اليمن: قرارات رئاسية غير معلنة وتغييب للجريدة الرسمية

13 ابريل 2024
العليمي في مؤتمر صحافي بسفارة اليمن في الرياض، يناير الماضي (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تعيين شايع الزنداني وزيراً للخارجية في اليمن بقرار رئاسي، مع الكشف عن إصدار 100 قرار منذ بداية العام والإعلان عن 7 فقط، مما يثير تساؤلات حول الشفافية والإجراءات القانونية.
- غياب دور رئاسة مجلس الوزراء وانفراد الرئاسة بإصدار القرارات، ما يعكس استحواذ مجلس القيادة الرئاسي على القرار السياسي وتهميش دور الوزراء.
- مخاوف من تأليب الرأي العام بسبب عدم الإعلان عن قرارات رئاسية تتعلق بتعيينات دبلوماسية وقضايا أخرى، مع التأكيد على أهمية نشر القرارات لضمان الشفافية والقانونية.

يفاجأ المتصفح لوكالة الأنباء اليمنية سبأ بنسختها الشرعية، بأن القرار الرئاسي المنشور فيها بتاريخ 27 مارس/آذار 2024، والذي يقضي بتعيين شايع الزنداني وزيراً للخارجية وشؤون المغتربين، يحمل الرقم 100 للعام 2024، ما يعني أن 100 قرار رئاسي على الأقل قد صدر منذ بداية العام الحالي. لكن عدد القرارات المنشورة في "سبأ" يقتصر على سبعة فقط، ما يعني وجود 93 قراراً رئاسياً غير معلن منذ بداية العام الحالي، علماً أن أي قرار أو تشريع، لا يصبح نافذاً إلا من تاريخ النشر في الجريدة الرسمية في اليمن.

وصدر 335 قراراً منذ تشكيل المجلس الرئاسي في إبريل/نيسان 2022، 44 قراراً منها بين إبريل 2022 حتى نهاية العام نفسه. كما صدر 191 قراراً في العام 2023، و100 قرار منذ بداية يناير/ كانون الثاني 2024 حتى الآن. ويُلاحظ أنه من بين 335 قرارا صادرا حتى الآن، تم الإعلان عن 56 منها فقط، ما يعني أن 16.7 في المائة فقط هي نسبة القرارات المعلنة، ما يدعو للتساؤل عن سبب انتهاج الرئاسة اليمنية لهذه السياسة غير المعلنة، ومدى شرعية ذلك.

غياب دور رئاسة مجلس الوزراء في اليمن

كما يتبيّن أن جميع القرارات صدرت تحت مسمى "قرار رئاسي"، فيما اختفى مسمى "قرار جمهوري"، ما يحمل دلالة على انفراد الرئاسة بإصدارها. فالقرار الرئاسي يصدر عن رئيس الجمهورية وتحت توقيعه، وهو في هذه الحالة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي. أما القرار الجمهوري فيضم بالإضافة إلى توقيع رئيس الجمهورية، توقيع رئيس مجلس الوزراء (عُيّن وزير الخارجية السابق أحمد عوض بن مبارك، في فبراير/ شباط الماضي، رئيساً للحكومة المعترف بها دولياً، خلفاً لمعين عبد الملك)، وغالباً ما يكون القرار الجمهوري من اقتراح رئيس مجلس الوزراء.

ويلاحظ أن القرارات الصادرة أخيراً هي رئاسية، ما يعني غياب دور لرئيس مجلس الوزراء فيها، وتوقيعه عليها، وهو ما يُعدّ مؤشراً على استحواذ مجلس القيادة الرئاسي على القرار السياسي، في ظل تهميش رئاسة الوزراء. ويشهد مجلس القيادة الرئاسي تنازعاً للصلاحيات بين أعضائه في ظل عدم تفعيل اللائحة المنظمة لعمله، والتي صدرت بالتزامن مع تشكيله في إبريل 2022، وهو ما تسبب بممارسات فردية من بعض الأعضاء خارج التوافق، وبشكل غير قانوني.

فقد تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي وثيقة صادرة من مكتب عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد عبد الرحمن أبو زرعة المحرمي، بتاريخ الثاني من إبريل الحالي، تحمل القرار رقم واحد لعام 2024، والذي يقضي بتشكيل لجنة من رجال الأعمال لمعالجة العراقيل والمعوقات التي تواجه القطاع الخاص. وقد تكون القرارات الجمهورية أو الرئاسية عبارة عن إقرار تشريع أو تعديله أو إيقافه، أو قد تتضمن تعيينات وغيره. ولا بد لأي قرار أو تشريع أن يمر بالمراحل القانونية للإصدار، ومنها التصديق والإعلان عن طريق النشر في الجريدة الرسمية، فيما لا يعتبر نافذاً إلا من تاريخ النشر.

والجريدة الرسمية هي صحيفة يتم من خلالها نشر وإعلان التشريعات والقرارات التي تصدر عن الدولة وفقاً للإجراءات المبيّنة في لائحة مجلس النواب. وتنص المادة الأولى من قانون الجريدة الرسمية في اليمن على أن "تتولى وزارة الشؤون القانونية إصدار الجريدة الرسمية للجمهورية اليمنية"، فيما تنص المادة الثانية منه على أن "النشر في الجريدة الرسمية إجراء رسمي يفترض به علم الأشخاص بالمادة المنشورة فيها، ولا يعتد بالجهل بمضمون ما ينشر في الجريدة الرسمية". كذلك تنص المادة الخامسة من قانون الجريدة الرسمية على أنه "على الجهات المعنية موافاة وزارة الشؤون القانونية بصورة طبق الأصل من المادة المطلوب نشرها، وأية ملاحق أو مرفقات متصلة بها في المواعيد التي تحددها الوزارة، وتنشر المادة والملاحق أو المرفقات في نفس عدد الجريدة الرسمية أو ملحق خاص يصدر معه".

تجنّب غضب الرأي العام اليمني

ويقول مصدر في الرئاسة اليمنية، اشترط عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن معظم القرارات الرئاسية "لا يتم الإعلان عنها، وإنما يتم إرسال صور منها للجهات المعنية مع مذكرات رسمية من الرئاسة". ويرجع عدم الإعلان لعوامل عدة أبرزها "الخوف من تأليب الرأي العام على هذه القرارات، والتي تأتي معظمها في إطار التقاسم، وبعضها مخالف لشروط التعيين". وبحسب المصدر نفسه فإن "عدداً من القرارات الرئاسية غير المعلنة، والتي صدرت أخيراً، كانت متعلقة بتعيينات في السلك الدبلوماسي، وجاءت على الرغم من حالة الغضب الشعبي من الفساد في السلك الدبلوماسي والتضخم المهول بعدد الموظفين في سفارات اليمن في الخارج، والذي يكلف الدولة رواتب مهولة يتم صرفها بالعملة الصعبة".

مصدر: تباينات بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي حول عدد من القضايا 

ويشير المصدر إلى "وجود تباينات في المواقف بين أعضاء مجلس القيادة الرئاسي حول عدد من القضايا، تؤدي في الغالب إلى تغيّب بعض الأعضاء عن اجتماعات المجلس، أو التصرف بشكل فردي في بعض المواقف"، مضيفاً أن ذلك "هو ما لاحظناه بصدور قرارات فردية من بعض أعضاء المجلس، وهي غير قانونية".

من جهته يقول المحامي والخبير القانوني اليمني، مختار الوافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "بحسب القانون تنشر القوانين في الجريدة الرسمية في اليمن وتذاع خلال أسبوعين من تاريخ إصدارها، ويعمل بها بعد 30 يوماً من تاريخ نشرها". ويضيف أنه يجوز مدّ أو تقليص مدة العمل بالقوانين "بنص خاص في القانون، فيما لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب أثر ذلك على ما وقع قبل إصدارها، بمعنى أي قرار أو قانون لا ينشر في الجريدة الرسمية خلال الموعد المحدد يكون غير دستوري". ويعتبر الوافي أن "القرارات غير المعلنة هي غير دستورية"، لافتاً إلى أن "عدم الإعلان أو النشر مخالفة، ولا نعلم سبب تجاوز ذلك".

النشر في الجريدة الرسمية في اليمن ضمانة لحكم القانون

بدوره يوضح أستاذ القانون في جامعة صنعاء، عبد الرشيد عبد الحافظ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "من الواجب نشر القرارات الرئاسية والجمهورية في الجريدة الرسمية، فالدولة الحديثة دولة قانونية، وينبغي على كل سلطاتها أن تخضع في ممارساتها وعملها لحكم القانون"، معتبراً أن "ضمان ذلك هو علنية هذه الممارسات، ومن ضمنها إصدارها للقرارات".

عبد الحافظ: عدم نشر القرارات يلقي بشكوك حول قانونيتها

ويشير إلى أن "القرارات الرئاسية أو الجمهورية، والتي تتضمن قواعد عامة مجردة، تفترض علم الكافة أو المخاطبين بها بصدورها، والسبيل اليقيني لذلك هو نشرها في الجريدة الرسمية". ويضيف أن "القرارات الجمهورية الأخرى، والتي لا تتضمن قواعد عامة، كقرارات التعيين في الوظائف مثلاً، ينبغي نشرها حتى يتسنى معرفة مدى قانونيتها وإمكانية الطعن فيها من قبل ذوي المصلحة في ذلك". ويرى عبد الحافظ أن عدم نشر القرارات "يلقي بظلال من الشك حول قانونيتها، وينبغي أن ينص القانون على جزاءات لعدم النشر، أقلها عدم نفاذها".

المساهمون