"الكوابيس لا تفارقني. كلما أتذكر ما حدث معي أبكي بحرقة"، يقول زاهر محمد الذي اعتُقل لأشهر في "النقطة 11"، الذي كان أخطر السجون لدى تنظيم "داعش" إبان سيطرته على مدينة الرقة السورية، التي كان يُنظر إليها باعتبارها العاصمة الثانية لهذا التنظيم بعد الموصل العراقية.
ويضيف محمد في حديثٍ مع "العربي الجديد": "اعتُقلت مرتين، الأولى لدى النظام السوري في سجن صيدنايا قبل الثورة (بدات في عام 2011)، والثانية لدى التنظيم في النقطة 11، فلم أرَ فرقاً بطرق التعذيب".
ويشير محمد إلى أنه "في العام 2013 ومع دخوله الرقة، حوّل "داعش" مبنى النفوس الكائن في شارع النور في مدينة الرقة إلى سجن أطلق عليه اسم النقطة 11"، مضيفاً أن التنظيم "كان يعتقل المئات من سكان المدينة بتهمة التعامل مع النظام".
ويتابع: "أراد التنظيم تحييد كل الكفاءات والشخصيات التي يمكن أن تعرقل مخططه، وهو السيطرة على كامل المنطقة الشرقية من سورية ووصلها مع مناطق سيطرته في العراق، وهو ما حدث لاحقاً".
ويلفت إلى أنه في أواخر عام 2013 قصف طيران النظام مبنى "النقطة 11"، فنقل داعش المعتقلين إلى مباني الملعب البلدي، مع الحفاظ على التسمية وهي سجن "النقطة 11".
وكان هذا الملعب قد افتُتح عام 2006 وكان مخصصاً لمباريات وتدريبات نادي الشباب الرياضي المحلي، إلا أن "داعش" جهزه لـ"يتسع لعدد كبير من المعتقلين"، بحسب خالد الابراهيم والذي قضى في السجن أكثر من عام بسبب عمله في إحدى المنظمات الإنسانية قبيل سيطرة التنظيم على الرقة.
طبيعة "النقطة 11"
ويشرح الإبراهيم في حديث مع "العربي الجديد" طبيعة "النقطة 11" في الملعب البلدي، قائلاً "السجن كان عبارة عن أقبية وأجنحة ضمن الصالات الرياضية السابقة التي هندسها التنظيم وفق نظام المنفردات على جانبي ممر طويل واحد، بالإضافة لخمسة مهاجع ضخمة في الصالات التي كانت مخصصة لممارسة رياضات لمصارعة والملاكمة والكاراتيه". ويتابع: "كان عدد المنفردات 20 منفردة، كل واحدة يضم فيها التنظيم خمسة سجناء، بينما كل مهجع يضم ما بين 70 إلى 80 سجيناً".
خالد الإبراهيم: كانت أشد العقوبات وطئاً هي تعذيب والدي أمامنا
ويوضح الإبراهيم الذي ما يزال في مدينته رافضاً الهجرة كما فعل كثير من السوريين، أن "داعش" اعتقله مع أخويه ووالده "فقط لأننا نرفض وجوده في مدينتنا"، مضيفاً: "كانت أشد العقوبات وطئاً على نفسي هي تعذيب والدي الخمسيني أمامنا، ثم نقلوه من السجن فعلمنا بعد ذلك أن التنظيم قطع رأسه".
وعن أساليب التعذيب التي كان التنظيم يتبعها، يوضح أن "المعتقل يُجبَر أغلب الأحيان على الوقوف لأيام مع التهديد بالعقاب وقطع الرأس واللسان"، مضيفاً: "عقوبة الشبح (تعليق الشخص من يديه) في الشمس الحارقة لأكثر من أربعة أيام سببت لي عاهة مستدامة".
وفي السياق، يذكر شاهد فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يتعرض للتعذيب "كوني دخلت بتقرير كيدي من أحدهم وأعمل في مجال الكمبيوتر والإنترنت، ولكن بعد مرور أكثر من 10 أيام بعد اعتقالي، طلبوا مني توزيع الطعام على المنفردات والمهاجع فرأيت وسمعت ما يشيب الولدان كما يُقال".
ويضيف: "في القسم الجنوبي من الملعب كان التنظيم يوهم المعتقلين بأنه سيقتلهم بالغاز، وهي إحدى العقوبات التي كانت أشد إيلاماً". ويتابع: "في هذا القسم غرف إسمنتية بالقبو مسدودة النوافذ والأبواب ومظلمة، يوضع فيها عدة مساجين وهم عراة ومقيدون نحو السقف، ثم يقوم السجانون بتنفيس بعض أنابيب الغاز المنزلي من ثقوب موجودة في الجدران، مع إضافات مواد كيميائية ذات رائحة أقرب ما تكون للكلور لإجبار المساجين على الاعتراف".
شهادات معتقل
ويقول أبو حسين الديري، أحد الذين اعتُقلوا في "النقطة 11"، في حديث مع "العربي الجديد": "كل سجين يدخل النقطة 11 يُجبر على خلع ملابسه وارتداء لباس السجن الموحد لكل المساجين وهو إما بلون أزرق أو بلون أقرب إلى لون جلد الحمار الوحشي".
ويتابع أبو حسين الذي كان مدرّساً قبل سيطرة التنظيم على الرقة: "بعد الدخول يبقى السجين على الأقل خمسة أيام واقفاً في الممرات، وأنا بقيت واقفاً 11 يوماً باستثناء أوقات الصلاة الخمسة".
ويشير الديري إلى أنه "أثناء التحقيق يمارس المحققون كل أساليب التعذيب من ضرب وشبح لعدة أيام، أو الزج في المنفردة لأيام وأحيانا لأسابيع"، مضيفاً: "كانوا يضعون على أعين السجناء غمامة سوداء أثناء التحقيق والشبح والتعذيب، وعلى الرغم من ذلك استطعنا معرفة بعض الأشخاص الذين يتفننون في تعذيب الناس، أغلبهم قُتل لاحقاً في القصف الجوي من طيران التحالف الدولي".
ويضيف: "كان هذا التحالف بدأ في عام 2017 مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) بحملة لطرد تنظيم داعش من مدينة الرقة ولكن الثمن كان موجعاً جداً".
ويقول: "دُمّرت هذه المدينة تدميراً شبه كامل بالقصفين الجوي والمدفعي، بما فيها الملعب البلدي (النقطة 11) والذي كان شاهداً على المرحلة السوداء في تاريخ الرقة المعاصر". ويعتبر أن "هذا التنظيم كان وبالاً علينا، ولا تزال هناك جثث تحت ركام المنازل".
أبو حسين الديري: بعد الدخول يبقى السجين على الأقل خمسة أيام واقفاً في الممرات
وكان تنظيم "داعش" قد فرض سيطرة كاملة على نحو نصف مساحة سورية خلال عامي 2014 و2015، قبل أن يبدأ رحلة تراجع بدأت في عام 2016 وانتهت مطلع عام 2019، حين أعلن التحالف الدولي القضاء على معقل التنظيم الأخير في سورية وهو بلدة الباغوز في أقصى الشرق السوري.
وسيطر "داعش" بشكل كامل على الرقة في بدايات عام 2014، بعد دخوله إليها عام 2013، فاتخذها مركزاً رئيسياً له في سورية، قبل أن يخرج من المدينة في أواخر عام 2017 تحت ضربات طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وكان في محافظة الرقة عدة سجون للتنظيم، منها سجنان في سدي الفرات و"البعث"، وسجن آخر في مبنى مستشفى الأطفال بالرقة كان يُطلق عليه اسم "الثلاث خمسات"، وسجون فرعية في أغلب أحياء المدينة، وفي بعض مباني المؤسسات الحكومية.
ولكن يبقى "النقطة 11" هو الأخطر والأشهر، والذي كان يضم أكبر عدد من المعتقلين من الرقة ومن محافظات سورية أخرى، وقدرت مصادر محلية عدد الذين دخلوا السجن بالآلاف "بعضهم أعدم والبعض الآخر أفرج عنه وهناك من قُتل أثناء قصف التحالف الدولي لهذا السجن"، وفق المصادر.
"النقطة 11"، والاسم كما يبدو يرمز إلى الهجمات التي شنها تنظيم "القاعدة" على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، كان السجن الأول للتنظيم في الرقة قبيل فرض سيطرته المطلقة على المدينة.