امتحان للحكومة الجزائرية أمام البرلمان.. عرض الحصيلة السنوية للتهرّب من الاستجوابات؟

02 أكتوبر 2023
توقعات بنقاشات حادة في البرلمان الجزائري حول إخفاقات الحكومة (الأناضول)
+ الخط -

يمثل رئيس الحكومة الجزائرية أيمن بن عبد الرحمن، قريباً، أمام البرلمان، لعرض الحصيلة السنوية لحكومته، في ظل شكوك سياسية وقلق اجتماعي من ضعف النتائج والمخرجات والعجز عن تحقيق الأهداف المرسومة، بعد حزمة استجوابات نيابية وجهت في الأسبوعين الماضيين إلى رئيس الحكومة حول ندرة الأدوية والمواد التموينية وغلاء الأسعار، وقضية اللجنة الوزارية المكلفة بالتسوية الودية مع رجال الأعمال والشركات.

ووافق مجلس الوزراء الجزائري برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، مساء أمس الأحد، على عرض بيان السياسة العامة للحكومة (الحصيلة السنوية) على البرلمان، في وقت قريب، وفقا لالتزامات دستورية تفرض على رئيس الحكومة تقديم حصيلة حكومته كل سنة، ومناقشتها من قبل النواب في جلسة عامة.

وقال الرئيس عبد المجيد تبون خلال اجتماع أمس أن الدولة "ستواصل إعادة التأهيل العام والنهوض من آثار المرحلة السابقة التي كانت نتائجها كارثية وتبعاتها جد خطيرة على البلاد".

وجاءت هذه الموافقة باستعجال عرض حصيلة الحكومة أمام البرلمان، مدفوعة بتزايد الاستجوابات النيابية الموجهة إلى رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن، ويمكن أن تفهم في سياق سياسي، إضافة الى كونها خطوة دستورية، في محاولة لتجنب هذه الاستجوابات ومنع كتل بعينها في البرلمان، محسوبة على المعارضة، مثل حركة مجتمع السلم، من استخدام آلية الرقابة، في الوقت الذي تتمسك فيه الكتل النيابية التي وجهت ثلاثة استجوابات متتالية الى رئيس الحكومة بحقها في استخدام آلية الاستجواب المباشر كآلية رقابة دستورية تلزم الحكومة بالرد عليها.

وقال مندوب الاستجواب النيابي الثاني حول أزمة الأدوية، النائب عبد الوهاب يعقوبي لـ" العربي الجديد"، إن "الأصل أن الأمران منفصلان، الاستجواب النيابى آلية رقابية يقوم بها البرلمان بشان قضية محددة، وفي أي وقت يرى فيها ضرورة لذلك، بينما تقديم بيان السياسة العامة، التزام دستوري يخص الحكومة بالأساس في علاقتها مع المؤسسة النيابية، وبالتالي تقديم عرض الحصيلة يفترض ألا يحدث على حساب الاستجوابات".     
ويواجه رئيس الحكومة الجزائرية في الفترة الأخيرة ضغوطا كبيرة من قبل البرلمان، بعد توقيع أكثر من 120 نائباً لثلاثة استجوابات نيابية، لطلب مثوله أمام البرلمان في ثلاث قضايا حيوية تخص قلقاً سياسياً واجتماعياً بشأن الأوضاع السائدة في البلاد، اذ كانت كبرى الكتل النيابية المعارضة في البرلمان (تضم 68 نائباً) قدمت استجواباً للحكومة حول تردي الأوضاع المعيشية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والتموينية، واضطرابات السوق والندرة الطارئة لبعض المواد في المحلات، وصفته "بالوضع المؤسف الذي  آلت إليه القدرة الشرائية للجزائريين من ذوي الدخل الضعيف والمتوسط".

وقدم  50 نائباً في البرلمان يمثلون مختلف الكتل النيابية، استجواباً ثانياً لرئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن، حول ندرة الأدوية، خاصة بالنسبة لمرضى السكري، وأمراض القلب والسرطان، وساءلوه عن "الإجراءات الاستعجالية التي تنوي الحكومة اتخاذها لتوفير الأدوية الضرورية لحماية أرواح الجزائريين، أمام  هذه الوضعية الخطيرة".

كما وجهت كتلة تفوق 30 نائباً، استجواباً ثالثاً إلى رئيس الحكومة، تطلب مثوله وتقديم توضيحات بشأن قضية اللجنة الوزارية التي تولت مساءلة رجال الأعمال والشركات الموردة عن  قضايا تضخيم الفواتير قبل عام 2019، وعن السند القانوني لهذه اللجنة وعملها، وخلفيات تشكيلها ثم إلغائها قبل أسبوعين، دون إطلاع الرأي العام على تفاصيل القضية التي وصفتها بـ"الحادثة المؤسفة وغير المجدية"، مع مخاوف من تأثيراتها على استقرار وسمعة الاقتصاد الجزائري. 

وبغض النظر عن الضغوط التي تمثلها هذه الاستجوابات المتتالية، فان رئيس الحكومة أيمن بن عبد الرحمن سيكون عند عرض حصيلة حكومته في البرلمان، أمام امتحان عصيب هذه المرة، خاصة بسبب تزامن مثوله مع قلق سياسي جراء ما وصفته قوى سياسية، بما فيها الموالية للرئيس تبون، كحزب صوت الشعب، غموض الأفق السياسي للبلاد، واستياء اجتماعي بسبب اضطراب في تموين السوق بالمواد الأساسية وندرة الأدوية والارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع والمواد، إضافة الى تعطيل تطبيق قرارات توريد السيارات، وضعف استقطاب الاستثمارات الأجنبية، إضافة إلى المشكلات المرتبطة بالحريات السياسية والمدنية وتقلص هامش الحريات الإعلامية.

ولا يعرف ما إذا كانت الحكومة ستلتزم دستوريا بالرد على الاستجوابات الثلاثة، أم تكتفي بما سيعرضه رئيس الحكومة في حصيلة الحكومة التي يتوقع أن يقدم معها توضيحات شاملة عن كل المشكلات القائمة. لكن نائب رئيس البرلمان المكلف بالتشريع عبد الوهاب ديرة، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يمكن أن يحل بيان السياسة العامة محل الاستجواب النيابي، ولا علاقة للاستجواب مع بيان السياسة العامة، فالاستجواب أداة من ادوات الرقابة للنائب، أما بيان السياسة العامة فهو تقرير تقدمه الحكومة للنواب عن نشاطها السنوي ومدى تنفيذ ما جاء في برنامجها من وعود وتوصيات، كما أن الاستجواب هو ذو موضوع محدد في قضية من قضايا الساعة، والرابط بينهما هو أنه يمكن للنواب التقدم بملتمس الرقابة (تصويت على الثقة)، في كليهما ".

ويشير ديرة إلى أن المشكلة لا ترتبط بالحكومة في الوقت الحالي، لأن "مكتب البرلمان الذي تسيطر عليه كتل الموالاة يرفض إحالة الاستجوابات الثلاثة إلى الحكومة أصلاً، ويعتبر أن الظرف الوطني غير ملائم، وهو ما يعني حماية البرلمان للحكومة من الاستجوابات"، مرجحاً الاكتفاء بعرض حصيلة الحكومة دون غيرها من الآليات الرقابية. 

وبانتظار تحديد البرلمان لموعد قريب لجلسة عرض ومناقشة حصيلة الحكومة، التي تبث أيضاً على المباشر في التلفزيون، فإنها تمثل فرصة للحكومة للدفاع عن نفسها إزاء الانتقادات المعلنة لأدائها هي وعدد من قطاعاتها، وتقديم تطمينات للرأي العام بشأن الأزمات الأخيرة.

وعلى الرغم من أن البرلمان تسيطر عليه كتل الموالاة، ما يسمح للبيان العام الحكومة بالحصول على تصويت إيجابي بالثقة، فإن التوقعات تشير الى أن النقاشات ستكون حادة، وأكثر تركيزاً من قبل النواب على عدد من نقاط الإخفاق التي خلفتها السياسات الحكومية، خاصة بإضافة عامل الخبرة السياسية التي اكتسبها النواب خلال العام الثاني من الممارسة النيابية.

المساهمون