها من الأعمال غير القانونية التي حفلت بها انتخابات الجولة الأولى من المرحلتين الأولى والثانية لمجلس النواب.

وقالت مصادر قضائية لـ"العربي الجديد"، إن مجلس إدارة الهيئة الوطنية المكون من عشرة قضاة، منقسم حالياً إلى فريقين، أحدهما يساند رئيس الهيئة في عدم الفصل في الطعون والشكاوى وغض البصر عن المخالفات الكبيرة التي شهدتها أعمال الاقتراع والفرز. أما الفريق الثاني فيطالب بإعمال سلطة الهيئة المقررة قانوناً في التصدي للشكاوى والتحقيق فيها والفصل بقرارات حاسمة قبل توجه المرشحين للقضاء. ويريد الفريق الثاني تجنّب حدوث مستجدات لاحقة قد تربك مواعيد الجدول الزمني المحددة سلفاً، خصوصاً إذا تكرر موقف صدور أحكام الإدارية العليا بتغيير النتيجة بعد الانتهاء من جميع الإجراءات، كما حدث في الدوائر الثلاث التي أبطلت نتائجها في محافظتي الإسكندرية والبحيرة (مرحلة أولى) عقب انتهاء أعمال الاقتراع والفرز في المرحلة الثانية.

فريق داخل الهيئة يساند رئيسها بتوجهه لغض البصر عن المخالفات خلال الاقتراع والفرز

ولا تتعلق الخلافات فقط برغبة الفريق الثاني في الحفاظ على سلامة مواعيد الجدول الزمني، بل أيضاً بطبيعة العمل القضائي الموكل إلى مجلس إدارة الهيئة، والذي يتطلب توفير الحد الكافي من العدالة في جميع إجراءات الانتخابات، وهو ما لا يتحقق بإصرار رئيس الهيئة على رفض الشكاوى أو تعقيد إجراءاتها أمام المحامين الممثلين للمرشحين، وإعلان بيانات مخالفة للحقيقة على الرأي العام كعدم وجود مخالفات لقواعد الصمت الانتخابي واقتصارها على مستوى كل مرحلة على حالات محدودة تعد على أصابع اليد الواحدة بالمخالفة للواقع. وكذلك عدم التحقيق في أي شكاوى ضد ممارسات حزب "مستقبل وطن" لدعم مرشحيه والقائمة الموحدة التي فازت في جميع الدوائر وضمنت لموالاة النظام نصف مقاعد البرلمان، أي تأمين الأغلبية حتى قبل احتساب نواب النظام الفردي. فضلاً عن عدم التفات الهيئة نهائياً إلى مقاطع الفيديو التي انتشرت ووصلت إليها بعضها مرفقة بالشكاوى والتي تؤكد استخدام المال السياسي والرشى الانتخابية بصورة منتظمة، لا سيما في المرحلة الأولى، قبل أن يشدد النظام قبضته ضد مسجلي مثل تلك المقاطع ويتخذ إجراءات تحول دون تسربها لوسائل التواصل الاجتماعي.

وكشفت المصادر وجود أدلة في محاضر الفرز لدى اللجان العامة تحديداً، على عملية إضافة أصوات بالأرقام فقط، من دون أن يكون لها أثر في بطاقات الاقتراع، لزيادة رصيد المرشحين المارين إلى مرحلة الإعادة في جميع دوائر المرحلة الأولى تقريباً، وبعض دوائر المنوفية والشرقية والقاهرة في المرحلة الثانية، إذ اتسعت بشكل لافت الفروق بين المرشحين الأوائل ومن يليهم، في إطار تنفيذ جهاز الأمن الوطني تعليمات المخابرات العامة برفع نسبة المشاركة لمستويات عالية لا يمكن بلوغها بالطرق العادية القانونية.

وذكرت المصادر أن الفريق المعارض لرئيس الهيئة حذر من اكتشاف المحاكم لهذا النوع من المخالفات لأن صدور أي حكم في هذا الشأن سيضرب نزاهة الانتخابات والهيئة كلها في مقتل، لا سيما أن الأحكام السابق صدورها عرّضت الهيئة للحرج أيضا أمام الرأي العام، لتعلّقها بأخطاء مادية بسيطة مثل عدم احتساب أصوات ناخبي الخارج لبعض المرشحين، أو احتسابها أكثر من مرة لمرشح معين. هذه الأخطاء كان يجب على الهيئة اكتشافها بواسطة جهازها التنفيذي المعني بمراجعة محاضر اللجان العامة ومطابقتها بمحاضر اللجان الفرعية خلال فترة تصل إلى ستة أيام قبل إعلان النتيجة رسمياً، وهو ما يشير أيضاً إلى تراجع كفاءة العمل الفني والإداري.

وعلى المستوى السياسي، كشفت المصادر القضائية ذاتها، أن الشكاوى المتعلقة بالتزوير في نتائج اللجان الفرعية والتلاعب داخل الصناديق تراجعت بشدة في المرحلة الثانية التي أجري التصويت فيها عقب ساعات من إعلان فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية. وأوضحت أن "هذا هو المستجد الوحيد الذي حدث بين المرحلتين الأولى والثانية"، وأن هناك فارقاً كبيراً بين طبيعة الشكاوى التي تلقتها الهيئة في المرحلة الأولى والتي كان قسم كبير منها يدور حول التلاعب بالنتائج واستبعاد فائزين وتصعيد خاسرين، وبين طبيعة شكاوى المرحلة الثانية والتي تركز معظمها على مخالفات خارج اللجان وعلى رأسها الرشى وخرق الصمت الانتخابي.

وفي الاتجاه نفسه، أرجعت مصادر دبلوماسية، تحدثت لـ"العربي الجديد" بعد إعلان النتيجة الرسمية للمرحلة الثانية أمس الأول، وصول عدد من النواب المعارضين إلى جولة الإعادة بهذه المرحلة، على نقيض الإفشال المتعمد لأمثالهم في المرحلة الأولى. أما عدم تسجيل حالات تزوير فاضحة في الغالبية العظمى من دوائرها، فيعود إلى رغبة النظام في توجيه رسالة إيجابية لبايدن وحملته، وكذلك للعواصم الأوروبية التي قام سفراؤها نهاية الشهر الماضي ومطلع الشهر الحالي بتحركات واجتماعات مع شخصيات حكومية ودبلوماسية وحقوقية مصرية للإعراب عن قلق دولهم من حالة المجال العام في مصر بسبب أوضاع المعتقلين وطبيعة الانتخابات النيابية المنغلقة والمليئة بالتجاوزات.

عدم تسجيل حالات تزوير فاضحة في الغالبية العظمى من الدوائر بالمرحلة الثانية، يعود إلى رغبة النظام في توجيه رسالة إيجابية لبايدن وحملته

وربطت المصادر الدبلوماسية بين تلك الظاهرة في المرحلة الثانية والقرار السابق صدوره هذا الشهر بإخلاء سبيل أكثر من 450 من المتهمين المحبوسين على ذمة القضيتين 1338 و1413 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا الخاصتين بأحداث سبتمبر/أيلول 2019 التي كانت أكبر تظاهرات يشهدها حكم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على مدى سبع سنوات، مما خفض عدد المعتقلين على خلفية هذه التظاهرات إلى أقل من مائة معتقل، بعدما كان العدد أكثر من ألفين في نهاية العام الماضي. وكذلك إخلاء سبيل أبناء عمومة الناشط الحقوقي المقيم في الولايات المتحدة محمد سلطان، كمقدمة خجولة للاستجابة لنصائح تلقتها مصر من وسطاء ديمقراطيين أميركيين خلال الاتصالات التي أجرتها القاهرة عبر قنوات مختلفة للتقرب من حملة بايدن، وأن هذه النصائح تكاملت مع موجة جديدة من الاتصالات الأوروبية والأميركية الرسمية في الأسابيع الأخيرة للإعراب عن القلق بسبب ارتفاع عدد المواطنين المعتقلين على خلفية الحراك الشعبي الأخير منذ شهرين، سواء خلال مشاركتهم في التظاهرات أو في إطار الحملات الأمنية للتخويف والحد من اتساع الحراك. هذه النصائح دعت النظام للمسارعة في الإفراج عن النشطاء السياسيين والحقوقيين ممن تم اعتقالهم قبيل وعقب أحداث سبتمبر 2019، وأبرزهم المتهمون في القضية المعروفة إعلامياً بـ"مجموعة الأمل"، والذين كانوا يحاولون التنسيق للمشاركة في انتخابات مجلس النواب الحالية.

واستمراراً لتعمّد النظام توجيه رسائل مختلطة ومربكة للأطراف الغربية والمحلية المنخرطة في محاولات فتح المجال العام، ألقت قوات الأمن القبض أمس الأول على محمد بشير، المدير الإداري للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي واحدة من أبرز المنظمات الحقوقية النشطة حتى الآن، كرد فعل على استضافتها عدداً من السفراء مطلع هذا الشهر في لقاءات للوقوف على الأوضاع في مصر. ووجّهت نيابة أمن الدولة العليا لبشير اتهامات عدة، منها الانتماء لجماعة محظورة وبث شائعات وأخبار كاذبة.
وسجلت المنظمات الحقوقية المصرية على الانتخابات ملاحظات عديدة، أبرزها التوسع في استخدام المال السياسي وضعف نسبة المشاركة واستخدام الحشد الممنهج للناخبين من معظم المرشحين في نطاقات جغرافية ضيقة نظراً لسوء ترسيم حدود الدوائر الانتخابية واتساعها لمساحات غير مسبوقة.

المساهمون