النقاشات الدولية لوقف حرب اليمن: دوران في حلقة مفرغة

28 مايو 2021
انحسرت الأعمال الحربية بشكل ملحوظ (فرانس برس)
+ الخط -

لم يحقق الحراك الدولي النشط في الملف اليمني خلال العام الحالي أي نتائج ملموسة، مع استمرار دوران النقاشات في حلقة مفرغة، على الرغم من الجولات المكوكية المكثفة التي ينفذها المبعوثان الأممي مارتن غريفيث والأميركي تيموثي ليندركينغ، بين السعودية وعُمان، حيث يتواجد ممثلون من أطراف الصراع وحلفائهم الإقليميين. وشهد الأسبوع الحالي نشاطاً دولياً ملحوظاً في الأزمة اليمنية، فبعد يومين من لقاءات عقدها سفراء الدول الخمس الكبرى (فرنسا، بريطانيا، الصين، روسيا، الولايات المتحدة) ومعهم المبعوث السويدي إلى اليمن، بيتر سيمنبي، مع مسؤولين عمانيين في مسقط، انضم المبعوثان الأممي والأميركي إلى جو النقاشات مع مسؤولين سعوديين ويمنيين في الرياض، قبل التوجه إلى سلطنة عمان.

وأعلن غريفيث، في بيان صحافي، مساء أول من أمس الأربعاء، أن زيارته الأخيرة إلى الرياض ناقشت مسودة الإعلان المشترك، والذي طرحها قبل أكثر من عام. وتنصّ المسودة على "وقف إطلاق النار الشامل في جميع أنحاء اليمن، وتخفيف القيود المفروضة على حركة الأشخاص والسلع من وإلى البلاد، وإلزام أطراف النزاع باستئناف العملية السياسية لإنهاء الصراع". وهي البنود نفسها التي طرحتها السعودية في مبادرتها الخاصة بوقف إطلاق النار. والزيارة هي الثانية لغريفيث إلى الرياض خلال الشهر الحالي. وخلافاً لنبرة الاستسلام التي ظهر بها في بيانه الصحافي الصادر مطلع الشهر الحالي عندما قال: "لسنا حيث نود أن نكون في ما يتعلق بالتوصل إلى اتفاق"، عاد المبعوث الأممي هذه المرة لتسويق الأمل، وأشار إلى أن "تغيير المسار لا يزال ممكناً الآن"، وسيصبح أصعب في حال استمرت الحرب.

لم تُعرف طبيعة الإشارات الإيجابية التي حصل عليها غريفيث هذه المرة

ولم تُعرف طبيعة الإشارات الإيجابية التي حصل عليها غريفيث هذه المرة، لكن مصادر مطلعة على أروقة المشاورات أبلغت "العربي الجديد"، أن التطور الجديد هو أن الوفد التفاوضي الحوثي المقيم في مسقط منذ أواخر 2018، قد وافق هذه المرة على اللقاء به بعد رفض طويل، وهو ما تم أمس الخميس. وقال كبير المفاوضين الحوثيين، محمد عبد السلام، إن اللقاء ناقش "الاتفاق الانساني المتعلق برفع الحظر عن مطار صنعاء ودخول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، بما يُمهد للدخول في نقاشات أوسع لوقف إطلاق نار دائم وتسوية سياسية شاملة". فيما قالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد": "لم يطرأ أي تغيير حتى الآن فيما يتعلق بقبول الحوثيين مبادرة وقف الحرب، بل تريد الجماعة تهدئة اللعب معه بسبب دوره العتيد في الأمم المتحدة"، في إشارة إلى المنصب الجديد لغريفيث كمنسق للشؤون الإنسانية.

ومن المرجح أن يستمر غريفيث في وظيفته الحالية كمبعوث لدى اليمن حتى أواخر شهر يونيو/حزيران المقبل، على أن يتخلل الفترة تقديم إحاطة جديدة، في انتظار أن يوافق مجلس الأمن الدولي خلال الأسبوعين المقبلين على تسمية خلفه، وفقاً للمصادر. ومنذ مطلع العام الحالي، زار غريفيث الرياض أربع مرات للقاء مسؤولين سعوديين ويمنيين، كما قام بزيارة نادرة إلى طهران، أبرز الحلفاء الإقليميين لجماعة الحوثيين، بهدف الخروج بموقف يضغط على الجماعة ويوقف الهجوم العدواني على مدينة مأرب، التي تحتضن أكبر تجمع للنازحين على مستوى اليمن.

وعلى الرغم من الزخم الدولي الفريد، خصوصاً بعد تعيين الولايات المتحدة ليندركينغ، فضلاً عن التحركات المكثفة لسفراء الدول الخمس الكبرى ودول الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، إلا أن المبعوث الأممي عجز عن تحقيق أي اختراق جوهري في جدار الأزمة اليمنية المعقدة. وأعلنت السفارة الأميركية لدى اليمن، مساء أول من أمس الأربعاء، أن القائم بأعمال السفير، كاثي ويستلي وليندركينغ "يواصلان العمل عن كثب مع السفراء لدى الدول الأعضاء الخمس للضغط من أجل حل النزاع في اليمن". كما أشارت إلى أن "الجميع متفق على أنه يجب على الحوثيين الآن التوقف عن سلوكهم المزعزع للاستقرار في اليمن والمنطقة".

وتتزايد الخشية من إصابة جهود السلام في اليمن بانتكاسة أكبر خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع الفراغ الدبلوماسي المتوقع الذي سيتركه غياب سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا لدى اليمن بعد انتهاء فترة عملهما، بالإضافة إلى مجيء مبعوث أممي جديد قد يبدأ بالعمل من الصفر. ويلقي المجتمع الدولي والحكومة اليمنية اللوم على تعنت جماعة الحوثيين في إفشال جهود السلام، وخلافاً للهجة الحادة من السفارة الأميركية لدى اليمن، والتي دعتهم للتوقف عن "سلوكهم المزعزع للاستقرار في اليمن والمنطقة"، اتهم السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، الحوثيين بـ"عدم الاستجابة لمبادرة وقف إطلاق النار"، والإصرار على زيارة المعاناة الإنسانية لليمنيين وخصوصا في مأرب.

وليس من الواضح أن جماعة الحوثيين قد قررت الإصغاء للدعوات الدولية، تحديداً بعد التلويح الأميركي بعصا العقوبات التي طاولت الأيام الماضية قياديين من أبرز القيادات العسكرية، وهما عبد الكريم الغماري ويوسف المداني، لكن المتغير الوحيد خلال الأيام الماضية هو الانحسار الملحوظ للأعمال القتالية. ومنذ الهجوم الواسع الذي استهدف العمق السعودي بواسطة عدد من الطائرات المسيرّة والصواريخ الباليستية في 13 مايو الحالي، توقفت الهجمات الحوثية الجوية على الأراضي السعودية بشكل غامض خلال الأسبوعين الماضيين، بعد أن كانت قد تحولت إلى ما يشبه الطقوس اليومية.

من المتوقع أن تنجح الزيارة الجديدة للمبعوثين الأممي والأميركي لمسقط في حل التعقيدات

في الجبهات الداخلية، انحسرت المعارك في جبهة مأرب أيضا بشكل ملحوظ خلال الربع الأخير من الشهر الحالي. وتراجع المعدل اليومي للضربات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف بقيادة السعودية وكذلك في عملية تشييع المقاتلين الحوثيين في صنعاء، في مؤشر على تراجع وتيرة الهجوم الحوثي على مدينة مأرب. ولا يُعرف على وجه الدقة ما إذا كان انحسار الهجمات العدائية الحوثية على مأرب والسعودية رسالةً لإبداء حُسن النوايا، أم أن الأمر يعود إلى إنهاك في صفوف مقاتليها، خصوصاً في ظل الاستنزاف الهائل الذي تعرضت له منذ اندلاع المعارك في 7 فبراير/شباط الماضي.

وعلى افتراض أن التهدئة الحاصلة تأتي في إطار المشاورات غير المعلنة مع الوسطاء العمانيين، فمن المتوقع أن تنجح الزيارة الجديدة للمبعوثين الأممي والأميركي إلى مسقط، في حل التعقيدات التي رافقت النقاشات السابقة حول بنود وقف الحرب. وفي محادثات مسقط التي جرت مطلع الشهر الحالي، كان الحوثيون قد وافقوا على "انخراط تكتيكي" في تعاطيها مع الجهود الدولية، في مقابل خلق المزيد من التعقيدات التي تتكيف مع ظروف المعركة في مأرب، بما لا يؤثر في عملياتها الهجومية صوب منابع النفط والغاز، من جهة أخرى.

ورفض الحوثيون حينها، بند وقف إطلاق النار الشامل الذي تشترطه المبادرة السعودية، وكذلك الإعلان الأممي المشترك، حين طالب الوفد التفاوضي للجماعة بـ"وقف الغارات الجوية للتحالف، مقابل وقف الهجمات بالطائرات المسيَّرة والصواريخ الباليستية في العمق السعودي فقط"، وسط إصرار على تجاهل الهجمات العدائية البرية صوب مدينة مأرب، حسبما كشفت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد". وأصرّ الحوثيون على ضرورة "استبعاد مسألة رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء ودخول السفن النفطية إلى ميناء الحديدة من بنود المشاورات". ويقدم وفدها التفاوضي هذه النقاط باعتبارها "بنوداً إنسانية لا ينبغي أن تكون ضمن أي نقاشات سياسية أو عسكرية لإنهاء الأزمة".

المساهمون