امتعاض واسع في لبنان من رسالة لودريان: ورقة امتحان

17 اغسطس 2023
علامات استفهام بخصوص المبادرة الفرنسية (حسين بيضون)
+ الخط -

أثارت الرسالة الفرنسية التي تسلّمها 38 نائباً في البرلمان اللبناني وتطلب منهم الإجابة خطياً قبل نهاية الشهر الجاري عن سؤالين حول مواصفات رئيس الجمهورية وأولويات عهده الجديد، امتعاضاً سياسياً واسعاً باعتبار أنها "تشكل سابقة من نوعها، تتعارض مع مبدأ السيادة الوطنية، وأبسط القواعد الدبلوماسية".

وشبّه النواب اللبنانيون الرسالة الفرنسية بـ"ورقة الامتحان" التي تتجاوز الأصول الدبلوماسية، ولو أنها تندرج في إطار التمهيد لطاولة العمل التي يزمع الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، عقدها في سبتمبر/ أيلول المقبل.

ويضع ذلك علامات استفهام حول مصير مهمة لودريان الثالثة في بيروت، التي باتت تترنّح خصوصاً بعد بيان شديد اللهجة من القوى المعارضة، يعلنون فيه عدم جدوى أي صيغة تحاور مع "حزب الله" وحلفائه، وأنه آن الأوان للحسم ولم يعد هناك أي مجال لإضاعة الوقت.

وبعث لودريان في 15 أغسطس/ آب الجاري رسالة إلى رؤساء الكتل النيابية ومجموعة من النواب يطلب فيها بشكل رسمي "الإجابة الخطية والموجزة قدر المستطاع"، عن سؤالَيْن، الأول: "ما هي بالنسبة إلى فريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة"، والثاني: "ما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلّي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟".

وجاء في رسالة لودريان: "نظراً للضرورة الملحّة للخروج من الطريق المسدود الحالي على الصعيد السياسي، الذي يُعرّض مستقبل البلد لمخاطر جمّة، اقترحت على ممثلي كافة القوى السياسية التي تشغل مقاعد نيابية، أن أدعوهم في شهر سبتمبر إلى لقاء يرمي إلى بلورة بشأن التحديات التي يجب على رئيس الجمهورية المستقبلي مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالتالي المواصفات الضرورية من أجل تحقيق ذلك".

وأضافت: "اللقاء هذا يتمحور حصراً حول هذه المسائل، ويهدف إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك وضمن ظروف مؤاتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً".

وطلب لودريان من النواب "إرسال الأجوبة إلى سفارة فرنسا في لبنان قبل الحادي والثلاثين من شهر أغسطس (آب)"، مشيراً إلى أنه "سوف يسبق تنظيم الاجتماع إجراء مشاورات ثنائية"، معرباً عن رغبته بالاجتماع بهم في هذا الإطار.

وقال مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، لـ"العربي الجديد"، إن "لودريان لم يلغ زيارته إلى لبنان، ولكن لا تحديد بعد لتاريخها"، مشيراً إلى أن "الهدف من الرسالة توضيح المواقف بشكل مكتوب، وثابت، ما يسهل عملية التواصل بين الأفرقاء اللبنانيين، ويوضح أكثر خريطة الطريق".

واعتبر أن "الجهود الدولية مستمرة لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته، لكن على الأفرقاء اللبنانيين تلقف هذه المساعي، والعمل من أجل التوافق، وبالتالي، لن تنجح أي مبادرة إذا لم يكن هناك إرادة لبنانية جدية للحلّ".

وأصدر 31 نائباً من قوى المعارضة لـ"حزب الله" بياناً أمس الأربعاء أعلنوا فيه الترحيب بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها لودريان، وتقدير أي مسعى يأتي من أصدقاء لبنان.

لكن البيان استدرك بالقول "أصبح جلياً، عدم جدوى أي صيغة تحاور مع حزب الله وحلفائه"، محذرين من "فرض رئيس للجمهورية يشكل امتداداً لسلطة حزب الله، محتفظين بحقنا وواجبنا في مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه الدولة".

واعتبر النواب المعارضون أن "شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية.. أما محاولة تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة، فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولاً، رافضين منطق ربط النزاع".

من جهته، قال "تكتل لبنان القوي" برئاسة النائب جبران باسيل، الذي يخوض حواراً "رئاسياً" مع "حزب الله"، قد يخرجه من تقاطعه مع قوى المعارضة، في بيان له، إنه "تم بحث الرسالة الفرنسية وكيفية الرد عليها، بما يؤكد إيجابية التيار للوصول إلى حلول توافقية حول رئاسة الجمهورية بشروط موضوعية محددة تتعلق ببرنامج الحوار وزمنه المحدود وارتباطه بجلسات انتخابات متتالية، من دون هدر الوقت واستعماله لتغيّر الظروف ومحاولة فرض رئيس من فريق على فريق آخر".

في السياق، قال النائب في كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري)، محمد خواجة، لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة وجهت إلى رؤساء الكتل، ومجموعة من النواب، وأعتقد أنه سيتم الجواب عليها، بغض النظر عن الاعتراض على شكلها، خصوصاً أن هذه الوساطة هي الوحيدة الناشطة حالياً"، معتبراً وفق رأيه الشخصي، أن "طريقة الرسالة مدرسية، تخلو من التقدير والاحترام".

ويرى خواجة أنه بغض النظر عمّا إذا كانت مهمة لودريان ستنجح أم لا، فإن موقفه المبدئي يتمثل بحوار لبناني لبناني، مشيراً إلى أن "بري سبق أن دعا للحوار بعد أول جلسة انتخاب، ولكن لاقت رفض بعض القوى السياسية، منذ بداية الطريق، وهم يتحمّلون مسؤولية ما يحصل". وأضاف "من الطبيعي عندما لا نتمكن من حلّ مشاكلنا أن نلاقي نظرة دونية من الآخر".

وحول حوار "حزب الله" وباسيل، اكتفى خواجة بالقول: "هناك بحسب معلوماتي تقدّم وجدية في النقاش، لكن لا نعلم إلى أين ممكن أن تصل النتائج".

"تضرب" الأعراف الدبلوماسية

من جانبه، قال النائب في "كتلة الجمهورية القوية" (يرأسها سمير جعجع)، رازي الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة الفرنسية تضرب في شكلها الأعراف الدبلوماسية، وأصول التعامل بين دولتين مستقلتين ذاتي سيادة".

وأبدى استغرابه "حتى في المضمون، طلب أجوبة عن سؤالين سبق أن حصل لودريان على مواقف بشأنهما خصوصاً في زيارته الثانية إلى بيروت، وأصبح على بيّنة من رأي الكتل السياسية ومنها تكتلنا بمواصفات الرئيس وبرنامجه المطلوب، كما وموقف تكتلنا من أن هناك جهة تخطف الدستور وتمنع تطبيق المواد المتعلقة بآلية انتخاب الرئيس، وتريد أن تفرض رئيساً على اللبنانيين".

وتابع الحاج "لا نريد من فرنسا أن توقف مسعاها، بل أن تضع أصبعها على الجرح، وتعلن صراحة في حال فشل مسعاها من يتحمّل أسباب ذلك ويعيق انتخاب رئيس ويقوّض الدولة"، مضيفاً "لودريان اجتمع مع الجميع ويعرف جيداً أين المشكلة، ويعلم الأجوبة سلفاً".

وأردف "الفراغ الرئاسي اقترب من عامه الأول، والحوار عقيم مع حزب الله، والنقاش لم يكن أبداً مقطوعاً بين الأفرقاء في لبنان، ولا الأفكار والمشاورات، ولكنها كلها تصطدم بإصرار فريق الممانعة والناطق باسمه حزب الله بترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية".

تبعاً لذلك، اعتبر الحاج، أن على لودريان في زيارته الثالثة أن يقنع "حزب الله" بالتخلي عن مرشحه، والبحث عن مرشح آخر، "يلتزم إنقاذ لبنان ويؤسس لحوار يقوم به الرئيس المنتخب المؤتمن على تطبيق الدستور، فهو الوحيد الذي يرعى النقاش بين اللبنانيين حول الملفات الأساسية، وفي حال أصرّ الحزب على موقفه، على الموفد الرئاسي الفرنسي أن يعلن ذلك".

هواجس الجميع

من جهته، قال النائب عن "اللقاء الديمقراطي" (يرأسه تيمور وليد جنبلاط)، بلال عبد الله، لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة الفرنسية وصلت إلى رئيس التكتل، وهو يقرّر ما إذا كان سيجيب عنها أم لا، لكن الأكيد أنها تشكل نوعاً من السقطة بالمعنى السياسي والدبلوماسي".

ويرى عبدالله أنه "إذا لم يكن هناك أرضية داخلية للحوار والتسوية لن تنجح مساعي لودريان، بل سنكون أمام ترحيل للمشاكل، والوضع سيزداد سوءاً"، معتبراً أن الأمر الوحيد الحاصل اليوم هو الحوار بين باسيل و"حزب الله".

وتابع "ولكن حتى هذا الحوار ولو أعطى نتائج ليس بيده تأمين النصاب لانتخاب رئيس، ما يؤكد من جديد أن المطلوب تسوية وطنية تأخذ هواجس الجميع بعين الاعتبار وتطمئن اللبنانيين بالحد الأدنى لإنتاج خطة إنقاذية تقوم بها الحكومة الجديدة".

أما النائب في قوى التغيير، مارك ضو، فقال لـ"العربي الجديد"، إن "الرسالة بالشكل ليس فيها مقاربة صحيحة، ولا في الأسئلة، خصوصاً أن الكتل البرلمانية والنواب الذين التقاهم لودريان، أبلغوه بمواقفهم".

ورأى أنه كان "من الأجدى بالنسبة للموفد الرئاسي الفرنسي إجراء اتصالات ومشاورات إضافية إذا أراد ذلك تمهيداً لزيارته، لا إرسال هذه الرسالة، وموقفنا عبّرنا عنه بالتفصيل في بيان المعارضة أمس، برفض الحوار مع حزب الله والمعطّلين، والتمسك بحصر السلاح بيد الدولة، وأولوية الإنقاذ الاقتصادي والإصلاحات والدفاع عن الحريات، وغير ذلك".

واعتبر ضو أن "حظوظ نجاح الزيارة تراجعت كثيراً، نتيجة تداعيات ما حصل، ولكننا بكل الأحوال، نشدد على ضرورة إيجاد حل للأزمة الرئاسية فهناك ملفات عالقة تحتاج البت في مجلس النواب، الذي بدورنا نرفض انعقاده في ظل الفراغ الرئاسي".

المساهمون