اليمن: الجبهة المناوئة للحوثيين تجمّد خلافاتها تحت مظلة سعودية

16 ابريل 2022
ولي العهد السعودي خلال استقباله أعضاء مجلس القيادة وبينهم الزبيدي (رويترز)
+ الخط -

لم يكن إصلاح مؤسسة الرئاسة اليمنية، التي ظلت عرضة للانتقادات طيلة السنوات الماضية، هو الهدف الوحيد من عملية نقل السلطة في اليمن، إذ برزت مسألة إعادة تشكيل المشهد السياسي الخامل كأولوية أيضاً لدى مهندسي مجلس القيادة الرئاسي.

ومنذ السابع من إبريل/ نيسان الحالي، لم يطرأ أي تغيير جذري في عملية نقل السلطة، إذ لا يزال المجلس الرئاسي يراوح مكانه في العاصمة السعودية الرياض، من دون التئام كامل، في انتظار أداء اليمين الدستورية أمام رئيس البرلمان داخل الأراضي اليمنية، وتحديداً في مدينة عدن جنوبي البلاد.

وباستثناء خطاب يتيم ظهر فيه يحدد أولويات المرحلة، غاب رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي عن أي ظهور إعلامي رسمي، فيما مارس باقي أعضاء المجلس نشاطهم العلني، وذلك باستقبال المهنئين من مختلف المكونات والشرائح.

لكن الأيام الماضية شهدت نشاطاً لم يتوقف لنواب رئيس المجلس الرئاسي، تحديداً منذ السبت الماضي، لتُسجل لقاءات نادرة وغير مسبوقة بين المكونات المتباينة. وبدا أن السعودية تستغل جمود نشاط المجلس حتى موعد العودة إلى عدن في تجميد الخلافات البينية بين المكوّنات المناهضة للانقلاب الحوثي، والتسويق لعمليات اختراق عميقة بين خصوم الأمس، وتحديداً بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، وباقي المكونات التي كانت على قطيعة معه، سواء تلك الجنوبية أو الشمالية.

من بين نواب رئيس المجلس الرئاسي السبعة، كانت الأضواء مسلّطة بشكل كبير خلال الأيام الماضية على رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، والعميد طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، فيما ظهر النائب عبد الله العليمي في لقاء يتيم مع الإعلاميين، وغاب النائبان فرج البحسني وعثمان مجلي عن أي نشاط.

ترويض المشروع الانفصالي في اليمن

بعد يومين من تبوئه منصب نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ظهر الزعيم الانفصالي عيدروس الزبيدي بشكل مغاير، إذ استقبل في مقر إقامته بالرياض، بشكل يومي، وفوداً عديدة من خصوم الأمس، وخصوصاً المحسوبين على تيار "الإخوان المسلمين" الذين كان يجاهر بالعداء لهم أكثر من المليشيات الحوثية.

البداية كانت باستقبال وزير الدفاع محمد المقدشي وعدد من القيادات العسكرية الرفيعة بالجيش اليمني، في تحوّل تلاه عدد من المفاجآت غير المتوقعة، شملت لقاءات مع الشيخ والزعيم القبلي البارز حميد الأحمر وعدد من إخوانه.

استقبل الزبيدي عدداً من قيادات حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وكذلك أحمد عبيد بن دغر بصفته رئيساً لمجلس الشورى

كما التقى الزبيدي وزير الشباب والرياضة في الحكومة اليمنية نايف البكري، الذي ظل ممنوعاً من العودة إلى عدن منذ سيطرة المجلس الانتقالي فعلياً على العاصمة المؤقتة، بتهمة الانتماء لحزب "التجمع اليمني للإصلاح"، على الرغم من أنه كان أحد أبرز رجالات المقاومة ضد الاجتياح الحوثي لمدن جنوب اليمن في العام 2015.

وكانت أبرز التحوّلات الأربعاء الماضي، عندما استقبل الزبيدي عدداً من قيادات حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وكذلك أحمد عبيد بن دغر بصفته رئيساً لمجلس الشورى، في اعتراف متأخر بالقرار الرئاسي الذي أثار موجة توتر عميقة بين شركاء حكومة المحاصصة قبل أكثر من عام.

خلال لقاءاته مع قيادات "الإصلاح"، بدا حديث الزبيدي مغايراً، إذ شدد على "ضرورة نبذ الخلافات والعمل بإخلاص لأجل الوطن والمواطن". وقال إنه من الواجب عليهم كنُخب "السعي لبناء مؤسسات الدولة في عدن والمحافظات المحررة، ولمّ الشمل لمواجهة العدو المشترك المتمثل بالمليشيات الحوثية".

الزبيدي مستقبلا حميد الأحمر
التقى الزبيدي الزعيم القبلي البارز حميد الأحمر (فيسبوك)

ومن بين كافة اللقاءات التي تمت بين قوى شمالية-شمالية أو جنوبية-جنوبية، كانت الأضواء مسلّطة بشكل أكبر على التقارب اللافت بين الزبيدي وقيادات "التجمع اليمني للإصلاح". فقد كانت العلاقة بين الطرفين هي العنوان الأبرز للتوترات داخل الجناح المناهض للحوثيين، إذ وضع الانفصاليون "الإصلاح" في صدارة أهداف معركتهم. ودائماً ما كان المجلس الانتقالي يتهم الحزب الإسلامي بالإرهاب و"أخونة الجيش"، الأمر الذي وصل إلى التنكيل بالحزب وإحراق مقاره في مدينة عدن.

ولا يُعرف ما إذا كان لقاء الرياض الذي جمع الزبيدي بثلاثة من أبرز قادة حزب الإصلاح الشباب، يتقدمهم عبد الرزاق الهجري، سيقود إلى عودة النشاط السياسي للحزب من داخل مدينة عدن أم لا.

مبررات عيدروس الزبيدي للقاء الخصوم

وكان رئيس المجلس الانتقالي قد استبق لقاءاته مع الخصوم السابقين بعقد لقاء مع القيادات الجنوبية التي شاركت في مشاورات الرياض، في خطوة بدا أنها تُمهد لإقناع كافة الأجنحة الانفصالية بالدور الذي يجب عليهم تأديته خلال المرحلة المقبلة. وأبلغ الزبيدي القيادات الجنوبية أنه "لم يكن باحثاً عن سلطة"، وذلك غداة تعيينه نائباً لرئيس المجلس الرئاسي. وأشار إلى أن المجلس الانتقالي "وُجد لانتزاع حق شعب الجنوب وتحقيق تطلعاته في استعادة دولته".

وفي رد ضمني على ما يبدو أنها انتقادات لوجوده ضمن مشروع يمثل اليمن بشكل عام وليس الجنوب فقط، طالب الزبيدي القيادات الجنوبية بـ"النظر لما حققه المجلس الانتقالي حتى اليوم بواقعية ومن دون مزايدة"، وقال إنهم "أصبحوا جزءاً من دائرة صناعة القرار بعد أن كانوا مغيبين تماماً".

لكن مبررات الزبيدي لم تجد تجاوباً مطلقاً لدى قواعد المجلس الانتقالي، التي وجّهت انتقادات صريحة وضمنية في وسائل التواصل الاجتماعي للقاءات التي شهدتها الرياض، رافضة فتح صفحة جديدة مع كيانات أو أشخاص تزعم أنهم شاركوا في اجتياح الجنوب أو شاركوا في نهب ثرواته.

طالب الزبيدي القيادات الجنوبية بالنظر لما حققه المجلس الانتقالي حتى اليوم بواقعية ومن دون مزايدة

ومن المؤكد أن المجلس الانتقالي سيواجه صعوبة في تغيير الواقع الذي دأب على ترسيخه في عدن ومدن الجنوب الخاضعة لسيطرته، وخصوصاً في ما يتعلق بعودة مؤسسات الدولة للعمل تحت لافتة الجمهورية اليمنية، وإنزال الأعلام التشطيرية التي رُفعت منذ بداية الحرب.

ويحاول المجلس الانتقالي التمهيد للواقع الجديد بشكل تدريجي. ومنذ مطلع الأسبوع الحالي، عاد اسم اليمن إلى صدارة فعاليات الزبيدي في الرياض بعد سنوات من الغياب، وخصوصاً في ما يتعلق باستقبال رؤساء البعثات الدبلوماسية لدى اليمن أو سفراء اليمن لدى الخارج.

انشغال يمني بلقاءات الرياض

وفي اليمن، ولا سيما الجنوب، انشغل الناس بصور اللقاءات في الرياض، والتي باتت محور كل نقاشاتهم وأحاديثهم وتحاليلهم. وعن ذلك، قال الطالب الجامعي يعقوب طاهر، لـ"العربي الجديد"، تعليقاً على لقاءات الرياض: "لم نكن نصدق أن يحدث مثل ذلك، فكل من كانوا في نظرنا أعداء نشاهدهم يلتقون ويجتمعون ويتصافحون"، مضيفاً "بقدر ما نشعر بالمفاجأة، أيضاً نشعر بالفرح".

أما غيداء سعيد فقالت لـ"العربي الجديد" إنها لم تكن لتصدق أن يلتقي الزبيدي بحميد الأحمر ووزير الدفاع محمد المقدشي وأيضاً وزير الداخلية إبراهيم حيدان وغيرهم، وهم الذين كانوا يتصارعون قبل أشهر في أبين وشبوة، وفي الوقت نفسه لقاء علي محسن الأحمر بطارق صالح بعد الخلافات التي امتدت منذ أحداث ثورة 2011. وأملت "أن تكون لقاءات حقيقية وتُحل المشاكل والخلافات، والتركيز على محاربة الحوثي".

من جهته، رأى الباحث في علم الاجتماع فهمي عاتق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الرسائل الآتية من الرياض تشير إلى تطورات متسارعة في المشهد، ومحاولة الجميع لملمة الخلافات وتوحيد جهودهم من أجل الاستحقاقات المقبلة، في ظل الحوارات الجارية في العاصمة العمانية مسقط مع الحوثيين ودول الرباعية، معتبراً أن السعودية والإمارات، وخلفهما الولايات المتحدة وبريطانيا، تدفعان لتكون الشرعية اليمنية جاهزة لكل الاحتمالات.

ولفت إلى أن "هناك تفاؤلاً لدى الرأي العام اليمني، وهذا ما يظهر من نقاشات الناس واهتمامهم بالصور الآتية من الرياض، وما تحويه من وجوه ورسائل، وتجعل الكل مستبشراً بها"، مضيفاً "الناس تأمل أن تتحوّل آمالهم إلى واقع على الأرض، لأنهم أكثر من تضرر من الحرب ومن الخلافات في صفوف الشرعية".

رغبة سعودية إماراتية لترميم الخلافات بين الحلفاء اليمنيين

وبدا واضحاً دور السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، في هندسة لقاءات الرياض. ففي الأيام الماضية، ظل يسوّق للصور التي تجمع خصوم الأمس، باعتبارها ثمرة لمشاورات الرياض. وقال آل جابر، الذي احتفى خصوصاً باللقاءات التي عقدها عيدروس الزبيدي، في تغريدة عبر موقع "تويتر"، إن مشاورات الرياض "منحت القيادات المختلفة، فرصة للمراجعة والتقارب لرسم خريطة طريق يمنية تنقل اليمن من الحرب والدمار إلى السلام".

يعتقد الباحث في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، أحمد ناجي، أن التحوّلات الطارئة في العلاقات بين القوى اليمنية "انعكاس واضح لرغبة السعوديين والإماراتيين في تجميد الخلافات البينية بين الفرقاء المنضوين في إطار المعسكر المناوئ للحوثيين".

وأشار ناجي، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن دفء العلاقات يتزامن مع التحوّل الواضح في سياسة التحالف الذي تقوده السعودية نحو الدفع باتجاه التسويات السياسية للملف اليمني، بدلاً من الحلول العسكرية التي ظل التحالف يعتمد عليها في السنوات السبع الماضية. ولفت إلى أن اللقاءات التي تشهدها السعودية بشكل مكثف منذ تشكيل المجلس الرئاسي "تشير إلى القدرة الكبيرة التي تمتلكها الرياض وأبوظبي على هؤلاء الفاعلين في تشكيل أولوياتهم وتحديد الخصوم والشركاء متى ما أرادتا".

وأرجع ناجي سبب التحوّل الحاصل إلى "مأزق الجمود الذي وصلت إليه هذه القوى"، والتي أصبحت لا تملك خيارات أخرى يمكن أن تتجاوز رغبة الداعمين الإقليمين لها، وهو ما جعل هذه المصالحة "الشكلية" تشكّل حالة من الحراك السياسي المقنع لها ولاتباعها، خصوصاً بعد أن أصبح الجميع شركاء في المجلس الرئاسي الجديد.

ناجي: ما نراه اليوم هي حالة من التأجيل الكلي لكثير من الملفات بما فيها الانفصال

ووفقاً لناجي، فقد كانت هناك "حالة احتفاء من قِبل الجميع بهذا التحوّل في مسار العلاقات بين هذه المكونات"، الأمر الذي انعكس بشكل لافت في الوسائل الإعلامية المحسوبة على تلك الأطراف. ولكن ناجي لا يعوّل كثيراً على اللقاءات التي تمت لطيّ صفحة الخلافات بين الأفرقاء بشكل تام، لافتاً إلى أن الملفات موضع الخلاف "تبقى أكبر من أن تحلها صور ودية أو زيارات متبادلة".

وأضاف "ما نراه اليوم هي حالة من التأجيل الكلي لكثير من الملفات بما فيها الانفصال، والحديث يدور فقط عن توحيد الجهود الموجهة ضد الحوثيين، غير أن هذا الشعار لا يبدو كافياً، يحتاج الأمر إلى نقاشات عقلانية تقوم بتحويل هذا الود اللحظي إلى تفاهمات واضحة حول القضايا العالقة بين الأطراف".

عودة حزب الإصلاح للنشاط في عدن؟

على العكس من الرأي السابق، رأى الإعلامي اليمني محمد الضبياني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "التقارب بين القوى الوطنية اليمنية المناهضة لمليشيا الحوثي خطوة مهمة ومطلب سياسي وشعبي ووطني في سبيل استعادة الدولة وتعزيز المعركة الوطنية ضد التمرد والانقلاب الحوثي، ويفتح صفحة جديدة عنوانها التعاون والتسامي عن الخلافات السابقة".

وقال الضبياني، الذي شارك في مشاورات الرياض الأخيرة، إن دعوات وحدة الصف "ظلت مجرد شعار يتغنى به اليمنيون من كافة الأطراف من دون أن تكون هناك إجراءات عملية لتحقيق هذه التطلعات"، لكن الأمر تغيّر بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، والذي جاء عقب مشاورات يمنية-يمنية رعاها مجلس التعاون الخليجي في الرياض.

وأشار إلى أن التشكيلة السياسية "باتت تعزز عملياً وحدة الصف الوطني اليمني"، وتمنح الدولة مساحة للعمل بشكل مكثف من المناطق المحررة وتجاوز التحديات التي حالت دون تطبيع الأوضاع وتوفير الخدمات وتوحيد القرار السياسي.

الضبياني: ضمانة عودة النشاط السياسي لحزب الإصلاح تتمثل بحضور الدولة ومؤسساتها

وأكد ضرورة أن تكون أدوات مجلس القيادة الرئاسي "حاسمة وفاعلة ومواكبة التحديات"، ومترجمة للمشروع الوطني الذي يستوعب الجميع لصياغة حل شامل يحافظ على الدولة ويتصدى لمشاريع الفوضى والملشنة.

وعن إمكان عودة نشاط حزب الإصلاح إلى عدن، قال الضبياني إن "ضمانة عودة النشاط السياسي للحزب تتمثل بحضور الدولة ومؤسساتها". وأشار إلى أن "عودة مؤسسات الدولة، ودمج التشكيلات الأمنية والعسكرية ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، وسيادة القانون وانخراط الجميع في مشروع البناء والتنمية وتحشيد كل الأدوات لاستكمال استعادة الدولة وتحرير صنعاء من سيطرة واحتلال مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، هي مطلب كل يمني وليس حزب الإصلاح فقط".

المساهمون