المعالجات الإجبارية لإصلاح أي نظام فاسد وهش، لن تنقله في غمضة عين إلى مرتبة النزاهة، بقدر ما تكون أقرب لعملية ذر الرماد في عيون الشعوب المسحوقة، ومفاقمة معاناتها. والحال هذا ينطبق على الحكومة اليمنية "الشرعية".
قبل أسابيع من الدخول في العام التاسع للحرب، توصّل التحالف العربي الذي تقوده السعودية إلى اكتشاف خلاصته أن "الشرعية"، التي تعاني من موت سريري طويل الأمد، مصابة بتشوهات عديدة، وقرر إجراء عمليات إنعاش اقتصادي وعسكري وسياسي، على الرغم من أنه في حالات كهذه ميؤوس منها تصبح إبرة الرحمة مشروعة.
والمعالجات، أياً كانت، عندما تأتي بعد فوات الأوان، تصبح النتائج معدومة أو عكسية، خصوصاً أنها تتم في بلد مستباح من الغوغائيين واللصوص وأمراء الحرب، فيما لا أثر حقيقيا لمؤسسات دولة.
مثلاً، في المجال الاقتصادي، دفعت السعودية باتجاه ضرورة إطاحة القيادة السابقة للبنك المركزي بهدف كبح التدهور المريع للعملة، وتغيير مدير شركة النفط للحد من الفساد المحيط بمنحة وقود محطات الكهرباء وكذلك احتكار عملية توزيع المشتقات، لكن ما حصل لم يكن متوقعاً.
استمر ارتفاع الأسعار كما كان قبل التحسن النسبي للعملة. أما الدواء، فكانت أسعاره تحسب وفق ما يعادل 2000 ريال أمام الدولار الواحد، والمشتقات النفطية انعدمت، وارتفع سعر الصفيحة الواحدة 20 لتراً في مدينة تعز من 25 ألف ريال (عندما كان الدولار يوازي 1700 ريال) إلى 34 ألف ريال بعد أن أصبح الدولار يعادل 1100 ريال.
هكذا هو اليمن، عقارب الحياة تدور في الاتجاه المعاكس. وبعد مرور نحو 3 أشهر على تغيير قيادات البنك المركزي، تبدو الإصلاحات الاقتصادية كمن قام بزراعة عين بعد عملية معقدة، لكن المريض لن يرى بها.
في الجانب الآخر المتعلق بالإصلاحات العسكرية، وبعد أن كانت الثمار الجيدة قد بدأت تُقطف بدحر الحوثيين من مديريات غرب شبوة الثلاث وكذلك مديرية حريب في مأرب، عادت الخيبات لتلاحق القوات الحكومية في جبهات حجة التي اشتعلت بشكل عكسي. وبدلاً من استعادة مدينة حرض بالكامل، يخشى البعض أن تخسر "الشرعية" ميناء ميدي الذي سيطرت عليه في 2015.
وما زالت الإصلاحات السياسية تُطبخ على نار هادئة في انتظار اجتماع مرتقب للأحزاب والقوى السياسية في الرياض، خلال الأيام المقبلة. لكن الخوف هو أن يتحوّل "الواقع الجديد" الذي قال وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك إن "الشرعية" تسعى إلى فرضه من خلال توحيد القوى السياسية للدفع نحو تسوية، هو الآخر إلى واقعة على رأس المواطن اليمني المغلوب على أمره.
ما يجري مجرد مغالطات مفضوحة وبيع للوهم. الإصلاحات الجادة ينبغي أن تبدأ بإعادة هيكلة مؤسسات الدولة. يجب تشكيل سلطة حقيقية تعيد للمواطن الثقة بمؤسسات الدولة النزيهة، لكن هذا لن يتحقق ما دام سرطان الفساد قد انتشر في رأس نظام الحكم.