- الغزواني يواجه انتقادات بشأن بطء تنفيذ الوعود وتدهور الأوضاع المعيشية، مع تحقيقات في فساد الإدارة السابقة، لكن يُنظر إليه على أنه أوفى ببعض الوعود، خاصة في المجالات الاجتماعية.
- يتمتع الغزواني بدعم الجمعية الوطنية والحزب الحاكم، مما يعزز فرصه لفوز بولاية ثانية، بينما تواجه المعارضة تحديات في التوحد، ويظل بيرام الداه عبيدي منافساً بارزاً في الانتخابات التي تعد فرصة للتعبير عن الآراء الشعبية.
تستعد موريتانيا لتنظيم سابع انتخابات رئاسية في تاريخها في 29 يونيو/حزيران المقبل في غياب شبه تام لتأثير المعارضة التي فقدت ما تبقّى من بريقها بعد توافق زعمائها مع الرئيس محمد ولد الغزواني، وتلبيته مطالبهم بمحاكمة عدوهم اللدود سلفه محمد ولد عبد العزيز. لكن بعد ما حدث في الجارة الجنوبية السنغال في شهر مارس/آذار الماضي، وفوز الشاب المعارض المغمور باسيرو ديوماي فاي بالرئاسة، فإن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، خصوصاً إذا نجح أحد المرشحين في الفوز بتحالفات بين التيارات الإسلامية والبعثية والزنجية (التيارات الزنجية هي مجموعة من الحركات والأحزاب التي تدافع عن حقوق الموريتانيين من أصول زنجية أي أفارقة).
وعلى الرغم من أن الرئيس محمد ولد الغزواني لم يعلن ترشحه رسمياً بعد، إلا أن كل المؤشرات تؤكد أنه يسعى إلى ولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية. ورفع ولد الغزواني من نشاطه في الفترة الأخيرة من خلال إعطاء الانطلاقة لعدد من المشاريع وزيارة مواقع البناء الكبرى في نواكشوط، ومطالبة المسؤولين بسرعة إنهاء المشاريع وحل مشاكل المواطنين، والدفاع عن سجل إنجازاته في أول مقابلة له مع الصحافة المحلية أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم انتهاء بتوليه الرئاسة الدورية للاتحاد الأفريقي.
وعود كثيرة وتنفيذ بطيء
وفي غياب تحالفات حقيقية بين زعماء المعارضة، يحتفظ محمد ولد الغزواني بحظوظه كأقرب مرشح للفوز بالرئاسة، ويحافظ على حالة من التشويق، من دون إعلانه رسمياً الترشح. وينتقد الشارع الموريتاني المحبط من الوعود التي لم تتحقق والمثقل بمكابدة ظروف معيشية قاسية، إهمال الغزواني معالجة بعض الملفات الاقتصادية، كارتفاع مستويات البطالة والفقر، إضافة إلى استمرار حالة الجمود التي طبعت مدة ولايته التي دامت خمس سنوات. وتُعتبر موريتانيا بلداً غنياً بالثروات والمقدرات الطبيعية. وعلى الرغم من أن تعدادها السكاني لا يتجاوز 4.5 ملايين نسمة، إلا أن سنوات الفساد وسوء التسيير أثرا سلباً في التنمية والاقتصاد في البلاد.
وعاش الموريتانيون على مدى السنوات الثلاث الماضية على وقع تحقيقات في ملفات فساد واختلاس المال العام اتُهم فيها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز وبعض أعضاء حكومته بسرقة المال العام، وحُكم على الرئيس السابق في المحاكمة التي بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2023 بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال. غير أن جزءاً من الموريتانيين لم يكن راضياً بما يكفي على المحاكمة، إذ اعتبروها محاولة لإقصاء منافس قوي للرئيس في الانتخابات المقبلة، خصوصاً أن الحكومة لم تتخذ إجراءات لاسترجاع الأموال المنهوبة من خزينة الدولة ولم تقدّم كافة المسؤولين عن تلك الخسائر المالية الكبيرة للمحاكمة.
ويقول الباحث السياسي الموريتاني، سيدي محمد ولد أيده، لـ"العربي الجديد"، إن الغزواني أوفى بوعوده في بعض الميادين وبشكل خاص في المجال الاجتماعي، إذ قام بتحسين معاشات موظفي الدولة، وخلق تغطية صحية شاملة، وزوّد بعثة التضامن الوطني ومحاربة الإقصاء بميزانية قدرها 500 مليون دولار. ويؤكد أن انتخاب الغزواني قبل فترة بسيطة من انتشار وباء كورونا ثم لاحقاً حرب أوكرانيا وتبعاتها الاقتصادية، خلق حالة من الجمود السياسي، إضافة إلى محاكمة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، التي أثارت حالة من الجدل في الشارع ورفعت شعبية الرئيس لدى المعارضين لكنها أثرت على أسهمه لدى البقية خصوصاً بعد تراجع الحالة الصحية للرئيس السابق أثناء محاكمته.
باحث: الانتخابات المقبلة ستكشف عن مدى اقتناع الشارع بالرئيس الحالي وبالمشروع الإصلاحي الذي بدأه
ويرى ولد أيده أن الانتخابات الرئاسية المقبلة ستكشف عن مدى اقتناع الشارع بالرئيس الحالي وبالمشروع الإصلاحي الذي بدأه، معتبراً أن ذلك سيتأكد في حالة فوزه والنسبة التي سينالها. ويضيف: "صحيح أن هناك حالة من التململ في الشارع الموريتاني من بطء وتواضع الانجازات خلال عهد الغزواني، لكن في المقابل فإن الموريتانيين ملّوا من وعود المعارضة وسئموا المتاجرة بكل أحلامهم من قِبل زعمائها ويرغبون بأن يجدوا رئيساً قادرا على تحقيق آمالهم". ويتابع أن "المعارضة التقليدية انهارت في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد أن اختارت بسرعة كبيرة الاقتراب من السلطة، وتأكد هذا من النتائج التي حققتها خلال الانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية في مايو/أيار 2023".
وعن أبرز المنافسين للرئيس الحالي، يقول الباحث الموريتاني إن "الناشط المناهض للعبودية بيرام الداه عبيدي الذي جاء في المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية لعام 2019 بعد أن حصل على نسبة 19 في المائة من الأصوات، هو الخصم الأبرز للرئيس الغزواني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإذا نجح بيرام في عقد تحالفات بين التيارات البعثية والزنجية قد يحقق نتائج جيدة ويتنافس في جولة ثانية".
ترشح شبه محسوم
يحظى محمد ولد الغزواني الآن بأغلبية الأعضاء في الجمعية الوطنية، إذ حصل حزب الإنصاف الذي يدعم الرئيس على 107 مقاعد من أصل 176 في الانتخابات التشريعية التي جرت في مايو الماضي، كما فاز الحزب الحاكم بالمجالس الإقليمية الـ13، وبثلثي البلديات. وحصلت المعارضة على 27 مقعداً فقط، ويظل حزب تواصل الإسلامي (المعارض) الأكثر منافسة للحزب الحاكم من بين 25 حزباً شاركت في الانتخابات، إذ جاء ثانياً بحصوله على 11 مقعداً، فيما حصل حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدّم على 10 مقاعد.
وكان ولد الغزواني قد فاز بالانتخابات عام 2019 بنسبة 52 في المائة من الأصوات. وأجاب عن سؤال حول إمكانية ترشحه في آخر مؤتمر صحافي في أكتوبر الماضي بالقول إنه لم يقرر بعد الترشح لكنه مستعد دوماً لخدمة شعبه. لكن مراقبين يعتبرون أن ترشحه لولاية ثانية وأخيرة مدتها 5 سنوات، شبه محسوم وهي فقط مسألة وقت، ويعتبرون أن نيل حزبه غالبية أعضاء الجمعية الوطنية يعزز حظوظه في الفوز وتحقيق نتائج جيدة، خصوصاً في ظل تواضع خصومه المحتملين.
عيسى ولد أحمد: لا يوجد أي خصم حقيقي يمكن أن يعيق طريق الغزواني نحو الرئاسة
ويقول الناشط في صفوف الأغلبية من حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم، عيسى ولد أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه لا يوجد أي خصم حقيقي يمكن أن يعيق طريق الغزواني نحو الرئاسة، معتبراً أن الغزواني حقق نتائج جيدة خلال ولايته الأولى، فسياسته الاقتصادية آتت ثمارها وحققت نسبة نمو بلغت 6.4 في المائة، وتم خفض معدل الدين الخارجي وتعزيز ثقة الشركاء والمستثمرين. ويضيف أن الغزواني وضع استراتيجية جديدة لمكافحة سوء الإدارة والفساد، وفتح أبواب الحوار الوطني بين الفرقاء مما مكّن البلاد من تحقيق انفتاح سياسي ومنع تأثير موجة الانقلابات التي اجتاحت غرب أفريقيا على موريتانيا. ويؤكد أن الانتخابات ستكون شفافة وستعكس إرادة الناخب، خصوصاً بعد إصلاح نظام عمل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والاتفاق بين أحزاب الموالاة والمعارضة على ميثاق تفاهم وطني يتعلق بمبادئ الوحدة الوطنية والحوكمة السياسية والاقتصادية.
وكان زعيما المعارضة أحمد ولد داداه ومحمد ولد مولود قد وقّعا على ميثاق مع حزب الإنصاف الحاكم، فتح الطريق أمام الحوار الذي نظّم لاحقاً، وتم الاتفاق خلاله على تعزيز الديمقراطية والحوكمة وسبل الإعداد الجيد للانتخابات الرئاسية.
من جهته، يقول الناشط في صفوف المعارضة من تحالف أمل المعارض، محمدو ولد يحيا، لـ"العربي الجديد"، إن سياسة إضعاف المعارضة وتحميلها كل الفشل الذي تعاني منه المنظومة السياسية في البلاد، أمر مقصود والهدف منه تحجيم دورها وتشويه سجلها، ومنعها من التوافق على مرشح موحد يحمل آمالها في الانتخابات الرئاسية. ويشير إلى أن موريتانيا التي احتفلت عام 2019 بأول انتقال سلمي للسلطة في تاريخها بين رئيسين منتخبين ديمقراطياً، لم تحقق ما كانت ترجوه لأنه لم يتم دعم أطراف العملية السياسية بما يكفي لتقوم بدورها كمراقب ومنافس ومحاسب.
محمدو ولد يحيا: معظم الأحزاب الموريتانية ضعيفة ولا تملك القدرة التنظيمية ولا الموارد اللازمة لمنافسة الحزب الحاكم
ويعتبر أن معظم الأحزاب السياسية الموريتانية ضعيفة ولا تملك القدرة التنظيمية ولا الموارد اللازمة لمنافسة الحزب الحاكم وتنظيم أنشطة وحملات دعائية، مضيفاً أن نظام التمثيل النسبي القائم على القوائم الوطنية والجهوية والبرلمانية، والذي تم اعتماده عام 2022، أدى إلى زيادة تمثيل الأقليات وإضعاف المعارضة. ويدعو الناشط المعارض إلى دعم المعارضة في الانتخابات المقبلة، معتبراً أنه يتوجب على 1,7 مليون ناخب مدعوين للانتخابات أن يبحثوا عن بديل للرئيس الحالي الذي فشل في تحقيق نتائج مهمة على الرغم من الظروف التي توفرت له، مضيفاً أن التغيير سيحمي موريتانيا من الانغماس في الفساد أو العودة إلى مربع الانقلابات العسكرية، وتكرار أخطاء الماضي.