اليسار التونسي الحائر

14 ديسمبر 2020
يكاد صوت اليسار يختفي تماماً (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو المشهد السياسي التونسي أعرج، بسبب غياب اليسار التونسي بعد سقوطه المخيب في الانتخابات الماضية. وباستثناء بعض البيانات أو المواقف العابرة، يكاد صوت اليسار يختفي تماماً، مخلّفاً نقصاً سياسياً فادحاً في ساحة لا يمكن أن تستغني عن مقولات اليسار، خصوصاً في ظرف اجتماعي وفكري كالذي تعيشه تونس في هذه المرحلة.

نهاية الأسبوع الماضي، أعلن خلال ندوة صحافية، عن "المبادرة الوطنية لتصحيح مسار الثورة"، وتضمّ مجموعة من الأحزاب التقدمية ومستقلّين، كشفت عن تحرك يحمل شعار "لترحل منظومة الحكم".

وأعلنت مكوّنات المبادرة الوطنية عن انفتاحها على كلّ القوى الرافضة للمنظومة القائمة ولمحاولات عودة المنظومة السابقة، والانخراط في الحراك الاجتماعي، انحيازاً "لفئات شعبنا للمطالبة بالحقّ في الكرامة التي أساسها الدّيمقراطية في بعديها السياسي والاجتماعي، حتى إسقاط المنظومة الحالية، التي في استمرارها تعميق لمعاناة شعبنا ونسف للمكاسب الدنيا التي حقّقها في نضالاته من أجل مدنيّة الدولة". وأعلنت المبادرة عن "الانطلاق في عمل مشترك قاعدته إرادة تجاوز أخطاء الماضي، والاستفادة مما تراكم من مكاسب في التجارب السابقة… ومراجعة الخطابات وأساليب العمل والتنظيم، من أجل تحويل الشعارات إلى ممارسة".

وشددت المبادرة على أهمية تشكيل قوة تغيير بديلة، مستقلة، وهي دعوة إلى كافّة القوى التقدّمية من منظّمات وجمعيات وأحزاب ومستقلّين للبحث المشترك في خريطة طريق واضحة تتضمّن بدائل مشتركة لإسقاط منظومة الحكم واستبدالها بأخرى، وطنية، تقدمية، ذات برنامج سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يستجيب لمطالب الشعب ولأهداف الثورة وشعار: "شغل، حرية، كرامة وطنية".

وفي الحقيقة، فإن البيان الطويل، والذي تضمن جرداً للواقع الحالي، فيه الكثير من الصواب، لكنه يتحدث عن إسقاط المنظومة الحالية من دون أن يشير إلى آليات تحقيق ذلك، وإن كان يقصد عبر الانتخابات المقبلة أم شيئاً آخر. ويشدد البيان على الانخراط في الحراك الاجتماعي حتى إسقاط المنظومة، وكأنه يستعيد أحلام الاستثمار في الاحتجاج، بغية تحقيق ما عجز عنه في صندوق الانتخابات، وفي ذلك إخفاق متجدد يعارض مبدأ الديمقراطية نفسها. والأهم بالنسبة لليسار أنه يُجانب الطريق الصواب في تحليل أسباب الهزائم المتكررة التي أدت إلى الإقصاء. ومنذ الانتخابات الأخيرة، لم نسمع إلا مِنْ الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، زياد لخضر، قراءة موضوعية لذلك الفشل ومواجهة شجاعة للإخفاق وأسبابه. لكن بعض اليسار لا يسمع، ولا يريد أن يتغير، وفي النهاية يخسر التونسيون، لأنهم يحتاجون ليسار ينهي حيرته في ساحة تحتاجه بالتأكيد.

المساهمون