في الثامن من فبراير/شباط عام 2017 اختار أعضاء البرلمان الصومالي، الذين اجتمعوا في معسكر حلني في العاصمة مقديشو، محمد عبدالله فرماجو رئيساً جديداً للبلاد، مدفوعين بأغلبية شعبية كان يحظى بها بعد أن تولى منصب رئيس الحكومة الصومالية في العام 2010. لكنه سرعان ما استقال من منصبه تحت ضغوط إقليمية، والتي عرفت باتفاقية كامبالا، بعد خلافات مع الرئيس الصومالي آنذاك شريف شيخ أحمد. أمضى فرماجو أربع سنوات، أي كامل مدة ولايته، في القصر الرئاسي. وفي حين لم يحسم مصيره لجهة استمراره لولاية رئاسية ثانية، أو مغادرة السلطة، يثير تعثر انهيار المفاوضات لإجراء الانتخابات الرئاسية اليوم الإثنين مخاوف من إمكانية انزلاق البلاد إلى مربع الفوضى السياسية والأمنية من جديد، إذا لم تتوصل الأطراف الصومالية إلى اتفاق جديد بمساعدة المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة لإنقاذ البلاد من الفشل.
وتبرز مخاوف من عودة محتملة لهجمات حركة "الشباب" التي شهدتها مقديشو نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، والتي أدت إلى مقتل عشرة أشخاص، من بينهم جنود. وبموجب المادة 95 من الدستور الصومالي، فإنه إذا خلا منصب رئيس الجمهورية، يتولى رئيس مجلس الشعب (البرلمان) منصب رئاسة الجمهورية، إلى أن يتم انتخاب رئيس جديد في مدة أقصاها 30 يوماً. وبالتالي فإن رئيس البرلمان محمد مرسل شيخ عبدالرحمن يُفترض أن يتولى زمام الأمور، لكن البعض يذهب باتجاه طرح خيار تمديد فترة الرئاسة والحكومة.
تركزت الخلافات بين فرماجو ومدوبي حول مقاعد إقليم جدو
وكان رئيس البرلمان أكد، خلال جلسة للبرلمان السبت الماضي، عدم وجود تمديد لفترة الحكومة الفيدرالية والرئاسة الصومالية، مستنداً إلى أنه بموجب الدستور الصومالي في المادة 91، فإن مدة الرئيس محددة بأربع سنوات من ولايته، وأن البرلمان سيتولى مهمة إدارة البلاد، لتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية. وأوضح أن البرلمان أقرّ، إجراء الانتخابات بداية العام 2021، عبر نموذج انتخابي غير مباشر، إذ تختار العشائر مندوبين ينتقون بدورهم أعضاء غرفتي البرلمان (الشيوخ والشعب)، الذين يعينون رئيساً للبلاد. لكن إذا فشلت المفاوضات بين الأطراف الصومالية للاتفاق على الانتخابات، فإن الحلّ لإيجاد مخرج للأزمة الراهنة سيكون بيد البرلمان.
وتصاعدت الأزمة السياسية إثر فشل المشاورات الأخيرة التي عقدت بين القوى السياسية في مدينة طوسمريب وسط البلاد، أخيراً، في التوصل إلى اتفاقيات لتنظيم انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد. وتركزت الخلافات بين فرماجو ورئيس إقليم جوبالاند أحمد إسلام مدوبي، حول المقاعد البرلمانية في إقليم جدو (جنوب الصومال) والمحددة بـ 16 مقعداً. وتعود 10 مقاعد بينها إلى قبيلة المريحان التي يتحدر منها الرئيس الصومالي. ويسعى مقربون من فرماجو للدخول إلى البرلمان من هذا الإقليم، بينما يريد رئيس جوبالاند تعيين شخصيات من القبيلة نفسها لكنها متحالفة معه، وهذا ما يرفضه الرئيس الصومالي.
وتقطن عائلة فرماجو في الإقليم، الذي تسيطر على أجزاء منه قوات تابعة لولاية جوبالاند، بينما تسيطر قوات صومالية أخرى على مناطق شاسعة من الإقليم. ورفض كل من فرماجو ومدوبي جهود الوساطة واقتراحات رؤساء الولايات الفيدرالية الآخرين لحل الأزمة. كما أنهما تبادلا التهم حول الجهة التي أفشلت المؤتمر، الأمر الذي يعيق جهود تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية في البلاد. وكان فرماجو قال، أمام أعضاء البرلمان الصومالي السبت الماضي، إن دولاً أجنبية تغذي الصراع السياسي بين الشركاء السياسيين، مشيراً إلى أنه لا رغبة لديه في تسمية تلك الدول والجهات التي تتدخل في بلادنا للتأثير في الانتخابات.
وأدت هذه التطورات إلى إدخال البلاد في حالة من الجدل حول إمكانية تمديد فترة الرئاسة والحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى مخاوف من اندلاع خلافات سياسية بين الرئاسة من جهة والبرلمان من جهة ثانية، على مع الرغم من تأكيد رئيس البرلمان عدم زج البرلمان في الأزمة السياسية الراهنة بين الرئيس من جهة وبين رؤساء ولايات فيدرالية من جهة ثانية.
الشيخ: البلاد تعيش حالة غموض مفتوحة على كل الأصعدة
وقال الباحث في مركز الصومال للدراسات محمد عبدي الشيخ، لـ"العربي الجديد"، إن هناك أسئلة عديدة تُطرح لمرحلة ما بعد انتهاء فترة الرئيس، فإلى أين تتجه البلاد، وهل بإمكان الحكومة الفيدرالية تنظيم انتخابات نيابية ورئاسية أم أن الأمر سيكون بيد الولايات الفيدرالية؟ وأشار إلى أن البلاد تعيش حالة غموض مفتوحة على كل الأصعدة. وبرأي الشيخ فإن انتهاء فترة الرئيس الصومالي محمد فرماجو، اليوم الإثنين، من دون أن تتضح ملامح المرحلة السياسية المقبلة، وعدم وجود اتفاق حول تنظيم الانتخابات، ستدخل الصومال في نفق سياسي وأمني مظلم للغاية. ورداً على سؤال حول إمكانية حدوث تدخل دولي لممارسة ضغط على الأطراف الصومالية لتبني موقف سياسي ينهي الخلافات فيما بينهم، قال الشيخ إن المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، سيتدخل عاجلاً أم آجلاً من أجل تفكيك عقدة الخلافات السياسية الراهنة التي تحيط بالانتخابات. وأشار إلى أن المجتمع الدولي سيواصل ضغطه على الشركاء السياسيين حتى تتم عملية تنظيم الانتخابات في البلاد.
وفي هذا الصدد، قال الباحث وأستاذ العلاقات الدولية حسن شيخ، لـ"العربي الجديد"، إن "المشكلة السياسية الراهنة بين القيادات الصومالية لها أبعاد متعددة. هناك البعد الدستوري، لأن الدستور لا يفصل الصلاحيات، وفيه تناقضات كثيرة ولا يوضح بعض المضامين الجدلية (وخاصة الصلاحيات بين المجالس التشريعية والتنفيذية، إلى جانب غموض في شرح بنود تتعلق بصلاحيات الولايات الفيدرالية، وخاصة المالية والخارجية منها). كما أن هناك بعداً آخر يتمثل في غياب القيادات الصومالية التي تتمتع بالكفاءة السياسية في احتواء الأزمات. وهناك أيضاً البعد الأمني، الذي يُعقد ملف تأمين مقار ومناطق تنظيم الانتخابات في البلاد".
وأشار حسن شيخ إلى القضايا الاجتماعية والصراع العشائري بين مكونات المجتمع، إذ لم تجرِ مصالحة حقيقية لإنهاء الخلافات بين العشائر الصومالية، وهذه جميعها ملفات بإمكانها أن تفشل عملية تنظيم الانتخابات، وذلك في ظل عدم توفر حكومة تتصرف بواقعية في مواجهة التحديات بحكمة، ما أفرز الوضع السياسي المعقد حالياً". وأضاف أنه "بعد انتهاء فترة الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو سيكون الأمر بيد رئيس البرلمان الذي سيكون رئيساً بالوكالة في البلاد لمدة شهرين، لتشكيل لجان انتخابية جديدة وتنظيم الانتخابات الرئاسية كمرحلة انتقالية لانتشال البلاد من وضعية الفراغ الرئاسي والدستوري". وفي ظل تأزم الأوضاع السياسية في البلاد، يبدي الشارع الصومالي تخوفه من إمكانية حدوث فراغ سياسي وأمني في البلاد. وقال محمد سعيد، في حديث مع "العربي الجديد": "كان عمري 6 سنوات بعد سقوط الدولة المركزية في العام 1991، ومرت ثلاثون عاماً، عشنا خلالها خيبات أمل وحروبا كثيرة، ولا نريد اليوم العودة إلى زمن الحرب والخلافات السياسية". وناشد القيادات الصومالية تغليب مصلحة البلاد والشعب على المصلحة الخاصة، وعدم دفع البلاد إلى أتون الفشل والنزاعات السياسية. أما نور علي فرأى أن "مستقبل البلاد يتجه نحو الأفضل، وأن الخلافات السياسية الراهنة مجرد سحابة صيف، وستزول هذه الغيمة السياسية قريباً، وستجرى الانتخابات في غضون أربعة شهر".