تحدد إلى حد كبير شكل السباق الرئاسي في الانتخابات الأميركية المقررة في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، رغم أن الانتخابات التمهيدية بدأت في 12 يناير/كانون الثاني في ولاية آيوا لدى الديمقراطيين، وفي 15 يناير في الولاية نفسها لدى الجمهوريين.
يظهر الرئيس السابق دونالد ترامب في مقدمة السباق بالنسبة للجمهوريين، خصوصاً بعد انسحاب عدد من المرشحين وإعلان تأييدهم ترامب، وتنافسه من بعيد نيكي هايلي حاكمة كارولينا الجنوبية السابقة، أما بالنسبة للديمقراطيين فيظل الرئيس جو بايدن هو المرشح الأبرز في ظل اقتناع الحزب أنه وحده القادر على هزيمة ترامب.
ومن المقرر أن يعلن الحزب الديمقراطي عن مرشحه للرئاسة في مؤتمره الذي سيعقد بين 19 أغسطس/آب المقبل و22 منه في شيكاغو ـ إيلينوي، فيما يعلن الحزب الجمهوري اسم مرشحه في مؤتمره المقرر بين 15 يوليو/تموز المقبل و18 منه في ميلووكي ـ ويسكونسن.
تغييرات مؤثرة في الانتخابات الأميركية
وتشهد الانتخابات الأميركية تغييرات في عدد مقاعد الولايات مقارنة برئاسيات 2020، بسبب التعداد السكاني الوطني للولايات المتحدة، الذي منح مكاسب سياسية للجمهوريين، وذلك بفعل زيادة المقاعد في الولايات المحسوبة عليهم. ويتم إجراء التعداد السكاني كل 10 سنوات، وآخرها في عام 2020. وبموجبه يتم تحديد عدد أصوات كل ولاية في مجلس النواب، وبالتالي في المجمع الانتخابي الرئاسي.
وينص الدستور الأميركي على أن مقاعد مجلس النواب المحددة بـ435 مقعداً يجب أن توزع بين الولايات كل 10 سنوات وفقاً لعدد السكان في كل ولاية. وأدى التعداد الأخير إلى حصول ولايات تنتخب جمهوريين على 5 مقاعد، وهي مقعدان إضافيان لتكساس ليرتفع عدد مقاعدها في مجلس النواب إلى 38 مقعداً، ومقعد لكل من فلوريدا وكارولينا الشمالية ومونتانا، في مقابل مقعدين لولايتي أوريغون وكولورادو التي تنتخب ديمقراطيين.
وخسرت ولايات كانت تصنف ديمقراطية مقعداً لكل منها، وهي كاليفورنيا ونيويورك وإيلينوي، أما فيرجينيا الغربية التي تنتخب جمهوريين في الغالب فخسرت مقعداً، في حين خسرت الولايات المتأرجحة، وهي ميشيغان وأوهايو وبنسلفانيا مقعداً واحداً لكل منها.
باول شيراخ: فاز بايدن فعلياً برئاسيات 2020 بفارق نحو 44 ألف صوت حصدها في الولايات المتأرجحة
ويصوت الناخبون في الانتخابات الأميركية التي تتم في نوفمبر المقبل للمرشحين للرئاسة في الولايات، ويعني فوز أي مرشح في أي ولاية أن هناك عدداً من المندوبين سيمثلونه في المجمع الانتخابي. والمجمع الانتخابي مكون من 538 مندوباً، هم 435 نائباً و100 شيخ في الكونغرس، بالإضافة إلى 3 مندوبين عن العاصمة واشنطن، غير ممثلين في الكونغرس. ومن ينل أصوات 270 مندوباً في الرئاسيات يفز بالانتخابات. والثابت هنا أن كل ولاية من الولايات الـ50 ممثلة بعضوين في مجلس الشيوخ، بينما يتفاوت عدد النواب في كل ولاية بفعل التعداد السكاني.
وتُعدّ كاليفورنيا أكبر الولايات تعداداً للسكان، وبالتالي تمثيلاً في المجمع الانتخابي بـ54 صوتاً في الانتخابات المقبلة، متراجعة عن 55 صوتاً في انتخابات 2020. وانخفض تمثيل نيويورك إلى 28 مقعداً مقابل 29 في الانتخابات الماضية، بينما ارتفع عدد الأصوات في تكساس إلى 40 صوتاً في مقابل 38 صوتاً في الانتخابات الماضية، وفلوريدا إلى 30 صوتاً في مقابل 29 في الانتخابات الماضية.
ولم يؤثر التعداد السكاني فقط على المجمع الانتخابي، بل أيضاً على "تقسيم الدوائر" الذي يطلق عليه اسم "جيريماندرينغ" (Gerrymandering)، وهي آلية دستورية قانونية فريدة في الولايات المتحدة، تتيح للحزب المسيطر على المجالس التشريعية ومنصب الحاكم، التحكم في رسم خطوط الدوائر لصالحه بشكل لا يسمح لخصومه السياسيين بحصد مقاعد كان من المفترض فوزهم بها.
ووفق هذه الآلية، سيطر الجمهوريون على 187 من أصل 435 دائرة في الكونغرس بنسبة 43 في المائة، في مقابل 75 دائرة للديمقراطيين بنسبة 17 في المائة، أما نحو 173 مقاطعة فهي لا تخضع لسيطرة أي من الحزبين، بل اللجان المستقلة أو بفعل السيطرة الحزبية المشتركة عليها.
وفي مثال على تأثير "تقسيم الدوائر" في الانتخابات، فاز مرشحو الحزب الجمهوري بـ43.6 في المائة من إجمالي الأصوات بولاية ويسكونسن، في الانتخابات النصفية عام 2018، في مقابل 53 في المائة للديمقراطيين، ورغم ذلك حصلوا على 5 مقاعد نيابية من أصل 8. كما فاز المرشحون الجمهوريون، في الانتخابات نفسها، بـ50 في المائة من أصوات الناخبين في ولاية كارولينا الشمالية، لكنهم حصلوا على 10 مقاعد نيابية من أصل 13.
من جانبه، قال باول شيراخ رئيس "غلوبال بوليسي إنستيتيوت"، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة باي أتلانتيك في العاصمة، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "خريطة الانتخابات الأميركية المقبلة، رغم أنها تبدو أصعب نسبياً بالنسبة للديمقراطيين بسبب تقسيم الدوائر والتعداد السكاني، إلا أن الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس النواب حالياً لم يقدموا أي شيء، وبالتالي هذه النقطة قد تؤثر عليهم بشكل كبير في الانتخابات المقبلة، في ظل حالة الانقسام بينهم".
وأضاف أن "السباق الانتخابي الرئاسي الآن بدا واضحاً ومحدداً بشكل كبير، بين الرئيس السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن"، مؤكداً أن احتمالية فوز نيكي هايلي بالترشيح النهائي للحزب الجمهوري تكاد تقترب من الصفر.
دور الولايات المتأرجحة
وقال شيراخ إن "ترامب سيكون مرشح الجمهوريين، والتعداد السكاني رغم إضافة عدد من الدوائر لصالح الجمهوريين إلا أن تأثير ذلك سيكون محدوداً، والتأثير الأكبر سيكون في الولايات المتأرجحة"، لافتاً إلى أنه "في حال خروج الجمهوريين بدرجة كبيرة للتصويت لمرشحيهم في مجلس النواب، فهذا يعني التأثير على بايدن سلباً بشكل كبير".
واستفاض بالقول إن "بايدن رغم أنه فاز بالانتخابات الماضية بفارق نحو 7 ملايين في الانتخابات العامة، إلا أنه فعلياً فاز بفارق نحو 44 ألف صوت فقط في الولايات المتأرجحة التي أدت لفوزه بالانتخابات الرئاسية".
ويطلق على الولايات التي لا تضم أغلبية سياسية جمهورية أو ديمقراطية صفة "المتأرجحة"، لكونها تصوّت للجمهوريين أحياناً وللديمقراطيين أحياناً أخرى، وعلى رأسها ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا ونيفادا وويسكونسن وأوهايو.
منح التعداد السكاني وتقسيم الدوائر أفضلية للجمهوريين
ورداً على استطلاعات الرأي التي تشير إلى تقدم ترامب، اعتبر شيراخ أن "الوقت ما زال مبكراً بالنسبة لاستطلاعات الرأي، لأن الملايين، تحديداً المستقلين، لا يفكرون في الانتخابات الأميركية حالياً، ولم يحددوا اختياراتهم بعد".
وبما يخص الاختيار الأفضل بالنسبة للجمهوريين لمواجهة جو بايدن، أوضح شيراخ أن "شعبية ترامب كبيرة جداً داخل الحزب الجمهوري، لكن على المستوى العام فهو ليس بنفس الشعبية بين الناخبين، لأن كثيرين يعتبرونه خطراً على الديمقراطية".
وأضاف أنه "في حال ترشح نيكي هايلي ضد جو بايدن فهي قادرة على الفوز بسهولة"، معتبراً أن "استطلاعات رأي تشير إلى تقدمها بـ10 نقاط حال ترشحها اليوم ضد بايدن، رغم أن فرص فوزها بالترشيح النهائي داخل الحزب الجمهوري تكاد تكون مستحيلة".
وحول احتمال اختيار بديل لبايدن، شدّد شيراخ على أن "الوقت متأخر جداً بالنسبة للديمقراطيين لاختيار مرشح آخر، لأن بعض الولايات أغلقت باب الترشح للأحزاب"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من الانتقادات الموجهة لبايدن بسبب كبر سنه وسياساته، إلا أن استمرار الاقتصاد في حالة جيدة واستمرار تراجع التضخم وزيادة أعداد الوظائف واعتبار كثير من المستقلين أن ترامب يمثل خطراً على الأمن القومي والبلد، ربما يساهم في إعادة انتخاب بايدن رغم حالة عدم الرضا عنه في استطلاعات الرأي".
وتطرق شيراخ إلى محاكمات ترامب واحتمالات تأثيرها على المستقلين، معتبراً أنه "لا نعرف كيف ستؤثر هذه المحاكمات على موقف المستقلين، خصوصاً إذا صدر حكم بإدانة الرئيس السابق في بعض القضايا، تحديداً قضية اقتحام الكونغرس، لكن الجمهوريين سيصوتون لترامب في نهاية الأمر مهما حدث".