خلال اللقاء مع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي (سي أف آر- مركز أبحاث أميركي)، والذي كان يُفترض أن يحضره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حال سفره إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، واجه وزير الخارجية المصري سامح شكري، يوم الجمعة الماضي، أسئلة صعبة وانتقادات حادة للمواقف المصرية المختلفة المتعلقة بملفات تهمّ صنّاع السياسة الخارجية الأميركيين، لا سيما على مستوى مستقبل الاقتصاد المصري في ظلّ الهيمنة العسكرية على الأنشطة الصناعية والتجارية والإنتاجية المختلفة، بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان. كما خرجت خلال اللقاء، استفسارات أخرى بشأن رؤية مصر لمستقبل العلاقات مع روسيا وتركيا وقطر ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك مستقبل التعاون في شرق البحر المتوسط في ظلّ الاهتمام الأميركي المتزايد، وبصفة خاصة من بعض أعضاء المجلس، بمجال الطاقة في تلك المنطقة، وما قد تلعبه من دور في التصدي لطموحات موسكو.
جرى استفسار حول عدم الجدّية في إشراك القطاع الخاص في المشاريع المرفقية المختلفة
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من أن هذا اللقاء الذي نظمته شركة "براونستين هيات" (المستشار الإعلامي لمصر في الولايات المتحدة) ضمّ عدداً محدوداً من أعضاء المجلس بسبب جائحة كورونا، كما لم يحضره عدد من أعضاء المجلس الديمقراطيين، إلا أن الأعضاء الجمهوريين تحدثوا أيضاً عن بعض النقاط السلبية تجاه النظام المصري، مدفوعين بشكاوى واقعية من بعض كبار المستثمرين ورجال الأعمال.
الملاحظة الأولى كانت على تأخر وعدم جدّية النظام المصري في ما وعد به نهاية عام 2019 من طرح شركات القوات المسلحة في البورصة، ضمن برنامج الطروحات الحكومية المقتصرة حتى الآن على شركات قطاع الأعمال العام وبعض الشركات المملوكة للهيئات الاقتصادية، واستمرار الهيكلية الغامضة لجميع شركات الجيش، فهي ليست مؤسسة كشركات مساهمة من الأصل وغير خاضعة لأي نوع من الرقابة الفعلية. كما جرت ملاحظات حول عدم الجدّية في إشراك القطاع الخاص المحلي والدولي في المشاريع المرفقية المختلفة التي ينفذها الجيش المصري والشركات الحكومية، واقتصار أعمال المستثمرين على المقاولات الصغيرة والتوريدات وغيرها من الأنشطة غير الإنتاجية.
وجاءت الملاحظة الثانية على الموضوع نفسه، وتتعلق بمدى حاجة الجيش المصري للمعونة الأميركية ذات القيمة المالية التي تضاءلت بمرور الزمن، وبين كونه قادراً على تحقيق أرباح ضخمة من أنشطة تشهد تضييقاً مستمراً على المستثمرين الأجانب، ومنهم الأميركيون، في ظلّ إصرار السيسي على سياسته الاستراتيجية في تنويع مصادر التسليح، وعقد صفقات مع روسيا والدول الأوروبية.
وكان مرجع ثالث الملاحظات، شكاوى من انسحاب بعض رؤوس الأموال الأميركية والأوروبية من مشاريع بأنشطة مختلفة في مناطق عديدة في الصعيد المصري والصحراء الغربية وقناة السويس، بسبب ما وصفوه بتضييق الجيش على بعض الأنشطة، وعلى رأسها مصانع الإسمنت والأسمدة ومحطات الطاقة الشمسية وشركات الشحن والتفريغ والصناعات الغذائية، خصوصاً بعد دخول الجيش بثقله في جميع تلك الأنشطة. وبحسب المصادر، فإن أعضاء المجلس علموا من بعض التقارير التي بُنيت على شكاوى المستثمرين، وجود اشتراطات غير قانونية تمّ إجبارهم عليها، مثل تعيين عسكريين سابقين كمديرين تنفيذيين، والسماح لبعض هيئات الجيش بالمشاركة في النشاط، وهي الأمور التي سبق لبعض السفارات الأجنبية في القاهرة أن وجّهت استفسارات للحكومة بشأنها خلال العامين الماضيين. أما الملاحظة الرابعة في الموضوع ذاته، فتخص العلاقة بين الدولة والمستثمرين بشكل عام في المناطق السياحية، بعد انتشار ظاهرة تخصيص الأراضي في المناطق السياحية المطلة على البحر الأحمر للجيش، واحتمالات انعكاس ذلك على الأنشطة الخاصة ببعض الشركات الأجنبية المالكة للمنتجعات.
يسود الخلاف حالياً في واشنطن حول مدى استحقاق مصر للمعونة الأميركية
وذكرت المصادر أن خطورة طرح هذه المسائل في تلك اللقاءات، تكمن في أنها تعبّر عن حوار مستمر في أكبر مراكز صنع القرار الأميركية حول إعادة هيكلة المعونة لمصر، في ظلّ الخلاف القائم حالياً حول مدى استحقاق مصر لها، والضغوط التي تتعرض لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لأخذ منحى آخر في التعامل مع هذا الملف خلال العام المقبل، بعد تحفظها فقط على مبلغ 130 مليون دولار من معونة العام الحالي (وافقت على 170 مليون دولار)، الأمر الذي يعكس تراجع اهتمامها بالملفات محل الخلاف، وعلى رأسها حقوق الإنسان، على عكس ما كان متوقعاً.
وأصدر السيسي عام 2015 قراراً جمهورياً، يعتبر مفصلياً في تكريس قوة الجيش الاقتصادية، منحه صراحةً من خلاله، صلاحية "تأسيس الشركات بكافة صورها، سواءً بمفرده أو بالمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي"، وذلك بهدف تجهيز وإعداد مدن ومناطق عسكرية، والقيام بجميع الخدمات والأنشطة التي من شأنها تحقيق أهدافه وتنمية موارده، وذلك بواسطة جهاز وزارة الدفاع المختص ببيع الأراضي والعقارات المملوكة للدولة التي تخليها القوات المسلحة. وبذلك امتلكت المؤسسة العسكرية بشركاتها وقطاعاتها الإنتاجية كلّ مفاتيح احتكار مجالات الاستثمار في سيناء مستقبلاً، بما تحظى به من مزايا تنافسية مطلقة، بالمخالفة لتعهدات السيسي السابقة بتوسيع إشراك المستثمرين المحليين والأجانب، التي ترجح المصادر بعد الدفع بهذا القانون أنها "كانت موجهة كرسالة للخارج لتخفيف الضغوط على مصر في ملف اقتصاد الجيش، الذي يسبب للسيسي حرجاً في علاقاته بالولايات المتحدة والأوروبيين وكذا دول الخليج".
وفي يوليو/تموز الماضي، كشفت "العربي الجديد" إقامة شركة "ڤيكا" للإسمنت، المساهم الرئيسي في شركة إسمنت سيناء منذ عام 2003، دعوى ضد الحكومة المصرية أمام مركز تسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولي "إكسيد"، تطالب فيها بتعويض مالي كبير جرّاء ما وصفته بالتضييق على مصالحها ودفعها للتخلي عن أسهمها ليستحوذ عليها الجيش بحجة "الحفاظ على الأمن القومي المصري". كما منعت الشركة من ممارسة صلاحياتها القانونية، بدعوى تعارض تملكها لحصّة الأكثرية من المؤسسة مع قانون محلي يحظر تمليك الأجانب أراضي شبه جزيرة سيناء. وقال مصدر حكومي مصري إن اهتمام الجيش والاستخبارات بالاستحواذ على المشاريع الاقتصادية الناجحة بشكل عام، وفي سيناء وقطاع مواد البناء بشكل خاص، يعود إلى تعليمات من السيسي بإحكام السيطرة والرقابة على هذين القطاعين، الجغرافي والفني، لا سيما بعد صدور القانون 127 لسنة 2020 بتعديل قانون التنمية المتكاملة لشبه جزيرة سيناء، والذي تضمن نقل تبعية جهاز تنمية سيناء بالكامل من رئاسة مجلس الوزراء إلى وزارة الدفاع.