منحت اليونان انتصاراً كبيراً، لكن غير كافٍ، لرئيس وزرائها كيرياكوس ميتسوتاكيس، وحزبه "الديمقراطية الجديدة" اليميني، في الانتخابات التشريعية التي أُجريت، أول من أمس الأحد.
وبعد فرز 99.68 في المائة من الصناديق، تصدر "الديمقراطية الجديدة" لوائح الفائزين، بحصوله على 40.79 في المائة من الأصوات، أي ما يعادل 146 مقعداً نيابياً من أصل 300 في البرلمان.
وحلّ ثانياً، حزب "سيريزا" اليساري، بزعامة رئيس الوزراء السابق أليكسيس تسيبراس، بنيله 20.07 في المائة من الأصوات، و71 مقعداً، بينما تمكن حزب "باسوك ـ كينال" اليساري، من الحصول على 11.46 في المائة من الأصوات، التي منحته 41 مقعداً نيابياً.
وحل الحزب الشيوعي اليوناني رابعاً، بنيله 7.23 في المائة من الأصوات، و26 مقعداً، فيما كسب حزب "الحل اليوناني" اليميني 16 مقعداً، بحصوله على 4.45 في المائة من الأصوات.
كارثة لاريسا
وتعني هذه النتائج أن ميتسوتاكيس حقق أكثر مما كان يأمل، على الرغم من أن صعوده في استطلاعات الرأي في الأشهر الأخيرة كان كبيراً، غير أن كارثة تصادم قطارين في مدينة لاريسا، وسط البلاد، في 28 فبراير/شباط الماضي، هوت بأرقامه.
ومع تسجيل مقتل 57 شخصاً على الأقل، وجرح أكثر من 85 آخرين، وفقدان عدد غير معروف من ركاب القطارين، البالغ عددهم 342 فرداً، هزت البلاد تظاهرات حاشدة مطالبة باستقالة الحكومة، كما نظم عمال سكك الحديد إضراباً.
ضربت كارثة قطار لاريسا في فبراير الماضي شعبية ميتسوتاكيس
وسعى ميتسوتاكيس لاستيعاب الوضع، فقدم اعتذاراً لليونانيين بقوله: "كرئيس للوزراء، أنا مدين للجميع، ولا سيما لأقارب الضحايا، بطلب الصفح". وقدم وزير النقل، المنتمي لحزب "الديمقراطية الجديدة"، كوستاس كارامانليس، استقالته من منصبه. وتم الكشف لاحقاً عن نقص في عدد العاملين في محطات القطار وأن البنية التحتية للسلامة معطلة وعفا عليها الزمن.
وهو ما عزاه كثيرون إلى الأزمة المالية التي عصفت باليونان منذ أكثر من عقد، التي وضعت ملف تطوير القطارات جانباً، ريثما يتم تطبيق إصلاحات أساسية طلبها الاتحاد الأوروبي لنجدة أثينا.
ومع ذلك، فإن ميتسوتاكيس يتمسك بنجاحه في إرساء نمو عام في البلاد، بلغ في العام الماضي وحده 6 في المائة، ما يُعدّ إنجازاً كبيراً له، خصوصاً أن هذا الرقم يُعتبر إعجازياً، في فترة أثّرت فيه إغلاقات وباء كورونا، ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، على سلاسل التوريد والعجلة الاقتصادية. كما أن الخلافات اليونانية مع تركيا استمرت، خصوصاً بما يتعلق بترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط، وملف اللاجئين.
وفي أول تعليق له على النتائج، رحّب ميتسوتاكيس بالنتائج قائلاً، إن حزبه المحافظ أحدث "زلزالاً سياسياً" بفوزه، لكنه فتح المجال أمام إجراء جولة ثانية في أواخر شهر يونيو/حزيران أو مطلع يوليو/تموز المقبل، لحصد غالبية مطلقة تمكّن معسكره السياسي من تولي الحكم منفرداً.
ووفق القانون الانتخابي، الذي نجح ميتسوتاكيس في تمريره في عام 2020، فإن أمامه ثلاثة سيناريوهات. ينص السيناريو الأول، على أنه بعد صدور النتائج الرسمية، سيكون أمام ميتسوتاكيس ثلاثة أيام للبحث عن شركاء في ائتلاف حكومي، وإذا نجح بذلك سيُشكّل حكومة جديدة. أما السيناريو الثاني، فيتعلق باحتمال فشله في تشكيل حكومة ائتلافية خلال ثلاثة أيام، ما سيدفعه إلى تسليم تفويض تشكيل حكومة جديدة إلى الحزب الذي حلّ ثانياً في انتخابات الأحد، وهو "سيريزا" في هذه الحالة. أما السيناريو الثالث، وهو المرجح، فيسمح لميتسوتاكيس في طلب إجراء جولة ثانية قبل انقضاء مهلة الأيام الثلاثة من تكليفه تشكيل الحكومة، ويُمكنه الاستفادة من هذه الجولة لكسب 50 مقعداً إضافياً، تمنحه غالبية مستقرة.
وينصّ البند المتعلق بالجولة الثانية على أن الحزب المتصدر فيها سينال بين 20 مقعداً بالحد الأدنى في حال حصوله على 25 في المائة من الأصوات، وبين 50 مقعداً في حال حصوله على 40 في المائة من الأصوات، وذلك على قاعدة مقعد إضافي عن كل نصف نقطة مئوية.
وما يسمح لميتسوتاكيس بالتفاؤل للحصول على هذه النسب العالية، هو أن القانون الانتخابي ينص على أن كل حزب لم يتجاوز عتبة الـ3 في المائة في الجولة الأولى، لا يشارك في الجولة الثانية وتُوزّع أرقامه على الأحزاب التي تجاوزت العتبة، وبنسب تفضيلية، تُمنح فيها الأرقام الأعلى للحزب الأول.
وكان نظام الجولة الثانية معمولاً به منذ عام 1974، وفي عام 1990 أُقرّ تعديل دستوري، سمح بحصول الفائز بالجولة الثانية على 50 مقعداً، من دون تحديد نسبة معينة. وفي عام 2016، أطاح حزب "سيريزا" بهذا القانون، لمصلحة نظام نسبي. غير أن ميتسوتاكيس عاد للعمل بقانون 1974، لكن مع تعديل عدد المقاعد، وفقاً لنسبٍ مئوية.
وبحسب النتائج الأخيرة، فإن "الديمقراطية الجديدة" يحتاج إلى 5 مقاعد فقط، للوصول إلى 151 مقعداً من أصل 300، مما يمنحه الأغلبية المطلقة، التي تسمح له بتشكيل حكومة من لون واحد وإقرار قوانين لن تلاقي معارضة حكومية، فضلاً عن ضمان استمرارها حتى الانتخابات التشريعية المقبلة في عام 2027.
والسعي للفوز الكاسح في الجولة الثانية، سيُريح ميتسوتاكيس من التفاهم على تشكيل ائتلاف حكومي، سواء مع "سيريزا" أو "باسوك ـ كينال". وأوضح رئيس الوزراء في تصريحات صحافي، أنه سيتبع جميع الإجراءات الدستورية، وسيسعى حزبه للحصول على أغلبية مطلقة خلال جولة الانتخابات الثانية.
فشل حزب "سيريزا" اليساري يتواصل مع حلوله ثانياً
وبعد ذلك، توجه ميتسوتاكيس إلى مناصريه قائلاً: "معاً سنناضل منذ الغد من أجل أن يتأكد حسابياً في الانتخابات المقبلة ما قرّره المواطنون، وهو أن يحكم حزب الديمقراطية الجديدة منفرداً". وقال ميتسوتاكيس: "يريد المواطنون حكومة قوية مع أفق يمتد لأربع سنوات، لأن الزلزال السياسي الذي حدث يدعونا جميعاً إلى ذلك".
أمر عبّر عنه وزير النظام العام تاكيس ثيودوريكاكوس، مساء الأحد: "قلنا إننا نريد أن نحكم بشكل صريح لأن ذلك سيضمن الاستقرار والمضي قدماً. لذلك، من حقنا أن نطلب من الشعب اليوناني ذلك في الانتخابات المقبلة".
فضيحة ميتسوتاكيس
لكن طريق النصر الساحق غير معبّد بالورود، إذ يواجه ميتسوتاكيس فضيحة تنصت غير قانوني على مكالمات هاتفية لسياسيين وصحافيين. ودان البرلمان الأوروبي في مارس/آذار الماضي "التهديدات الخطيرة لسيادة القانون والحقوق الأساسية" في اليونان، وفقاً للنائبة الهولندية صوفي إنت فيلد.
وتتعلق الفضيحة بما أوردته صحيفة "دوكيمنتو" المقرّبة من "سيريزا" في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بتجسس ميتسوتاكيس على 33 شخصية عامة، بينهم وزراء في حكومته، عبر برنامج التجسس "بريدايتور". لكن ميستوتاكيس نفى ذلك.
أما خصمه الأبرز، حزب "سيريزا"، فقد تعرّض لنكسة كبيرة، إذ على الرغم من تأكيد رئيسه، أليكسيس تسيبراس، أن "الدورة الانتخابية لم تنته بعد"، غير أن حظوظه باتت أضعف.
ولم يسامح اليونانيون تسيبراس على تعنّته في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول خطة إنقاذية عام 2015، في مواجهة كادت أن تُخرج البلاد من منطقة اليورو.
وهو رضخ في نهاية المطاف وأقر تدابير تقشّف جذرية تلبية لشروط الجهات الدائنة لليونان، لكنه وزير ماليته يانيس فاروفاكيس، دفع ثمنها بخروجه من الحكومة. انتخابات الأحد كانت الأولى في اليونان منذ أن توقف اقتصادها عن الخضوع لرقابة صارمة من قبل المقرضين الدوليين، الذين قدموا أموال الإنقاذ خلال الأزمة المالية التي استمرت ما يقرب من عقد من الزمن في البلاد.
(العربي الجديد، الأناضول، أسوشييتد برس، فرانس برس)