بعد أيام قليلة، تنطلق انتخابات الدورة الجديدة لنقابات عمّال مصر، في وقت يعيش فيه العمل النقابي العمّالي لحظات صعبة، بعد السيطرة التامة على المنظمات النقابية العمّالية من قبل الأجهزة الأمنية، التي شدّدت قبضتها في الأعوام الأخيرة، وتحديداً بعد انقلاب الثلاثين من يونيو/حزيران عام 2013.
نقابات عمّال مصر: انتخابات لدورة جديدة
وتبدأ الدورة الانتخابية المقبلة، يوم 8 مايو/ أيار المقبل، بفتح باب الترشح، على أن تنتهي مهلة إيداع الأوراق في 20 مايو/أيار 2022، وفقاً للقرار الوزاري رقم 45 لسنة 2022 والذي نشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 إبريل/نيسان الحالي.
ووفقاً للقرار، "تلتزم المنظمات النقابية والعمّالية بموافاة مديريات القوى العاملة الواقعة في دائرتها، مركزها الرئيسي في المشروع الانتخابي المقترح لإجراء العملية الانتخابية لمجالس إدارتها في موعد غايته يوم الخميس الموافق 22 إبريل الحالي، وفقاً للقرار الوزاري رقم 47 لسنة 2022 والمنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 6 إبريل 2022"، بحسب نص القرار؛ علماً أن الخميس المقبل يوافق يوم 21، وليس 22 إبريل. ويعني القرار أن المنظمات النقابية والعمّالية عليها أن تقدم المشروع الانتخابي لمديريات القوى العاملة التي يقع المركز الرئيسي لهذه المنظمات ضمنها.
هناك أساليب عدة للأجهزة الأمنية لضمان السيطرة على العمّال والنقابات، أولها التحكم في كشوف المرشحين
والعملية الانتخابية مكتملة الأركان القانونية والهيكلية المنظمة لها لإتمامها على نحو شبه تام، إذا ما أخذت في الاعتبار مطالب بعض المنظمات النقابية والعمالية التي طرحتها لعلاج الأخطاء التي وقعت خلال الانتخابات الماضية، والتي نتج عنها إيقاف عمل العديد من اللجان النقابية لمدة دورة نقابية كاملة، مثل نقابة صيادي دمياط، ونقابة خدمات السائقين بالقليوبية، ولجان أخرى.
وطالب أعضاء لجنة الدفاع عن الحريات النقابية وحقوق العمل والحق في التنظيم، ومن بينهم ممثلو النقابات وممثلو مكاتب العمال في الأحزاب السياسية والقيادات العمّالية في دار الخدمات النقابية والعمالية، بضرورة استيفاء اللجان النقابية إجراءاتها وانتظار صدور القرارات الوزارية المنظمة إجراء الانتخابات، وتحديد مواعيدها وفقاً لما نص عليه قانون المنظمات النقابية وحماية حق التنظيم 213 لسنة 2017 والمعدل بالقانون 142 لسنة 2019، وليس استيفاء الأوراق بعد صدور القرار.
كما طالب ممثلو العمّال بضرورة إزالة العقبات التي تواجه اللجان النقابية في عمليات التأسيس الجديد، ومخاطبة الوزارة بالانتهاء من إجراءات التأسيس للجان النقابية التي أودعت أوراقها منذ فترة طويلة، ولم تحصل على الخطابات اللازمة لممارسة عملها النقابي، كي يتسنى لها المشاركة في الانتخابات النقابية.
عمّال مصر... تكبيل معيشي وحقوقي
وتبدأ الدورة الانتخابية الجديدة لعضوية مجالس إدارة المنظمات النقابية العمالية، للدورة النقابية 2022/2026، بينما تعاني الطبقة العاملة في مصر من تدهور أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك القانونية، بفعل تبعات انتشار وباء كورونا، وانخفاض قيمة الجنيه، والقوانين المكبلة حق العمّال في التظاهر والتعبير عن الغضب.
وقال نقابي عمّالي مخضرم بأسى: "العمّال... كانت فترة في تاريخ مصر والآن انتهت". وأضاف القيادي العمّالي السابق، الذي تحفظ على ذكر اسمه، أن "نضال العمّال سطّر بحروف من نور في تاريخ مصر منذ عشرات السنين، حيث شهدت الحركة العمّالية نشاطاً ظاهراً ومؤثراً حتى في أحلك الظروف السياسية، وعلى الرغم من القمع الذي خيّم على البلاد في ظل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الجمهورية في عام 1952".
وتابع القيادي العمّالي السابق: "لا أحد يستطيع أن ينكر دور الحركة العمّالية والتضحيات التي قدمها العمّال وشهداؤهم، بداية من إعدام البقري وخميس، العاملين في شركة مصر للغزل والنسيج بكفر الدوار، بعد إضرابهما عن العمل ومشاركتهما في وقفة احتجاجية للمطالبة بزيادة الأجور، في 12 أغسطس/آب 1952، مع زملائهم، وصولاً إلى الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011".
وأضاف النقابي المخضرم: "ساهمت الحركة العمّالية المتواصلة، والتي وصلت إلى ذروتها في إضراب السادس من إبريل عام 2008، في إسقاط نظام الرئيس المخلوع السابق حسني مبارك بثورة شعبية، كان العمّال جزءاً أساسياً منها، ومكوناً رئيسياً من مكوناتها". وتابع: "الآن، وبعد أكثر من عقد على ثورة يناير، فإن المتأمل حال الحركة العمّالية في مصر، يجد أنه لا يختلف كثيراً عن حال الثورة المصرية، التي جرت محاصرتها وتغييبها بفعل القمع والإرهاب الذي يمارس ضد كل المنتمين إليها، ومن بينهم العمّال".
وقال النقابي العمّالي السابق إن تشكيل مجالس إدارات النقابات العمّالية، الذي من المفترض أن يجرى عبر الانتخابات، أصبح يتم بإجراءات أشبه بالتعيين، بقرارات تصدر من الأجهزة الأمنية المسيطرة على البلاد، وتحديداً الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، والذي كان يسمى سابقاً "أمن الدولة".
وأضاف النقابي العمّالي السابق أنه "على الرغم من أن أمن الدولة إبان عهد مبارك كان يتحكم في النقابات العمّالية، ويتدخل في انتخاباتها، إلا أن الوضع كان أفضل من الآن، إذ كانت هناك نقابات مستقلة تمارس دورها، وحتى النقابات الرسمية كانت تضم شخصيات تحاول أن توازن بين الدفاع عن حقوق العمّال والتنسيق مع السلطة، مثل النقابي الكبير الراحل عبد الرحمن خير. أما الآن، فلم يعد هذا الهامش موجوداً بالمرة، حيث أصبحت الأجهزة الأمنية تسيطر سيطرة تامة على جميع النقابات".
وأوضح المتحدث أن "هناك أساليب عدة للأجهزة الأمنية من أجل ضمان السيطرة على العمّال وعلى النقابات والتنظيمات الخاصة بهم". وأول هذه الأساليب، بحسب رأيه، "التحكّم في كشوف المرشحين عبر حذف أي شخص يشتبه في عدم ولائه التام للنظام، من دون أي مسوغ قانوني، وحينها يصبح هذا الشخص بلا أي سند أو دعم من أي جهة، إذ إن الأمر لم يعد كالسابق عندما كانت هناك صحافة مستقلة تدافع عنه، وعندما كان هناك قضاء مستقل يمكن أن يلجأ إليه عبر الطعون التي كانت تقدم في مجلس الدولة".
لا تترك السلطة أي إضراب من دون القضاء عليه في مهده عبر التهديد
ولفت إلى أنه "حتى مجلس الدولة تمّت السيطرة عليه أيضاً، مثله مثل الهيئات القضائية الأخرى، فأصبحت الدعاوى من هذا النوع يجرى إهمالها أو عدم قبولها أو إرجاؤها إلى أجل غير مسمى، حتى تمر الانتخابات بالشكل الذي تريده الأجهزة".
وقال القيادي العمالي إن "قضاء الدولة على جميع المؤسسات، مثل القضاء والصحافة والنقابات، دليل على أنها دولة فاشلة، ليست فيها أية مؤسسات". ورأى أنه "حتى في عهد مبارك عندما كانت الأجهزة الأمنية تحاول السيطرة على النقابات العمّالية، كانت هناك مؤسسات شبه مستقلة، كالقضاء والصحافة، يعلم النظام أن المحافظة على وجودها من شأنه أن يدعم وجود الدولة، ويعطي صورة بأنها دولة مؤسسات، أما الآن، فكل ذلك انتهى".
وشدّد القيادي العمّالي على أن "أبشع أساليب السيطرة وتحجيم الحركة العمّالية التي تتبعها السلطة الآن، هو أسلوب الإرهاب، إذ لا تترك أي إضراب حتى لو كان صغيراً من دون القضاء عليه في مهده، عبر تهديد المشاركين فيه بالفصل والطرد، والقبض على العمّال إذا تطور الأمر، والإلقاء بهم في غياهب المعتقلات، حيث حفلات التعذيب المستمرة، ومدد الحبس التي لا تنتهي بتهم لا منطقية، مثل الإرهاب، وغيرها من التهم الجاهزة". ورأى أنه بذلك "تثير حالة من الرعب بين العمّال، تدفعهم للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على المشاركة في أي إضراب أو تظاهرة".
شروط تعجيزية على حق الإضراب للعمال المصريين
وعلى الرغم من مشروعية الإضراب كحق أصيل للعمّال كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية، إلا أن قانون العمل المصري الحالي قام بتقييد هذا الحق. وجاء ذلك من خلال المادة 192 من قانون العمل المصري، الذي وضع شروطاً تعجيزية على حق الإضراب وحظره في المنشآت الاستراتيجية والحيوية التي يترتب على توقف العمل فيها "الإخلال بالأمن القومي أو بالخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطنين"، كما تنص المادة 194.
وصدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1185 لسنة 2003 بشأن تحديد المنشآت الاستراتيجية والحيوية، ليشمل القرار المستشفيات والمراكز الطبية والصيدليات، والمخابز، ووسائل النقل الجماعي للركاب جميعها، ومنشآت مياه الشرب والكهرباء والغاز والصرف الصحي والاتصالات، والموانئ والمطارات، والمؤسسات التعليمية.
كما ألزمت المادة نفسها العمّال بإخطار كل من صاحب العمل والجهة الإدارية المختصة قبل موعد الإضراب بعشرة أيام على الأقل، على أن يتضمن الإخطار الأسباب الدافعة للإضراب والمدة الزمنية المحددة له، حيث يتنافى ذلك مع طبيعة الإضراب كوسيلة للضغط من أجل تحقيق مطالب العمّال، وهو من هنا لا يفترض موعد انتهائه سلفاً.
يفاقم ارتفاع الأسعار وضيق الأوضاع الاقتصادية غضب القطاع العمّالي في مصر
ولعل أخطر ما في الأمر هو ما تنص عليه المادة 69 من القانون، والتي تجعل من عدم مراعاة هذه الضوابط (أو بالأحرى القيود) أحد الأسباب المُجيزة لفصل العامل.
وإلى جانب الغضب العمّالي المكتوم بسبب تقييد الحق في الإضراب، فإن أنين الغضب المكتوم يوشك أن ينفجر بسبب ارتفاع الأسعار وضيق الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها قطاعات عريضة من المجتمع المصري.
وجاءت قرارات البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة بنسبة 1 في المائة للإيداع والإقراض، وتراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي، لتهدد الطبقات الكادحة والطبقة الوسطى، خصوصاً العاملين بأجر وأصحاب المعاشات والعمالة غير المنتظمة، بتدهور جديد في مستوى المعيشة. ويأتي ذلك لانخفاض قيمة الجنيه بما يعني انخفاض القوة الشرائية للأجور والمعاشات، وأيضاً لما يؤدي إليه ارتفاع سعر الدولار من زيادة تكاليف الاستيراد والنقل، وبالتالي ارتفاع أسعار كافة السلع والخدمات، مثل ما حدث عقب تعويم العملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
وبالإضافة إلى كل هذه الأوضاع الاقتصادية والقانونية الضاغطة على الطبقة العاملة في مصر، فلا يمكن إغفال تبعات انتشار جائحة كورونا التي زادت من تدهور أوضاع العمّال في مصر كثيراً.
وسبق أن رصدت دار الخدمات النقابية والعمّالية، خلال العام الماضي، 8041 انتهاكاً لحقوق العمّال في مصر، حيث سجّل انتهاك تأخر صرف الراتب أعلى المعدلات حيث يمثل 35,9 في المائة من إجمالي الانتهاكات بواقع 2891 انتهاكاً، يليه عدم وجود دار حضانة والذي مثل 27,2 في المائة من إجمالي الانتهاكات بواقع 2190 انتهاكاً.
كما شهد العام الماضي 254 حالة فصل تعسفي، بينها 253 حالة في القطاع الخاص وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام، موزعة على النشاطات الاقتصادية المختلفة. وسجلت المنشآت الصناعية 84 حالة فصل تعسفي، يليها قطاع السياحة بـ131 حالة وقطاعات أخرى (38)، وأخيراً التعليم بحالة واحدة في إحدى المدارس الخاصة. كما رصدت 214 حالة إكراه على تقديم الاستقالة في المنشآت الصناعية، بواقع 14 حالة في القطاع الخاص و200 حالة في قطاع الأعمال العام.
ورصدت دار الخدمات النقابية والعمّالية، كذلك، 2891 حالة تأخر في صرف الرواتب، بينها 2890 حالة في القطاع الخاص، وحالة واحدة في قطاع الأعمال العام، موزعة على 2500 حالة في المنشآت الصناعية، و90 حالة في التعليم و301 حالة في قطاعات أخرى.