يستعدّ الشمال اللبناني، بدوائره الانتخابية الثلاث، لمعركة الانتخابات النيابية يوم الأحد المقبل. ويحتل الشمال المركز الثاني في عدد المقاعد في البرلمان اللبناني بـ28 مقعداً (من أصل 128)، بينما تتصدّر محافظة جبل لبنان قائمة المقاعد النيابية الأكثر عدداً بـ35 مقعداً، وتحوز كل من محافظتي البقاع والجنوب 23 مقعداً، والعاصمة بيروت 19 مقعداً.
لكل دائرة في الشمال خصوصيتها الطائفية والحزبية وحساباتها الانتخابية، التي تُبقي باب المفاجآت مفتوحاً، في ظل مواجهة قوية منتظرة، لا سيما في طرابلس.
في ثاني أكبر المدن اللبنانية، بدّلت مقاطعة "تيار المستقبل" ورئيسه سعد الحريري الأوراق، وأحدثت إرباكاً لقياديين فيه اختاروا خوض الاستحقاق بصفتهم الشخصية، معوّلين على نبض خطاب رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، لاستمالة الشارع السني واللعب على وتر الوقوف في وجه هيمنة "حزب الله" وحلفائه، والعمل على إسقاطهم لكسب الأصوات.
وكذلك، تتجه الأنظار إلى البترون، حيث المعركة الأقوى انتخابياً، تحت عنوان "إسقاط جبران باسيل"، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، المهدّد بالسقوط جدّياً، خصوصاً أن مقاطعة الحريري الانتخابات ارتدت سلباً عليه. فرئيس الحكومة الأسبق أدّى دوراً كبيراً في انتخابات عام 2018، بتعبيد طريق وصول باسيل إلى البرلمان، من خلال تجيير أصوات انتخابية لصالحه، تحت شعار "صديقي جبران".
دوائر الشمال الثلاث
ويضمّ الشمال 3 دوائر انتخابية؛ دائرة الشمال الأولى، التي تشمل محافظة عكار، تحظى بـ7 مقاعد (3 سنة، 1 علوي، 1 ماروني، 2 روم أرثوذكس).
أما دائرة الشمال الثانية (طرابلس ـ المنية ـ الضنية)، فخُصّص لها 11 مقعداً، يتوزعون على 8 مقاعد عن طرابلس (5 سنة، 1 علوي، 1 ماروني، 1 روم أرثوذكس)، ومقعد عن المنية للطائفة السنية، ومقعدَيْن سنيَيْن في الضنية.
أما الشمال الثالثة (بشرّي ـ زغرتا ـ الكورة ـ البترون)، فخُصِّص لها 10 مقاعد، وهي 3 مقاعد للطائفة المارونية عن قضاء زغرتا، ومقعدان مارونيان عن بشري، و3 مقاعد للروم الأرثوذكس عن الكورة، ومقعدان مارونيان للبترون.
البداية من عكار، التي استحوذ فيها تيار المستقبل في عام 2018 على جميع المقاعد السنية، بالإضافة إلى مقعدٍ ماروني، بعدما نالت لائحته 76452 صوتاً، فيما تمكن "التيار الوطني الحر" من حصد مقعدين (روم أرثوذكس وعلوي) بعدما حصدت لائحته 34430 صوتاً. وحاز حزب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع مقعداً واحداً للروم الأرثوذكس، حين كان متحالفاً مع "المستقبل". مع العلم أن الحاصل الانتخابي في تلك الدائرة بلغ 19 ألفاً.
مقاطعة الحريري قد تُفقد باسيل نحو 1500 صوت سني
تبدلت الأمور في الاستحقاق الحالي، في ظلّ تنافس 8 لوائح انتخابية، واختلاط التحالفات السياسية وتشتت المجموعات المدنية. وضمّت لائحة "الاعتدال الوطني" مرشحين كانوا في "تيار المستقبل"، اختاروا الخروج منه وخوض الاستحقاق، وهم النواب هادي حبيش، وليد البعريني، محمد سليمان، بالإضافة إلى 4 مرشحين آخرين.
واختار طلال المرعبي (كان مقرّباً من الحريري ونجله طارق المرعبي فاز في انتخابات 2018 مع المستقبل واختار الالتزام بالمقاطعة) التحالف مع خالد الضاهر (نائب سابق في المستقبل) والقوات اللبنانية، من خلال نقيب المحامين السابق في طرابلس ميشال خوري، وذلك ضمن لائحة "عكار".
أما النائب السابق محمد يحيى فترأس لائحة "عكار أولاً"، التي تضم التيار الوطني الحر والحزب السوري القومي الاجتماعي، بينما قرّر رئيس الوزراء نجيب ميقاتي دعم لائحة "الوفاء لعكار".
ويصعب تحديد الفائزين في عكار، من أكثر المحافظات تهميشاً منذ استقلال لبنان في عام 1943، والتي تُعدّ من أكثر مناطقه فقراً، وتُعرف بأنها من معابر التهريب غير الشرعي بين لبنان وسورية.
ويُتهم نواب عكاريون بتأمين الغطاء السياسي لهذه العمليات. وحالياً، بدا لافتاً حجم المساعدات المقدمة للمحافظة وكثافة المال الانتخابي الفاضح، الذي يحاول عبره المرشحون استغلال الأزمة الاقتصادية لاستمالة أصوات الناس. وفي الحظوظ، يبقى المرشحون الذين كانوا مع تيار المستقبل الأقدر على الفوز في دائرة عكار.
دائرة الشمال الثانية حلّت في المرتبة الأولى في عدد اللوائح الانتخابية مقارنة مع باقي الدوائر الانتخابية على مستوى لبنان (عددها 15 دائرة). وتتنافس 11 لائحة انتخابية على المقاعد الـ11، مع تقدّم متوقع لمرشحي السلطة السياسية والمعارضة التقليدية، على حساب القوى المدنية المستقلّة المستبعد إحداثها أي خرقٍ.
ومن المرجّح جدياً توسّع "حزب الله" وحلفائه سُنيّاً، وهو ما يحاول خصومه مواجهته ولجمه، عبر التنبيه إليه ورفع شعارات تتصل بـ"الاحتلال الإيراني" و"ضرورة تحصين وحماية الساحة السنية من سطوة السلاح غير الشرعي"، علّهم يحركون ناخبي "المستقبل" الملتزمين بالمقاطعة.
وفي هذه الدائرة أيضاً حيث الثقل الحريري، تقدم حزبيون في "تيار المستقبل" باستقالتهم أيضاً لخوض الاستحقاق الانتخابي، لكنهم تبعثروا في لوائح متنافسة.
ومن هؤلاء، النائب عثمان علم الدين الذي قرر التحالف مع وزير العدل الأسبق أشرف ريفي وحزب "القوات اللبنانية". في المقابل، ترشح النائب سامي فتفت والقيادي السابق في تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، والعضوة السابقة في المكتب السياسي لتيار المستقبل ربى الدالاتي، في لائحة واحدة، مدعومة من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة.
من جهته، ترشح عبد الكريم كبارة، نجل النائب عن "تيار المستقبل" محمد كبارة، على لائحة مدعومة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، الذي عزف عن الترشح للانتخابات.
وفي جولة سريعة على انتخابات 2018، تمكنت 3 لوائح من أصل 8 من تأمين الحاصل الانتخابي (13311 صوتاً). وحلّت لائحة "المستقبل للشمال" في المرتبة الأولى بحصدها 51937 صوتاً، وكسبها 3 مقاعد سنية في طرابلس، توزعت على سمير الجسر، محمد كبارة، ديما جمالي التي طُعن لاحقاً في نيابتها من قبل المرشح الخاسر في طرابلس يحيى مولود، ومن ثم فازت بالانتخابات الفرعية.
وفاز عثمان علم الدين بالمقعد السني في المنية، فيما فاز سامي فتفت عن مقعد سني في الضنية. وتمكنت لائحة "الكرامة الوطنية" (الموالية لقوى 8 آذار) من حصد 29101 صوتاً، فكسب فيصل كرامي مقعداً سنياً في طرابلس، ومقعداً سنياً في الضنية من خلال جهاد الصمد.
أما لائحة "العزم" برئاسة نجيب ميقاتي فقد حصدت 42019 صوتاً، مكّنتها من كسب 4 مقاعد في طرابلس، السني ذهب إلى ميقاتي، العلوي لعلي درويش، الماروني لجان عبيد (توفي عام 2021 وترشح نجله لانتخابات 2022)، والروم الأرثوذكس لنقولا نحاس.
وسُجل سقوط مدوٍّ عام 2018 لوزير العدل الأسبق أشرف ريفي الذي خرج من عباءة "تيار المستقبل"، فقد حصدت لائحته "لبنان السيادة" 9656 صوتاً وعجزت عن تأمين الحاصل الانتخابي، ونال 5931 صوتاً تفضيلياً عن المقعد، في حين حازت القوى المدنية التغييرية على أصوات خجولة.
وتدور المعركة اليوم في الشمال الثانية بين تحالف فيصل كرامي وجهاد الصمد عن لائحة "الإرادة الشعبية"، وتحالف "القوات – ريفي ـ عثمان علم الدين" ضمن لائحة "إنقاذ الوطن"، إلى جانب لائحة "للناس" المدعومة من ميقاتي، ومن المرشحين فيها عبد الكريم كبارة، وعلي درويش، وسليمان عبيد، وكاظم خير، وبراء هرموش وآخرون، بينما جمعت لائحة "لبنان لنا" مستقبليين سابقين، أبرزهم مصطفى علوش وسامي فتفت.
توقعات حول يوم الانتخاب
وفي قراءة للمشهد الانتخابي، يلفت الخبير الإحصائي كمال فغالي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إلى أن نسبة الاقتراع ستكون أقلّ بكثير من تلك التي سُجّلت في عام 2018، وقد لا تتجاوز نسبتها 30 في المائة في طرابلس، وبين 10 و15 في المائة في الضنية والمنية.
ويعزو ذلك لأسباب عدّة، أبرزها انعكاسات الأزمة الاقتصادية وعدم حماسة الناس للمشاركة في العملية الانتخابية، ومقاطعة "تيار المستقبل" الذي يعدّ قوّة أساسية في دائرة الشمال الثانية، خصوصاً في طرابلس.
وعند وضع التمويل الخارجي وتفعيل الماكينات الانتخابية والمال الانتخابي الذي قد يرتفع منسوبه ويحدث تغييراً في الحسابات الانتخابية جانباً، يرى فغالي أن اللائحة الأولى التي قد تحصد النسبة الأكبر من الأصوات هي "الإرادة الشعبية"، إذ أن فيصل كرامي وجهاد الصمد سيكونان الرقم واحد، ومتوقع أن تنال لائحتهما 4 مقاعد نيابية.
أما القوّة الثانية بحسب فغالي، فهي لائحة "القوات – ريفي – عثمان علم الدين" التي ترفع اسم "إنقاذ وطن" ومن المتوقع أن تحصل على 3 مقاعد نيابية. فيما اللائحة المدعومة من ميقاتي، أي "للناس"، فيرى فغالي أنها قد تنال مقعدين، فضلاً عن مقعدين لـ"لائحة علوش – فتفت".
وفيما يخصّ اللوائح الأخرى، فمن المتوقع ألا تنال الحاصل الانتخابي، بحسب فغالي، ومن ضمنها "الجمهورية الثالثة" التي تضم المرشح عمر حرفوش، الذي شكّل حالة لافتة في طرابلس، عبر إطلالاته التلفزيونية الكثيرة والمتنقّلة التي جعلت منه "نجم المرشحين".
توقعات بانخفاض نسب الاقتراع في طرابلس والضنية والمنية
سياسياً وميدانياً، يقول الكاتب السياسي صهيب جوهر لـ"العربي الجديد" إن المنافسة الواضحة هي بين 4 لوائح، وهي لائحة "كرامي" و"ميقاتي" و"كبارة – مستقبليين سابقين"، و"مستقبليين سابقين – ريفي ـ القوات"، إلا في حال حصول مفاجآت مع إمكانية خرق لائحة المعارضة المدعومة من المجموعات المدنية "انتفض للسيادة للعدالة"، خصوصاً في ظل حالة الغضب العارمة في مدينة طرابلس، بعد غرق زورق للمهاجرين في 23 إبريل/نيسان الماضي، ما من شأنه أن يحصّل لها أصوات ناخبين ممتعضين من الأداء السياسي.
ويشير جوهر إلى أن طرابلس التي عرفت بـ"عروس الثورة" إبّان انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، لن تشهد تغييراً على المستوى السياسي، لا سيما أن ما تُسمى بالقوى التغييرية عجزت عن طرح أسماء مقنعة وجدية والمنافسة من خلالها، كما أنها تشتت في أكثر من لائحة.
ولم يُسجّل لتلك القوى أي حركة في المناطق الشعبية، التي لا يمكن أن نغفل فيها حضور الأجهزة الأمنية، وهي لاعب رئيسي في الانتخابات. ويتوقف جوهر عند حالة المقاطعة في "تيار المستقبل" التي لم تتغير، والأيام المتبقية كفيلة برسم التوجه الأخير، وما إذا كان سيحصل ضغط ما، خارجي ربما، لحث سعد الحريري على دعوة مناصريه للمشاركة في الانتخابات، والتصويت مثلاً لمصطفى علوش.
مع العلم أن هناك حركة للأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري باتجاه علوش، على الرغم من علمه بأن لائحة الأخير مدعومة من رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة، ولكن الأمين العام يريد منع جعجع من تحصيل أي مقعد في المناطق السنية.
أوضاع دائرة الشمال الثالثة
أما في دائرة الشمال الثالثة، فتتميز بلون حزبي طائفي واضح، أفرزته انتخابات عام 2018، فنال "تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية 3 مقاعد، اثنين في زغرتا وآخر في الكورة، بينما كسب ميشال معوض، مقعداً في زغرتا.
في المقابل، نالت القوات اللبنانية مقعدين في بشرّي وآخر في البترون، بينما حصل التيار الوطني الحر على مقعدين، في البترون لجبران باسيل وآخر في الكورة، والحزب القومي السوري الاجتماعي على مقعد في الكورة.
وتتنافس في هذه الدائرة في الدورة الحالية 7 لوائح، أبرز اللاعبين فيها، هي الأحزاب التقليدية نفسها، بينما يملك المجتمع المدني حظوظاً بالخرق.
ويقول المحلل السياسي آلان سركيس لـ"العربي الجديد"، إن أبرز اللوائح في هذه الدائرة، هي لائحة القوات اللبنانية "نبض الجمهورية القوية"، التي تترأسها النائبة ستريدا جعجع، ولائحة "شمال المواجهة" التي تضم تحالف مجد بطرس حرب وميشال معوض وحزب الكتائب اللبنانية وشخصيات مستقلة، ولائحة "وحدة الشمال" التي تضم تحالف "تيار المردة" بزعامة سليمان فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي بجناح سليم سعادة، إضافة إلى لائحة "رح نبقى هون" التي يترأسها جبران باسيل، ويتحالف فيها مع جناح للحزب السوري القومي عبر المرشح وليد العازار، فضلاً عن لوائح المجتمع المدني، التي تتقدمها لائحة "شمالنا".
اختلطت التحالفات في عكار لوراثة "تيار المستقبل"
ويلفت سركيس إلى أن طبيعة المعركة في هذه الدائرة مختلفة تماماً عن انتخابات 2018، إذ "لم نكن أمام معركة سياسية حادة كما هي الحال اليوم، فالنائب ميشال معوض كان متحالفاً مع التيار الوطني الحر، والقوات إلى جانب الكتائب واليسار الديمقراطي، والمردة إلى جانب بطرس حرب، والقومي السوري وشخصيات أخرى".
ويشير إلى أن "التيار الوطني الحر كان مرتاحاً في حينه، ولم يكن يواجه عنوان إسقاط باسيل، الذي تعدّ احتمالات خسارته مفتوحة، خصوصاً في ظل تراجعه الكبير إبان انتفاضة 17 تشرين".
ويكشف أن "باسيل خسر نحو 1500 صوت سني كان الحريري قد رفده بهم عبر الطلب من الناخبين المؤيدين له علناً منح أصواتهم التفضيلية لباسيل".
ويضيف: "كما أن تحالف معوض وحرب والكتائب قلب المقاييس كلها ومن شأنه أن يغير المعادلة، وبالتالي فإن وضع باسيل دقيق". ويشير سركيس إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى أن المعادلة ستتغير في انتخابات 2022، فقوى ما كان يعرف بـ8 آذار حازت 7 مقاعد، فيما خرقت القوات بثلاثة، لكن الأجواء الحالية تشي بأن القوى المعارضة والمدنية قد تحصل على 6 مقاعد في مقابل 4 لـ8 آذار.