يعاني فريق المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، من انسداد الأفق فيما يخص ملف اللجنة الدستورية، على الرغم من وجود وعود روسية سابقة بحلحلة الاستعصاء بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام السوري أخيراً، لكن هذه الوعود لم تؤتِ أُكلها.
ولم يكتف النظام بمسرحية الانتخابات الرئاسية في تجاوز لكل القرارات الدولية ذات الصلة، بل تعمد وضع ملاحظات "تخريبية" على مقترح الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية التي اقترحها بيدرسن في شهر إبريل/ نيسان الماضي، بحسب ما علم "العربي الجديد" من مصادر خاصة.
وبحسب المصادر ذاتها، التي اشترطت عدم كشف هويتها، فقد واجهت خولة مطر، المتحدثة باسم المبعوث الأممي، التي تزور دمشق، عراقيل جديدة لم تكن متوقعة، حيث قام الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن جانب النظام، أحمد الكزبري، بتقديم تفاصيل الملاحظات على مقترح بيدرسن، وهذه الملاحظات تُطيح المقترح. وهو ما يعني بحسب مصادر "العربي الجديد" أن النظام لم يرفض المقترح رسميًا، إلا أنه قام بتعطيله، وهذا أمر لم يكن فريق بيدرسن يتوقعه، خصوصًا أن الجانب الروسي كان قد أعلن رضاه عن المقترح في وقت سابق، وأخبر بيدرسن أن النظام سيكون أكثر جديّة في التعامل مع ملف اللجنة الدستورية بعد الانتهاء من انتخاباته الرئاسية.
المعلومات أيضاً تقول إن فريق بيدرسن قد سمع كلامًا في دمشق على سبيل أن معطيات الواقع السوري اليوم اختلفت، وأن الشعب السوري اختار بشار الأسد رئيساً له بالأغلبية، ما يعني أن طريقة التعامل مع ملف اللجنة الدستورية قد اختلفت، وهي إشارة من النظام إلى أنه اليوم أقوى من فترة ما قبل الانتخابات، وأن دخوله في الجولة الجديدة من اجتماعات اللجنة الدستورية يجب أن يكون وفق شروطه.
انسداد الأفق أمام فريق بيدرسن انعكس على كلام مطر خلال اجتماعها مع أعضاء من المجتمع المدني قبل أيام، إذ أخبرتهم أن ملف اللجنة الدستورية فشل، وأن الفريق الأممي لم يستطع التقدم في هذا الملف خطوة فعّالة، وهو ما فهمه كثير من الحضور على أنه رسالة من فريق بيدرسن إليهم كي لا يرفعوا سقف توقعاتهم من المسار الدستوري.
وفي حال لم تتدخل روسيا لقلب المشهد خلال الساعات القليلة القادمة، ربما قد تكون إحاطة بيدرسن أمام مجلس الأمن اليوم الجمعة عصيبة، ولا تحمل أي خبر جيد أو تقدم في الملف المُستعصي منذ نشأته، رغم كل المحاولات لإنقاذه من قبل الأمم المتحدة وضغوط بعض الدول.
وكان بيدرسن قد أرسل منتصف إبريل/ نيسان الماضي مقترحاً لأجندة الجولة السادسة من اجتماعات اللجنة الدستورية، في محاولة لكسر الاستعصاء الحاصل بين النظام والمعارضة.
وتضمّن المقترح أنه "قبل المغادرة إلى جنيف، يقوم الوفد المرشح من قبل حكومة الجمهورية العربية السورية، والوفد المرشح من قبل هيئة التفاوض السورية، ووفد المجتمع المدني (سواء بشكل مجمع إذا رغبوا في ذلك أو كمجموعات) بتقديم المقترحات كتابة إلى مكتب المبعوث الخاص في شكل نصوص مقترحة لمبادئ دستورية أساسية لتضمينها في مشروع الدستور"، ويتم "خلال كل اجتماع من اجتماعات الهيئة المصغرة في الأيام من 1 إلى 4 تناول مبدأ واحد على الأقل من المبادئ الدستورية الأساسية واستنفاد النقاش حوله".
وبحسب مقترح بيدسون، فإن الجلسة الواحدة تستمر نحو ساعتين تقريبًا، وليس بالضرورة أن تنتهي باتفاق على المبدأ الذي يتم النقاش حوله، و"يسعى كل اجتماع للهيئة المصغرة إلى تحديد ما إذا كان هناك اتفاق مؤقت أو بعض عناصر اتفاق مؤقتة فيما يتعلق بالمبدأ الدستوري الأساسي قيد المناقشة". وأشار المقترح إلى أنه "لا يحول عدم التوصل إلى اتفاق مؤقت حول مبدأ دون الانتقال إلى المبدأ الدستوري الأساسي المقترح التالي في الاجتماع التالي. قد ترغب الهيئة المصغرة في العودة إلى هذه المبادئ في الوقت المناسب، على ألا يمنع ذلك الانتقال إلى قضايا أخرى في الجلسات القادمة".
ونصّ المقترح على اجتماعَ الرئيسين المشتركين (الكزبري، وهادي البحرة ممثل المعارضة) مع المبعوث الخاص "خلال اليوم السابق لبدء الدورة، وعلى مدار الأسبوع، وفقاً لما تقتضيه الحاجة لتعزيز توافق الآراء وضمان حسن سير عمل اللجنة الدستورية".
ويقوم الرئيسان بـ"تحديد الوسائل العملية التي يتم من خلالها عرض المبادئ ومناقشتها بطريقة فعالة خلال الاجتماعات، والقيام، بمساعدة السكرتارية، بتسجيل وتدوين النقاط التي تم البت فيها أو الاتفاق عليها مؤقتاً، مع تسجيل النقاط التي لا يوجد اتفاق مؤقت بشأنها"، إضافة إلى "مناقشة والاتفاق على موعد انعقاد الدورة التالية وخطة عمل أولية حتى نهاية عام 2021، والتنسيق مع المبعوث الخاص بشأن قيامه بالإعلان عن نتائج الدورة والعمل المستقبلي للجنة الدستورية".
وكان بيدرسن قد ألمح خلال إحاطته أمام مجلس الأمن مطلع فبراير/ شباط الماضي إلى أن عدم وجود جدية في دفع المسار "سيجعل من استمرار مهمته صعباً"، وهو ما فُهم منه حينها أن مهمته كمبعوث أممي لن تستمرّ في حال بقي المسار على شكله الحالي.