اليونان وتركيا... مناوشات جديدة في أجواء بحر إيجة

27 اغسطس 2022
مقاتلة "إف 16" تابعة لسلاح الجو اليوناني (نيكولاس إيكونومو/Getty)
+ الخط -

عاد الجاران تركيا واليونان إلى حدود المواجهة العسكرية في بحر إيجة حيث توجد جزر متنازع عليها بين البلدين، مع إعلان تركيا عن تحرش مقاتلات "إف 16" يونانية أخيراً بمقاتلات "إف 16" تركية تقوم بمهام لحلف الشمال الأطلسي في شرق المتوسط، من دون أن يصدر أي تصريح رسمي عن اليونان بشأن الاتهامات التركية. ويطرح ذلك تساؤلات عن أسباب ومآلات الخطوات التصعيدية بين الطرفين.

حادثتا تحرش من طائرات يوناينة بأخرى تركية

ونقلت وسائل إعلام تركية عن وزارة الدفاع، أول من أمس الخميس، قولها إن طائرات يونانية تحرشت بمقاتلتين تركيتين من طراز "إف 16"، أثناء مشاركتهما بمهمة لحلف شمال الأطلسي في بحر إيجة، إذ فتحت الطائرات اليونانية راداراتها وتعقبت المقاتلتين التركيتين باعتبارهما أهدافاً معادية.

وقبلها بيومين، تحدثت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية عن تعرّض طائرات تركية للتحرش من قبل مقاتلات يونانية أثناء أدائها مهمة لحلف شمال الأطلسي فوق أجواء شرقي البحر المتوسط. ونقلت الوكالة عن وزارة الدفاع التركية قولها إن المقاتلات اليونانية لاحقت المقاتلات التركية، واضعةً إياها عمداً تحت مراقبة راداراتها، وذلك لإعاقتها عن أداء مهام لحلف الأطلسي.

ويعكس الكشف عن هاتين الحادثتين حالة الاحتقان بين البلدين، إذ تتهم تركيا اليونان بتسليح الجزر المتنازع عليها والتي يفترض أن تكون منزوعة السلاح، وأن تكون حركتها في بحر إيجة وشرقي المتوسط مقيّدة بمساحات قليلة، فضلاً عن استبعادها من تقاسم ثروات المتوسط.

في المقابل، تشتكي اليونان لأوروبا وأميركا من أن تركيا تخرق مجالها الجوي بشكل مستمر وتصعّد عسكرياً، وهي تطالب بعدم بيع تركيا معدات وأسلحة. كما تتهم أثينا أنقرة بغضّ النظر عن المهاجرين غير النظاميين والسماح لهم بالعبور براً وبحراً إلى اليونان ومنها إلى أوروبا. وأدت هذه الخلافات إلى إلغاء تركيا قبل أشهر عقد اجتماعات المجلس الاستراتيجي الأعلى بين البلدين.

جاءت الحادثتان بعد إرسال تركيا سفينة تنقيب إلى شرق المتوسط

وفي ظل غياب الرد الرسمي اليوناني على الاتهامات التركية بشأن الحادثتين الأخيرتين، قدم وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، أمس الجمعة، تفاصيل الواقعتين والرد اليوناني.

وقال إنه "في الثاني من يوليو/تموز الماضي، طلبت الولايات المتحدة من تركيا المشاركة في حماية قوات الناتو ضمن مناورات تجرى في المنطقة، عبر مشاركة 4 مقاتلات إف 16، ومروحية وطائرة تزويد بالوقود، وتم ذلك وفق أصول العمل ضمن الناتو، وإبلاغ دول الحلف عبر مركز عمليات الأخير في إسبانيا".

وأوضح أن "عملية التحرش جرت في 22 أغسطس/آب الحالي، إذ غيّرت اليونان في آخر لحظة مسار المقاتلات المحدد سابقاً، راغبة بأن تمرّ فوق الجزر ببحر إيجة التي يجب ألا تكون مسلحة، من أجل دخول الناتو هذه المنطقة، في خرق لاتفاقية لوزان (معاهدة دولية تم توقيعها في 24 يوليو 1923، وجرى بموجبها ترسيم الحدود الفاصلة للأراضي التركية عن اليونان)، فجرى تغيير المسار وحصلت حادثة التحرش".

وأضاف "عند سؤالنا عن الأمر، تلقينا إجابة بأن المقاتلات التركية لم يُبلّغ بطلعاتها، فجرى تقييمها بأنها طائرات مجهولة الهوية. وفي ذلك التاريخ، كانت لنا مهام مرافقة الطائرات الأميركية، وفي الأيام المقبلة للطائرات اليونانية نفس المهام، فمن المستحيل ألا تعرف اليونان بالمهام الموكلة للمقاتلات التركية".

وأوضح أن "الحادثة الثانية وقعت في 24 أغسطس الحالي، عندما كانت هناك مهام للمقاتلات التركية ضمن تدريبات نيكسوس إس للناتو، وهنا أيضاً من غير الممكن ألا يُعرف بأن المقاتلات التركية لديها مهام ضمن الناتو، إذ تُنشر المهام قبل أشهر، وهناك ضبوط مكتوبة".

ولفت أكار إلى أنه "عند حصول الحادثة الأولى في 22 أغسطس، التقى وزير الخارجية مولود جاووش أوغلو مع سفيري أميركا جيفري فليك واليونان هريستودولوس لازاريس لدى أنقرة".

ومن الملفت أن هذه التطورات تأتي بعد أيام قليلة من إعلان تركيا إرسال سفينة التنقيب "عبد الحميد خان"، وهي واحدة من أكبر خمس سفن تنقيب في العالم، إلى شرقي المتوسط للبدء بأعمال البحث السيزمي (التي تجرى في مجال الاستكشافات البترولية والغازية)، وهو ما جعل اليونان تستنفر قلقاً من انتقال السفينة إلى مواقع خلافية مع تركيا. ولكن أنقرة وجهت السفينة إلى مناطق غير خلافية، إلا أن الجانب اليوناني أبقى قواته مستعدة لجميع الاحتمالات، وفق ما نقل الإعلام التركي عن الإعلام اليوناني.

وتتمحور الخلافات الأساسية بين البلدين حول 18 جزيرة في بحر إيجة أعطيت لليونان بشرط عدم تسليحها وفق اتفاقيتي لوزان 1923 وباريس عام 1946.

استبعاد رد تركيا على الحادثتين في إيجة

ومن الواضح أن هناك مساعي لاحتواء الوضع بين الدولتين الحليفتين ضمن "الناتو". وبحسب خبراء أتراك، لن تسعى تركيا لأي رد مباشر على الحادثتين، لأن ذلك سيجعل أثينا على حق في مطلبها من أميركا بعدم إتمام صفقة بيع مقاتلات "إف 16" الأميركية الجديدة إلى تركيا.

وفي السياق، قال الكاتب والباحث في مركز سيتا للدراسات في تركيا عمر أوزكزلجك، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اليونان تعتمد منذ مدة سياسة هجومية حادة في بحر إيجة، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لها مزاعم بشأن مجالها الجوي مختلفة عن مزاعمها بشأن مجالها البحري".

وأوضح أن "اليونان لديها في بحر إيجة 6 أميال، ولكنها تدعي أن لديها فوق هذا البحر 10 أميال مجالا جويا، ولهذا فإنها تزعم بشكل دائم أن تركيا تتجاوز المجال الجوي اليوناني".

عمر أوزكزلجك: "أثينا تسعى لفرض أمر واقع في بحر إيجة"

واعتبر أوزكزلجك أنه "يمكن إرجاع سبب التصعيد من قبل المقاتلات اليونانية إلى الدعم الذي تتلقاه أثينا من الكونغرس الأميركي، واستخدام الدعم بالعمل على تخريب العمل المشترك للناتو، الذي يحتاج للتضامن أكثر أمام روسيا".

وأضاف المتحدث نفسه: "يدرك المسؤولون اليونانيون أن مطالبهم في شرق المتوسط غير محقة، ويعتمدون في تصرفاتهم على الدعم غير المشروط الذي يتلقونه من الاتحاد الأوروبي وأميركا، في مسعى لجعل تركيا تتخلى عن مطالبها من خلال أعمال الاستفزاز ضدها، ما قد يستدعي رداً من أنقرة، وهو ما سيؤدي بالتأكيد لتعاطف من أميركا وأوروبا مع اليونان".

وتابع: "لكن تركيا تمتلك الخبرة وتدرك كيف يمكن أن ترد على اليونان في الوقت المناسب، وهي لن ترد على هذه الاستفزازات التي لن تكون الأخيرة، ولا أعتقد أن التحرش اليوناني سيقود إلى مواجهة عسكرية، ولكن أثينا تسعى لفرض أمر واقع في بحر إيجة".

من ناحيته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "اليونان تحاول الاستفادة من الأجواء التي سادت في مرحلة ما بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، والحشد الأميركي العسكري في أراضيها، حيث توجد قوات عسكرية أميركية بمعداتها وعدتها وعتادها، وهو ما جعل اليونان تشعر بثقة بنفسها في مواجهة تركيا".

وأضاف أن "أي رد فعل تركي على التحرش اليوناني، سيظهر أثينا محقة أمام الغرب، وهو ما سيمنع إتمام صفقة مقاتلات إف 16 الجديدة من أميركا". وأشار إلى أنه في الوقت نفسه، فإن الحكومة التركية "ستحاول الاستفادة من هذه الحوادث في إطار الخطاب الشعبوي الداخلي، وتقديم شكوى للحلفاء في الناتو بأن هذه الممارسات قد تلحق ضرراً بالحلف، خصوصاً أن التحرش جاء خلال أداء مهام لحلف الناتو".

واستبعد جيرين أن "تلجأ تركيا للرد عسكرياً أو أن تحصل اشتباكات بين الطرفين، لأن لا مصلحة للبلدين بذلك، والحكومة التركية منشغلة باستحقاق الانتخابات، وتصفير المشاكل، وتستعد لعملية عسكرية في سورية".

المساهمون