افتتح النظام السوري مراكز "تسوية" جديدة في العديد من المناطق، في محاولة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من الشبان للخدمة في قواته، وزجهم في الجبهات الساخنة مع تنظيم "داعش" أو فصائل المعارضة السورية في الشمال.
النظام يفتتح مركز تسوية في مدينة درعا
وبدأ مركز افتتحه النظام في مدينة درعا، أول من أمس الأربعاء، إجراء تسويات لعدد من المنشقين عن قواته، وفق الناشط الإعلامي يوسف مصلح الذي أشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن المركز "يعطي المنشق الذي يُجري التسوية مهلة 15 يوماً للالتحاق بالوحدة العسكرية التي انشق عنها".
وأفاد المكتب الصحافي لمحافظة درعا، التابع للنظام، بأن افتتاح مركز التسوية جاء بالتزامن مع قرب انتهاء "العفو" الذي أصدره رئيس النظام السوري بشار الأسد، في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، والذي نص على عفو عن كامل جرائم الفرار الداخلي والخارجي قبل تاريخ إصداره.
وبموجب مرسوم العفو، فإن أحكامه لا تشمل المتوارين عن الأنظار والفارين من وجه العدالة "إلا إذا سلموا أنفسهم خلال 3 أشهر بالنسبة للفرار الداخلي، و4 أشهر بالنسبة للفرار الخارجي".
ترجيح بحملات تدقيق واعتقال تطاول الرافضين للتسويات
محاولة النظام رفد قواته بالمقاتلين
ومن الواضح أن النظام السوري يحاول رفد قواته التي تعاني نقصاً عددياً، بأكبر عدد ممكن من الشبان المنشقين أو المطلوبين للخدمة الاحتياطية. ودأب النظام على نقل كل العناصر التي تُجري تسويات إلى الجبهات الساخنة مع تنظيم "داعش" في البادية السورية، أو مع فصائل المعارضة في شمال البلاد، وهو ما يمنع الكثير من الالتحاق بمراكز التسويات، وفق مصادر محلية في جنوب سورية.
وفي السياق، رجّح الناشط الإعلامي أبو يامن الزعبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تقوم قوات النظام "بحملات تدقيق واعتقال تطاول الرافضين لهذه التسويات والذين يقدر عددهم بالآلاف"، مضيفاً: "يريد النظام إجبار الشباب الذين لم يغادروا البلاد على الالتحاق بقواته، أو دفعهم للهجرة".
وكان الآلاف من العناصر انشقوا عن قوات النظام السوري خلال سنوات الثورة بسبب رفضهم الطريقة الوحشية التي تعامل بها النظام مع الثورة التي بدأت في ربيع عام 2011.
وكان النظام منح في وقت سابق المنشقين في درعا مهلة عام كامل قبل الالتحاق بقواته، في مسعى منه لدفع هؤلاء للخروج إما إلى الشمال السوري أو الهجرة من سورية عن طريق لبنان، إذ سهّل لهم إجراءات الحصول على جوازات سفر.
وكان النظام أجرى تسويتين في جنوب سورية؛ الأولى في عام 2018، والثانية أواخر العام الفائت، شملت محافظة درعا باستثناء بلدة بصرى الشام في الريف الشرقي كونها معقل "اللواء الثامن" المدعوم من قبل روسيا.
تسوية جديدة في بلدة كناكر بريف دمشق
في السياق نفسه، ينوي النظام القيام بتسوية أمنية جديدة في بلدة كناكر في ريف دمشق الغربي. إذ قال مصدر محلي من البلدة لـ"العربي الجديد"، إن لجنة المصالحة في كناكر توصلت لاتفاق مع رئيس الفرع 220 التابع لجهاز الأمن العسكري، المعروف باسم "فرع سعسع"، يقضي بإخضاع مجموعة من أبناء البلدة لعملية تسوية أمنية جديدة تبدأ صباح الأحد المقبل، وتشمل من وردت أسماؤهم ضمن قوائم أصدرها هذا الجهاز، الأكثر وحشية في التعامل مع السوريين، وذلك مقابل تخلي النظام عن فكرة التهجير القسري لهم.
وأوضح المصدر أن لجنة المصالحة افتتحت مركزاً داخل مبنى المجلس البلدي في البلدة، لتسجيل أسماء الراغبين بالخضوع لعملية التسوية، مشيراً إلى أن العملية تشمل جميع أبناء كناكر المطلوبين للأفرع الأمنية، والمتخلفين عن الخدمة العسكرية.
وتقع كناكر إلى الغرب من العاصمة دمشق بنحو 40 كيلومتراً، وهي صلة الوصل بين 3 محافظات هي ريف دمشق، القنيطرة، ودرعا. وكانت فصائل المعارضة السورية سيطرت على جزء كبير من ريف دمشق الغربي بما فيه بلدة كناكر، إلا أنها اضطرت في عام 2018 إلى توقيع اتفاقات تسوية مع النظام بضغط عسكري روسي.
وكان النظام افتتح مطلع العام الحالي مراكز "تسوية" في العديد من البلدات المحيطة بالعاصمة دمشق والتي خرجت عن سيطرته لسنوات عدة، منها داريا والكسوة وزاكية والتل ومعضمية الشام.
مع العلم أن النظام استعاد السيطرة على كامل دمشق وريفها، ما يؤكد أن هذه التسويات "إعلامية" لا أكثر، والهدف منها الترويج لفكرة أنه خرج منتصراً في الصراع وأنه قادر على فرض إرادته. وخرج جل المطلوبين للأجهزة الأمنية من هذه المدن والبلدات، ومن ثم لم يبق إلا العاجزون عن المغادرة من كبار السن أو غير القادرين على تكاليف الرحيل إلى الشمال السوري.
كما افتتح النظام مراكز تسويات في شرقي سورية في محافظتي الرقة ودير الزور خلال العام الحالي، ولكن لم تجذب إليها إلا بعض النازحين غير المطلوبين للأجهزة الأمنية، وفق مصادر محلية في ريف الرقة الغربي.
وأشارت المصادر في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن بعض العائلات التي اضطرت للنزوح من ريف حلب أو من عدة قرى تقع حالياً تحت سيطرة النظام، عادت من مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد).
وأكدت المصادر أن المنشقين أو المطلوبين للنظام "لا يمكن أن يضعوا أنفسهم مرة أخرى تحت سيطرة أجهزته الأمنية". وقالت المصادر "لم يذهب أي مطلوب إلى مراكز التسويات، هذه كمائن للمطلوبين أمنياً".
فرحات: لن يستتب الأمن بمناطق المصالحات بسبب سياسة النظام
محاولات النظام لفرض إرادته وإخضاع السوريين
إلى ذلك، رأى المحلل العسكري، العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المصالحة صيغة يتبعها النظام لتجميل فرض إرادته مرة أخرى على الشعب السوري". وأضاف "اضطر بعض السوريين للذهاب إلى مراكز المصالحات أو التسويات لدرء إجرام النظام في مناطق سيطرته".
وتابع فرحات "استخدم النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون كل وسائل البطش لإخضاع هذه المناطق"، ورأى أن "مصالحات النظام لم تنجح، وخاصة في محافظة درعا". وتابع "النظام يعمل على تصفية كل الذين حملوا السلاح بوجهه"، معتبراً أنه "لن يستتب الأمن في مناطق المصالحات بسبب سياسة النظام وتجاوزات أجهزته الأمنية بحق الناس، فهناك نار تحت الرماد".
وقال فرحات إن قوات النظام "غير قادرة على التحرك في مناطق المصالحات، وإنما تتواجد على حواجز وفي مراكز معينة"، مضيفاً "طالما أنه ليس هناك تسوية سياسية وعدالة ومصالحات حقيقية، لن يستتب الأمن في سورية".