انتخابات شرقي سورية: تهديدات تركية بقمع مخطط "قسد"

01 يونيو 2024
مقاتل من قسد في الباغوز، مارس 2024 (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الانتخابات المحلية في مناطق "الإدارة الذاتية" الكردية بسورية تثير توترات إقليمية، خصوصاً مع تركيا التي ترى فيها خطوة نحو إنشاء كيان كردي مستقل يهدد أمنها القومي، مما يزيد من احتمالية تجدد الصراع.
- "الإدارة الذاتية" تهدف من خلال الانتخابات إلى تعزيز الإدارة الديمقراطية وإعادة تشكيل مؤسساتها، رغم الانتقادات والمقاطعة من بعض الأحزاب الكردية والقلق من عدم وجود نظام قضائي مستقل.
- التهديدات التركية بالتدخل العسكري والمخاوف من تأسيس كيان كردي مستقل تعكس التحديات الخارجية والانقسامات الداخلية التي تواجهها "الإدارة الذاتية"، مما قد يعمق التقسيمات داخل سورية ويعقد الجهود نحو حل سياسي شامل.

تبرز مؤشرات عدة على أن الانتخابات المحلية، التي أعلنت "الإدارة الذاتية" الكردية أنها ستجريها في مناطق سيطرتها شرقي سورية في يونيو/حزيران الحالي، قد تكون شرارة تفجر الأوضاع مجدداً في تلك المنطقة، بعد تصاعد التهديدات التركية بالتحرك عسكرياً في حال إجراء انتخابات شرقي سورية التي يتوجس منها أيضاً كل من النظام السوري والمعارضة، فيما أعلنت أحزاب كردية رئيسية أنها لن تشارك فيها.

انتخابات شرقي سورية تواجه الرفض التركي

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أول من أمس الخميس، إن بلاده لن تتردد في شنّ هجوم جديد في سورية، في حال إجراء تلك الانتخابات. وأضاف أردوغان، خلال حضوره مناورات "إفس 2024" العسكرية في ولاية إزمير، غربي تركيا: "نتابع عن كثب التحركات العدائية من منظمة متطرفة ضد وحدة أراضي بلادنا، والأراضي السورية، بذريعة الانتخابات، وتركيا لن تسمح لمنظمة انفصالية بإقامة (دولة إرهابية) على حدودها الجنوبية". وتابع: "فعلنا ما كان مطلوباً في السابق في مواجهة أمر واقع، ولن نتردد في التحرك مجدداً إن واجهنا الوضع نفسه". واعتبر الرئيس التركي أن "المنظمة الإرهابية الانفصالية" (في إشارة إلى قوات سوريا الديمقراطية - قسد) والقوى التي تدعمها، سوف ترى أنه لا يمكن تحقيق أي شيء بفرض الأمر الواقع"، موضحاً أن أنقرة تتوقع من جميع الأطراف الفاعلة في المنطقة تفهم واحترام هواجسها المشروعة بشأن هذه القضية، وفق تعبيره.

تعتبر تركيا الانتخابات خطوة من جانب "قسد" نحو إنشاء كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية

وتصنف تركيا "قسد" امتداداً سورياً لحزب العمال الكردستاني، المحظور لديها، وهو ما تنفيه تلك القوات، رغم إقرارها بوجود كوادر من الحزب في قيادتها.

وقالت "الإدارة الذاتية" في شمال شرق سورية (الذراع الإدارية لقوات قسد) إنها بصدد إدارة مناطق نفوذها على أسس ديمقراطية، ولهذا السبب تتوجه لتنظيم انتخابات البلديات في 11 يونيو المقبل. وأوضحت أنها ستعيد تشكيل مؤسساتها الخدمية وهياكلها الإدارية وفق نتائج انتخابات شرقي سورية المحلية في سبع مقاطعات موزعة على أربع محافظات في شمال شرق البلاد، وتشمل الحسكة والرقة وريف دير الزور وريف حلب الشرقي. ومن المقرر تنظيم انتخابات تمهيدية في النواحي والبلدات والمدن الرئيسية، لاختيار أعضاء مجالس البلديات ورؤساء الوحدات الصغيرة، تمهيداً لانتخاب رؤساء البلديات، تليها انتخابات مجالس المدن (المدينة الكبيرة أكثر من 200 ألف نسمة)، ثم انتخابات "مجلس الشعوب الديمقراطي" على مستوى المقاطعات، وهذا المجلس أعلى سلطة تشريعية لدى "الإدارة الذاتية"، وهو بمثابة البرلمان لتلك المناطق.

ودعت "الإدارة الذاتية" منظمات دولية وحكومية لمراقبة انتخابات شرقي سورية البلدية، فيما شكّك مراقبون بنزاهتها، بسبب عدم امتلاك "الإدارة الذاتية" نظاماً قضائياً مستقلاً. غير أن تركيا، التي شنّت عمليات عسكرية في الشمال السوري في الماضي، تعتبر ذلك خطوة من جانب "قسد" نحو إنشاء كيان كردي مستقل على حدودها الجنوبية، ما يشكل تهديداً لسلامة أراضيها والأراضي السورية.

ورأى الصحافي والمحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تهديدات أردوغان بشأن انتخابات شرقي سورية جادة، ولا ينبغي التعامل معها باعتبارها مجرد وسيلة للضغط السياسي. وقال جوناي إن تركيا ترى في إمكانية قيام دويلة كردية في شرق سورية خطاً أحمر، وهي جادة في عزمها القيام بعمليات عسكرية في شرق سورية في حال مضت "قسد" بهذه الخطوة، على غرار ما فعلت سابقاً في الشمال السوري، وفي شمال العراق أيضاً.

ولا يقتصر القلق التركي حيال الأوضاع على الحدود السورية على حكومة أردوغان فقط، بل هذه القضية تشغل بال المعارضة أيضاً، ومجمل الأحزاب السياسية في تركيا، وإن كانت لديها مقاربة مختلفة بشأن التعامل مع هذه المسألة. وقبل أيام، دعا زعيم الحركة القومية دولت بهتشلي إلى تنسيق عسكري مشترك بين تركيا والنظام السوري ضد "قسد"، مقترحاً شنّ حملة عسكرية مشتركة مع النظام السوري "لاجتثاث جذور التنظيم الإرهابي"، وفق تعبيره. وشدّد بهتشلي، في كلمته التي ألقاها أمام كتلة حزبه البرلمانية، على الحاجة لمنع "قسد" من استخدام الوسائل الديمقراطية لتغطية سيطرتها على شمال شرق سورية، في إشارة إلى إجراء الانتخابات المقبلة، معتبراً أن تلك الانتخابات بمثابة خطوة في اتجاه تقسيم تركيا نفسها.

وفي ضوء هذه التهديدات التركية، فإن السؤال المطروح هو هل ستمضي "الإدارة الذاتية" وجناحها العسكري "قسد" قدماً في إجراء انتخابات شرقي سورية كما أعلنت، وهل هي مستعدة لتحمل عواقب هذه الخطوة؟

بحثٌ عن شرعية مفقودة

وتعقيباً على ذلك، رأى الباحث السوري الكردي آلان محمود، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإدارة الذاتية" الكردية في سعيها المحموم للبحث عن تثبيت شرعيتها، والتي هي مدار شك وريبة على الدوام، تسعى لتنظيم هذه الانتخابات التي قد تجلب إلى مناطق سيطرتها ويلات هي بغنى عنها، خصوصاً في ظل عدم وجود توافق كردي محلي على هذه الخطوة، وسط مقاطعة أبرز الأحزاب الكردية لها، والمتمثلة في المجلس الوطني الكردي، فيما حرمت "الإدارة الذاتية" أحزاباً أخرى من المشاركة في انتخابات شرقي سورية بحجة أنها غير مرخصة.

وأضاف محمود أن الانتخابات بهذا المعنى، بغض النظر عن التهديدات التركية التي لا ينبغي الاستهتار بها، تسعى إلى تكريس هيمنة "قسد" على المنطقة، وشرعنة هذه الهيمنة عبر الانتخابات، وهي انتخابات لن يصدق أحد أنها حرّة ونزيهة مهما رافقها من إعلانات وتأكيدات. ورأى الباحث السوري الكردي أن "قسد" باتت الآن في ورطة تقريباً، فلا هي تستطيع التراجع عن هذه الخطوة من جهة، ولا هي قادرة على تحمّل تبعاتها من جهة أخرى، متوقعاً بروز تدخلات خارجية خلال الفترة المقبلة، خصوصاً من جانب الولايات المتحدة، بهدف التوصل إلى حلول وسط تحفظ ماء وجه "قسد" من جهة، وتُجنب المنطقة أيّ عمليات عسكرية تركية من جهة أخرى.

ويرى مراقبون أن الخطوات الأحادية التي تبادر إليها "الإدارة الذاتية" تسهم في تكرس تقسيم سورية بين مناطق نفوذ مختلفة بعد 13 عاما من اندلاع الصراع في سورية، وهو ما سوف يعوق أي حلول سياسية محتملة.

لا يوجد توافق كردي محلي على هذه الخطوة، وسط مقاطعة أبرز الأحزاب الكردية لها

وقال المحلل السياسي محمد جرار، لـ"العربي الجديد"، إن "قسد" تواصل "دورها التخريبي على الساحة السورية بهدف تكريس الانقسامات، وتجذيرها قانونياً، على الرغم من عدم اعتراف أحد بالخطوات التي تقوم بها". واعتبر أنه سلوك "منفصل عن الواقع، وبدل أن تعمل (قسد) على محاولة تحسين مستوى معيشة السكّان في ظل استئثارها بأغلب ثروات البلاد النفطية والزراعية، تسعى قسد فقط إلى ترسيخ حكمها، بغضّ النظر عن العواقب السياسية والعسكرية التي قد تتعرض لها المناطق التي تسيطر عليها". واعتبر أن هذه الخطوة تأتي استكمالاً لخطوات منفردة أخرى، مثل "العقد الاجتماعي" الذي أقرته "قسد" نهاية العام الماضي، وهو بمثابة دستور محلي، و"قانون التقسيمات الإدارية" في مناطق نفوذها الذي يعيد تقسيم مناطق شمال وشرق سورية وفق تسميات جديدة غير معروفة سابقاً.

طريقٌ للجمهورية الثالثة

وحول التهديدات التركية بعمل عسكري في حال مضت "الإدارة الذاتية" في خططها لإجراء الانتخابات، قال سيهانوك ديبو، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة في حزب الاتحاد الديمقراطي، لـ"العربي الجديد"، إن التهديدات التركية لم تنقطع منذ البداية الأولى للأزمة السورية، رغم أن تركيا تحتل اليوم نحو 10 في المائة من جغرافية سورية، من دون أي سند قانوني أو أي حجة مدرجة في القانون الدولي. ورأى ديبو أنه "لا مبرر للتهديدات التركية التي تفتقر إلى أي أساس قانوني وشرعي، فتركيا اليوم دولة تحتل سورية وتتعامل مع مناطق احتلالها لفرض واقع إداري جديد يمهد لانسلاخها وضمّها إلى تركيا". واستشهد ديبو باستخدام العملة التركية في المناطق التي فيها نفوذ لها، فيما تنتشر رموز تركيا وصور قادتها هناك، إضافة إلى استخدام اللغة التركية في هذه المناطق. واعتبر أن تركيا "تستثمر في الأزمة السورية من كل النواحي، وهي في الأساس أمام أزمة داخلية كبيرة تحاول الهروب منها خلال ما تسّميه وتزعمه (مخاوف وتهديدات أمنها القومي)"، لكن الحقيقة، وفق ديبو، أن تركيا "هي من تهدد أمن جيرانها برمتهم".

وقال: "من المهم أن يدرك الجميع أن عقد الانتخابات البلدية لتحسين الواقع الخدمي لمكونات سورية في شمالها وشرقها، علاوة على أنها مسألة صرف داخلية، فإنها خطوة لانتشال سورية من واقعها التقسيمي، وفي الوقت نفسه تندرج ضمن الخطوات الممهدة للحلّ السوري برمته"، مشيراً إلى أن هذه الانتخابات ستكون الثالثة، حيث كانت الأولى قد أجريت في عام 2014 والثانية في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2017. وأكد أن قرار إجراء انتخابات شرقي سورية البلدية "اتخذته مكونات وأحزاب سورية بإرادتها الحرّة ومن مختلف مكوناتها"، خاتماً بالقول: "نحن في مناطق الإدارة الذاتية الطرف الأكثر فاعلية في محاربة الإرهاب، ونقدم الآن نموذجاً لحلّ الأزمة السورية وطريقاً نحو الجمهورية السورية الثالثة".

تقارير عربية
التحديثات الحية