تفتح في السابعة من صباح اليوم الثلاثاء مراكز الاقتراع الإسرائيلية، أمام أكثر من 6 ملايين ناخب إسرائيلي للمرة الخامسة منذ إبريل/نيسان 2019، وسط تنافس شديد ومتلازم بين معسكرين رئيسيين، الأول هو معسكر رئيس الحكومة الأسبق، زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو، والثاني هو المعسكر المناهض له بقيادة رئيس حكومة تصريف الأعمال، يئير لبيد.
ومع أن اتجاه نتنياهو إلى حل حكومته والكنيست أواخر عام 2018، كان للهروب من محاكمته ومن تحقيقات الشرطة، إلا أن هذه الانتخابات تجرى هذه المرة وسط ارتفاع في نجومية زعيم التيار الفاشي الديني إيتمار بن غفير، الذي لا يخفي مخططاته في تقويض النظام القضائي، تحت شعار إلغاء محاكمة نتنياهو، لكنه يرمي فعلياً إلى تغيير في مجمل المنظومة القانونية والقضائية في دولة الاحتلال، لجهة تعزيز مكانة القوانين والتشريعات الدينية.
ولعل المفارقة تكمن في أن نتنياهو الذي يدين له بن غفير بدخول الكنيست العام الماضي، وفي تشكيل تحالفه الحالي، وجد نفسه مضطراً في اليومين الأخيرين، إلى التعهد بإدخال بن غفير في تشكيلته الحكومية المقبلة، ومنحه حقيبة وزارية، وذلك في محاولة لوقف انجراف أصوات اليمين التقليدي المصوّت له لصالح حزب بن غفير.
ومِثْلَ نتنياهو، لم يكن أيضاً بمقدور منافسي بن غفير في الأحزاب الحريدية، انتقاد أو الاعتراض على تصريحاته الفاشية، تجاه الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، أو الفلسطينيين داخل إسرائيل، وضد هوامش اليسار الليبرالي المتبقية في إسرائيل، بل سارعوا إلى المزايدة عليه. وهذا ما فعله أمس زعيم حركة شاس، ارييه درعي، في محاولة يائسة من الأخير أيضاً لوقف الجرف الحاصل باتجاه بن غفير، على الرغم من كونه من التيار الصهيوني الديني، غير المقبول عموماً، من تيار اليهودية الحريدية، التي لا تعترف في بعض تصريحات أقطابها بـ"عمق يهودية التيار الديني الصهيوني".
معارضة من حسابات انتخابية
لكن محاصرة بن غفير الجارية في معسكر اليمين المؤيد لنتنياهو، تنطلق أساساً من مخاوف وحسابات حزبية، وليس من منطلقات معارضة لطرحه الانتخابي الفاشي المعلن. وفي الطرف الآخر من الساحة الحزبية الإسرائيلية، فإن المعارضة التي يعلنها قادة ما يسمى بـ"معسكر التغيير" الذي يقوده يئير لبيد، وسط منافسة شديدة من شريكه في الحكومة بني غانتس، لا تأتي من دوافع ديمقراطية ليبرالية حقيقية، وإنما فقط من باب الاعتراض على بعض جوانب طروحاته المتعلقة بالحياة المدنية للسكان اليهود.
وبرز ذلك بشكل خاص في اعتماد رئيس المعسكر، يئير لبيد، أمس في اعتراضه على بن غفير، ليس لكونه يحمل فكراً عنصرياً وفاشياً، وإنما لأن "التصويت لبن غفير يعني التصويت ضد جنود جيش الاحتلال". أما في حزب غانتس و"المعسكر العمومي"، فإنهم ينطلقون من قاعدة تثبيت الاحتلال في الأراضي المحتلة ومعارضة حل الدولتين، وفق تصريحات غانتس، الأحد، وعدم إثارة الغضب الدولي ضد دولة إسرائيل، مع الإبقاء على كل ما يضمن الفوقية اليهودية في دولة الاحتلال، تجاه المواطنين العرب الفلسطينيين في أراضي 48 وإعلاء قيم يهودية الدولة وصهيونيتها. هذا الأمر يرفع لواءه بشكل خاص وزير العدل غدعون ساعر، الذي تربى أصلاً في حركة "هتحيا" الأكثر تطرفاً حتى في عهد مناحيم بيغن، ثم أصبح وزيراً في "الليكود".
لا يرى لبيد وحزبه، أو غانتس، وأيضاً ليبرمان، أي شائبة في بقاء الاحتلال أو مستوطناته
عملياً لا يرى لبيد وحزبه، أو الجنرال غانتس، وأيضاً أفيغدور ليبرمان، أي شائبة في بقاء الاحتلال أو مستوطناته، إذ يُجمع المعسكران، معسكر نتنياهو والمعسكر المناهض له، باستثناء حزب ميرتس اليساري والأحزاب العربية، على وجوب مواصلة الاستيطان، وخصوصاً في الأغوار، وعلى الإبقاء على القدس موحدة. لكنهما خلافاً لبن غفير ومعسكر نتنياهو، يغلّفان هذه البرامج الاستيطانية بذرائع أمنية واستراتيجية.
وفي ظل هذه الثوابت الاحتلالية، فإن الفوارق بين الطرفين لا تتجاوز مسألة حدود هذه "العنصرية الفاشية"، وهو السقف الممكن احتماله، بما يمكّن استمرار تصوير إسرائيل كدولة قانون ليبرالية وديمقراطية ومدنية، وغير خاضعة للتأثير الديني التوراتي المسيحاني، الذي يشهره بن غفير، ويدعو لتطبيقه علناً، وصولاً إلى دولة الشريعة اليهودية الكاملة.
إلا نتنياهو
هذه هي حقيقة المشهد الإسرائيلي في الجولة الخامسة من الانتخابات، وإن كانت تجري تحت عنوان التخلص من نتنياهو ومحاولة كسر "التعادل" بين مؤيدي نتنياهو ومعارضيه، خصوصاً أن قادة المعسكر المعارض، بدءاً بلبيد ومروراً بغانتس وأخيراً ليبرمان، لا يسقطون من حساباتهم ولا يعارضون حل الأزمة السياسية الداخلية من خلال حكومة وحدة وطنية مع "الليكود"، بشرط ألا يكون نتنياهو جزءاً من هذه الحكومة.
واستطاع نتنياهو، الذي فتح الباب أمام تيار بن غفير، خلال الدورات الانتخابية الأربع الماضية، الاستفادة من حالة أو شعار "إلا نتنياهو" لتعزيز قيادته للمعسكر اليميني المتحالف مع أحزاب الحريديم ومع الصهيونية الدينية الاستيطانية، وجر إسرائيل إلى انتخابات المرة تلو الأخرى، حتى انتخابات مارس/آذار من العام الماضي.
ففي انتخابات مارس 2021، انتقل نفتالي بينت بحزبه الديني الاستيطاني "يمينا"، إلى المعسكر المناهض، متحالفاً حتى مع القائمة الإسلامية الموحدة بقيادة منصور عباس، وضارباً بعرض الحائط وعده الانتخابي بعدم الجلوس في حكومة واحدة مع يئير لبيد، وذلك لإبعاد نتنياهو عن الحكم وإزاحته حتى من منصب رئيس الحكومة الانتقالية، الذي ظل نتنياهو فيه حتى تشكيل الحكومة السابقة برئاسة نفتالي بينت.
في معسكر نتنياهو زادت شعبية بن غفير، إلى درجة بدأت تهدد قوة "الليكود" شبه الثابتة
لكن سقوط حكومة بينت، قبل أربعة أشهر، أعاد إسرائيل إلى دوامة الانتخابات، وسط تغييرات بارزة في مشهدها الحزبي والسياسي، حسب ما تبرزه الاستطلاعات. ففي معسكر نتنياهو زادت شعبية بن غفير، إلى درجة بدأت تهدد قوة "الليكود" شبه الثابتة، وقوة وتمثيل أحزاب الحريديم. في المقابل، فإن الانتخابات تشهد تفسخ معسكر لبيد-غانتس، وتحوّله فعلياً إلى تنافس بين الاثنين على قيادة المعسكر، وسط إبراز غانتس لموقفه المعارض لدولة فلسطينية، مقابل تصريحات لبيد في الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول الماضي، بتأييد حل الدولتين، من جهة، وادعاء غانتس أن لبيد لا يمكنه تشكيل ائتلاف حكومي يتمتع بأغلبية 61 صوتاً، من جهة ثانية.
حرب على نسبة التصويت
زادت هذه الأجواء، وحالة التعادل بين المعسكرين، في ظل نسبة تصويت منخفضة للفلسطينيين في الداخل في الانتخابات الأخيرة في مارس 2021، إذ لم تتجاوز الـ47 في المائة من أصحاب حق الاقتراع، من أهمية الصوت العربي، ونسبة التصويت لدى فلسطينيي الداخل، وتأثير رفع عدد المصوّتين العرب، على قوة المعسكر المناهض لنتنياهو. فالأحزاب العربية ستكون بطبيعة الحال خارج حسابات معسكر نتنياهو، وبالتالي فإن حصولها على نفس قوتها الحالية (10 مقاعد) أو زيادة عددها بمقعدين إضافيين، على الأقل، سيكون ضمانة لسد الطريق أمام حصول نتنياهو ومعسكره على 61 نائباً في الكنيست.
لكن هذا الأمر ازداد تعقيداً بعد قيام تحالف بين الجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي الإسرائيلي، بتفكيك القائمة المشتركة وإبعاد حزب التجمع الوطني الديمقراطي من القائمة في ليلة إغلاق تقديم القوائم، على أمل أن يبقى الحزب خارج السباق الانتخابي لصعوبة اجتياز نسبة الحسم المحددة وهي 3.25 في المائة، والتي تعادل نحو 150 ألف صوت.
قرر التجمع خوض الانتخابات، مما رفع خلال أسابيع نسبة التصويت المتوقعة عند العرب في إسرائيل إلى نحو 49 في المائة
لكن التجمع قرر خوض الانتخابات، مما رفع خلال أسابيع نسبة التصويت المتوقعة عند العرب في إسرائيل إلى نحو 49 في المائة، مع اقتراب الحزب من اجتياز نسبة الحسم، مقابل قول تحالف الجبهة والحركة العربية للتغيير على مر الأسابيع إنه سيحرق الأصوات، إلى أن تبدلت دعاية هذا التحالف في اليومين الماضيين لجهة بث نداءات الاستغاثة للتصويت لتحالفهما، بما في ذلك التوجّه للمجتمع الإسرائيلي لدعم هذا التحالف كخطوة استراتيجية، بما يتماشى مع إعلان التحالف أن بقاءه في الكنيست يعزز قوة المعسكر المناهض لنتنياهو ويضمن عدم عودة نتنياهو للحكم.
هذا الوضع زاد حدة التنافس الداخلي بين الأحزاب العربية الثلاثة، التجمع الوطني بقيادة سامي أبو شحادة، وتحالف حزبي الجبهة والعربية للتغيير بقيادة أيمن عودة، والقائمة الإسلامية الموحدة بقيادة منصور عباس. لكن هذا التنافس لم يُترجم حتى الآن إلى رفع حاد لنسبة التصويت عند العرب في الداخل لما فوق الـ60 في المائة.
ولعل المفارقة أن مصير المعسكر المناهض لنتنياهو، الذي حارب ولا يزال يحارب قائمة التجمع الوطني الديمقراطي، بات مرهوناً باجتياز التجمع الوطني نسبة الحسم، ما سيعني بالضرورة منع نتنياهو من الوصول إلى 61 مقعداً، وفشل حزب أيليت شاكيد في اجتياز نسبة الحسم. وأعلن زعيم التجمع سامي أبو شحادة أنه لن يخوض، خلافاً للقائمتين العربيتين بقيادة عباس وعودة، في لعبة التوصية على لبيد أو نتنياهو. وفي هذه الحالة فإن لبيد سيكتفي بالبقاء رئيساً لحكومة انتقالية حتى الانتخابات السادسة، في حال لم ينجح نتنياهو بتشكيل ائتلاف حكومي.