النيجر في أربع نقاط

09 اغسطس 2023
تسيطر شهوة الحكم على العسكر في أفريقيا (باليما بوريما/الأناضول)
+ الخط -

أربع نقاط يجب ألا تغيب عن الذهن عند تحليل التطورات الراهنة في النيجر، وفي تقدير المآلات السياسية والأمنية التي يمكن أن تنتهي إليها الأوضاع، مع مجمل تأثيراتها على أمن واستقرار كامل المنطقة المضطربة أصلاً بالنزاعات والإرهاب والهجرة والفقر.

أولاً، ستبقى الانقلابات العسكرية أحد أبرز الأسباب التي عمقت هشاشة الدولة، وتغييب مسار البناء المؤسساتي في النيجر وغيرها من دول القارة الأفريقية، وفاقمت مشكلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ولم يكن أي من هذه الانقلابات، يحمل فعلياً تصوراً لبناء الدولة ومشروعاً للتنمية.

التاريخ الطويل من الانقلابات أثبت - إلى أن يحدث العكس - أنها اتخذت من شعارات مناهضة الإمبريالية، "جرة" لتغذية التعطش الشعبي للتحرر والعيش الكريم، من دون أن تحقق من ذلك شيئاً. بل إن الواقع أثبت أنها تحولت سريعاً إلى سعي لتثبيت السيطرة على السلطة لأمد طويل. وفي هذه المرحلة تبدأ مرحلة البحث عن التحالفات الخارجية والشرعية الإقليمية التي تتطلب تنازلات فادحة.

ثانياً، لا يمكن إنكار أن هناك تعاظماً للمد القومي الأفريقي ضد الوجود الفرنسي في المنطقة، غذته بشاعة الاستغلال الفرنسي لثروات شعوب الساحل. لكن هناك ما يدعو إلى التساؤل، ما إذا كان فعلاً الانقلاب في النيجر وفي دول الساحل، تصحيحاً داخلياً استجابة لحاجيات التحرر الوطني من استغلال القوى الخارجية، أم أنه ترجمة لصراعات على السلطة، وإشباع لشهوة الحكم التي تسيطر على العسكري في أفريقيا، باستغلال فرصة الاضطراب الراهن في العلاقات الدولية، وهي الشهوة التي تمنع غالباً العودة إلى المسارات الدستورية، أو انتقال قادة الانقلاب أنفسهم إلى الحكم بصفة مدنية.

ثالثاً، ليس خافياً أن ما يحدث من تطورات جزء من صراعات خارجية تتخذ من دول القارة ساحة لإفراغ شحنات الصراع الرهيب على الثروات والمستقبل وخطوط الإمداد ومناطق النفوذ. وتوجه قادة الانقلاب في النيجر، للاستعانة بمرتزقة "فاغنر" - وليس حتى بدول بعينها - هو سوء تقدير موقف لدى السكريتارية الجديدة، كونه يعمّق الصراع، ويغير فاعلاً خارجياً بفاعل آخر.

النيجر، بالنسبة لدول غربية بعينها، فرنسا وأميركا، غير بوركينا فاسو ومالي، وهذا واضح من خلال تعاظم القلق الغربي من الانقلاب في النيجر دون غيره، بسبب الخشية من خسارة آخر نقطة ارتكاز في الساحل، حيث تتمركز القواعد العسكرية لواشنطن وباريس.

رابعاً، يمكن ملاحظة أن فاعلاً آخر بدأ يظهر بشكل متسارع على المشهد على الحدود بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، تنظيم "داعش". والفيديو الأخير الذي ظهر فيه أكبر تجمع لمقاتلي التنظيم في منطقة منكا في مالي، والهجوم على قافلة الجيش المالي وفي بوركينا فاسو، يظهر أنّ هناك تحريكاً غريباً لخطوط تمركز هذا التنظيم، وإمكانية استخدامه من قبل القوى المستفيدة من تحركاته، بنفس الطريقة التي استخدم فيها في سورية لتعطيل أي تغيير لمساحات النفوذ في المنطقة.