يحاول الحرس الثوري الإيراني إيجاد موطئ قدم له في الشمال الشرقي من سورية، الخاضع جلّه لسيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، من خلال استمالة شيوخ عشائر موالين للنظام السوري، وإغرائهم بالمال، لتشكيل مليشيات عشائرية، تخدم أجندة طهران في المنطقة.
شيخ عشائري للإشراف على مليشيا إيرانية بالحسكة
وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن ضباطاً إيرانيين يعملون على تشكيل مليشيا محلية في محافظة الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية، يُشرف عليها شيخ عشائري يدعى علي حواس الخليف، وهو أحد المشايخ الموالين للنظام من عشيرة الراشد، التابعة لقبيلة طي العربية.
وتسيطر قوات "قسد" التي يشكل الأكراد ثقلها الرئيسي، على جلّ محافظة الحسكة، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، وفي بعض القرى، إضافة إلى مطار القامشلي، وبفوجين عسكريين هما: "الفوج 123" (فوج كوكب) قرب الحسكة، و"الفوج 154" (فوج طرطب) قرب مدينة القامشلي.
وتنتشر في محافظة الحسكة التي تضم العدد الأكبر من أكراد سورية، قبائل عربية عدة من أبرزها: الجبور، طي، شمّر، العدوان، والشرابين. وتتفرع عن هذه القبائل وغيرها عشرات العشائر التي يوالي عدد من مشايخها النظام السوري، الذي يسهّل مهمة الحرس الثوري الإيراني عن طريق هؤلاء لتشكيل هذه المليشيا.
تمّ الاتفاق على تشكيل المليشيا برواتب مالية كبيرة
وبحسب "مراسل الشرقية"، وهي شبكة أخبار محلية تضم ناشطين إعلاميين ينقلون أنباء المنطقة الشرقية في سورية، فإن اجتماعاً عقد أول من أمس الثلاثاء في "فوج كوكب" على أطراف مدينة الحسكة بين وفد إيراني وشخصيات من أهالي المنطقة، على رأسهم علي حواس الخليف. وأكدت الشبكة أنه تمّ الاتفاق بالفعل على تشكيل فصيل عسكري بدعم من الحرس الثوري الإيراني، وبرواتب مالية كبيرة، على أن ينتشر عناصر التشكيل في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، والواقعة على الحدود السورية - التركية.
وتشهد مدينة القامشلي على الدوام خلافات بين النظام والقوات الكردية التي لا تزال تحاصر المربع الأمني منذ أكثر من 20 يوماً، بسبب محاصرة النظام لحيَيْن داخل مدينة حلب يقطن فيهما أكراد، عدد كبير منهم نازحون. ومن المتوقع أن يستخدم النظام والإيرانيون هذه المليشيا للوقوف في مواجهة "قسد" في أي خلافات تحدث.
الحرس الثوري يستغل الأوضاع المعيشية
ولم يستبعد الصحافي عدنان حمكو (وهو من أبناء محافظة الحسكة) نجاح الإيرانيين في تشكيل مليشيات موالية لهم في المحافظة، موضحاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأوضاع المعيشية تكاد تصل إلى حدود الكارثة، وهو ما يدفع الشبان إلى التطوع مع الإيرانيين أو مع الروس أو مع قوات "قسد".
وأعرب حمكو عن اعتقاده بأن الحرس الثوري الإيراني له وجود عسكري في المنطقة، خصوصاً في "فوج طرطب" الذي يقع على أطراف مدينة القامشلي، مشيراً إلى أن هذا الفوج سيكون مركز التدريب لهذه المليشيا. وبيّن حمكو أن لقبيلة طي حضوراً كبيراً في مدينة القامشلي وفي ريفها الشرقي، مشيراً إلى أن عدداً من شيوخ ووجهاء هذه العشيرة موالون للنظام وللجانب الإيراني.
ووفق مصادر محلية، تشهد قبيلة طي انقساماً حاداً بعد وفاة شيخها محمد الفارس العام الماضي، والذي كان من أشد المؤيدين للنظام السوري، حيث يتنازع ابناه الزعامة داخل هذه القبيلة.
وكان النظام قدّم في بداية الثورة في عام 2011 الكثير من الامتيازات لشيوخ القبائل والعشائر العربية في المنطقة الشرقية من سورية، والتي تضم محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، لضمان ولائهم. ومن المرجح ألا يكون لـ"قسد" موقف حاد من وجود مليشيات ذات ولاء إيراني في محافظة الحسكة التي تعتبر المعقل الأهم لهذه القوات، طالما أن انتشار هذه المليشيا يقتصر على مناطق تقع تحت سيطرة النظام في هذه المحافظة.
يقود قيادي في "حزب الله" الحضور الإيراني في المحافظة
وبحسب كاتب مقيم في مدينة الحسكة فضّل عدم ذكر اسمه، فإن للإيرانيين أكثر من معسكر في ريف مدينة القامشلي، لافتاً في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن قيادياً في "حزب الله" اللبناني يقود الحضور الإيراني في عموم محافظة الحسكة، ويدعى الحاج مهدي. وبيّن الكاتب أن هذا القيادي "على علاقة طيبة مع شيوخ قبيلة طي". وأضاف "للإيرانيين فصيل في القامشلي يُدعى قوات المهام، كما أنهم يدفعون رواتب مليشيات الدفاع الوطني التي باتت تتبع لهم، بعدما توقف الجانب الروسي عن دفع رواتب عناصرها".
وأوضح المصدر أن هذه الميلشيات تسيطر على نحو 30 قرية في ريف القامشلي يقطنها أبناء قبيلة طي، مضيفاً أن "هؤلاء يعترضون الدوريات الأميركية في المنطقة بين وقت وآخر بأوامر مباشرة من الحاج مهدي، ولكن من دون استخدام أي سلاح". وأشار الكاتب إلى أن الوجود الإيراني في الحسكة يعود إلى عام 2014 "لكنه تراجع مع دخول الروس في 2019". وأعرب عن اعتقاده بأن طهران ربما تستغل انشغال الروس في أوكرانيا لتوسيع نفوذها في المحافظة.
وللإيرانيين وجود عسكري واسع في الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في محافظتي الرقة ودير الزور جنوب نهر الفرات، وفي قرى عدة في ريف دير الزور الشرقي شمال النهر. ولكن لم يكن لهم حضور كبير في شمال شرقي سورية، أو ما بات يُعرف بمنطقة شرقي الفرات، الواقعة تحت سيطرة "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة.
والتنافس على محافظة الحسكة محتدم منذ سنوات عدة بين كل اللاعبين في المشهد السوري، حيث يوجد في نطاقها الإداري الروس والأتراك والأميركيون والإيرانيون، بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء محليين.
وتعد الحسكة أهم محافظة في سورية، فهي سلّة الغذاء الأهم في البلاد، حيث إن أغلب المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، مثل القطن والقمح والشعير والعدس وسواها، تزرع في أراضيها.
ولا تتوقف ثروات محافظة الحسكة عند ذلك، فهي تضم حقولاً للنفط، كانت تنتج أغلب حاجات البلاد من النفط، ومنها حقل الجبسة في ريف منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، والذي يمتد حتى منطقة الهول في الريف الشرقي. كما أن هناك حقول رميلان الشهيرة في ريف مدينة القامشلي، التي تضم نحو 1322 بئراً، بالإضافة إلى معمل للغاز كان ينتج نسبة كبيرة من حاجات سورية من الغاز قبل 2011. ويوجد نحو 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية والتي تعد من أكبر الحقول في سورية.