النظام السوري يواصل تصفية معارضيه في درعا

02 يناير 2022
أجرى النظام أواخر العام الماضي تسويات في درعا (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يستمر النظام السوري في استغلال عمليات "التسوية" التي أجراها أخيراً مع مدن وبلدات محافظة درعا، كمدخل للانتقام من معارضيه في الجنوب السوري، وتصفيتهم، في سياق تفريغ المنطقة من كل الشخصيات التي شاركت في الثورة، ويمكن أن تشكل خطراً عليه في المستقبل، وهو ما يُبقي الأوضاع في هذه المحافظة في حالة فلتان دائم.

وكشف تقرير صدر حديثاً عن "تجمع أحرار حوران"، والذي يضم صحافيين وناشطين إعلاميين وحقوقيين، أن عدداً من القياديين السابقين توفوا خلال العام الماضي في ظروف غامضة. واتهم الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بتسميم هؤلاء القادة، أثناء زيارات قاموا بها إلى ضباط في مقرات هذه الأجهزة.

تسميم المعارضين في مقرات النظام

وأكد التجمع أن القيادي السابق في فصائل المعارضة مرعي الحمدان، (أبو سليمان العز)، توفي في 25 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد صراعه مع مرض، نتيجة التسمم، قبل وفاته بنحو شهرين.

توفي عدد من القياديين في فصائل المعارضة بسبب تعرّضهم للسم في معتقلات النظام

ونقل التجمع عن مصدر "رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية"، أنّ الحمدان "توفي بعد معاناة استمرت لنحو شهرين، مع مرض سببه جرثومة ناجمة عن سم دُس له في القهوة من قبل ضباط النظام السوري، داخل فرع جهاز الأمن العسكري في بلدة سعسع بريف القنيطرة". وأشار إلى أن الحمدان "أسعف إلى مستشفى الرشيد في العاصمة دمشق، وبقي يتعالج هناك حتى توفي".

وبيّن التجمع أن قيادياً سابقاً في فصائل المعارضة هو أبو محمد القبعاني، الملقب بـ"الأخطبوط"، تعرّض هو الآخر للسم في نفس الفرع، وتوفي، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، "بعد معاناته من آلام مختلفة بجسده، تبعها شلل في جميع أطرافه". 

وكان "الأخطبوط" وأبو سليمان العز عضوين في لجنة التفاوض الخاصة بمحافظة القنيطرة بين الأهالي والنظام، منذ عقد اتفاق التسوية الأول، الذي جرى في جنوب سورية في صيف 2018.

وذكر التجمع أن عدداً من القياديين في فصائل المعارضة توفوا بعد معاناة طويلة مع المرض منذ عام 2018، بينهم القيادي السابق في "الجيش السوري الحر" محمد معاوية الزعبي، بسبب تعرّضهم للسم في معتقلات النظام منذ إجراء التسوية الأولى في جنوب سورية قبل نحو أربع سنوات.

الانتقام من أهالي جنوب سورية

وعن ذلك، قال عضو هيئة التفاوض التابعة للمعارضة إبراهيم الجباوي (وهو من أبناء محافظة درعا) إن النظام "لا يترك وسيلة إلا ويستخدمها للانتقام من كل الأشخاص الذين عارضوه وضايقوه خلال سنوات الثورة السورية". وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد": النظام يريد الانتقام من كل أهالي جنوب سورية.

وكان النظام قد أجرى، أواخر العام الماضي، تسويات جديدة في محافظة درعا، تحت إشراف روسي، تقوم على سحب السلاح الفردي و"تسوية" أوضاع المسلحين والمطلوبين للأجهزة الأمنية والمنشقين عن قواته، مقابل سحب الحواجز التي كانت تقطّع أوصال المحافظة.

وشملت التسويات كل مدن وبلدات محافظة درعا، باستثناء بلدتي بصرى الشام ومعربا في ريف درعا الشرقي، اللتين بقيتا خارج التسوية حتى الآن بسبب وجود "اللواء الثامن" التابع لروسيا فيهما. 

ولكن هذه التسويات لم تنهِ حالة الفوضى الأمنية في محافظة درعا، إذ ارتفعت وتيرة الاغتيالات، التي تطاول شخصيات معارضة، وأخرى متعاونة مع الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ما يؤكد أن هناك أكثر من يد تنفذ عمليات التصفية.

وأوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، لـ"العربي الجديد"، أن الشبكة وثقت عمليات اغتيال في محافظة درعا عبر عدة طرق، منها القتل المباشر بالرصاص، أو استهداف السيارات بالعبوات الناسفة.

وأشار إلى أن هذه العمليات "تأتي في سياق محاولات الأجهزة الأمنية تفريغ محافظة درعا، بشكل كامل وتدريجي من كل الشخصيات التي شاركت في الثورة السورية". وأضاف: النظام يريد القضاء على كل الشخصيات التي يمكن أن تشكل خطراً عليه في المستقبل، خصوصاً تلك التي لها رمزية لدى الأهالي.

وأشار عبد الغني إلى أن محافظة درعا لها خصوصية "لأن غالبية أهلها ما زالوا موجودين فيها ولم يتعرضوا لتهجير كبير". وقال: "كان من المتوقع لجوء النظام إلى تصفية كل معارضيه في هذه المحافظة بعد إجراء التسويات".

لا مصداقية لتسويات النظام السوري

من جهته، أشار الباحث السياسي في مركز "الحوار السوري" للدراسات محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن عمليات الاغتيال، بشتى الطرق والوسائل، والتي تطاول القياديين السابقين في فصائل "الجيش الحر" والمعارضين المعروفين في الجنوب السوري "تؤكد عدم مصداقية النظام في التسويات التي أجراها في جنوب سورية، وبقية المناطق التي استعاد السيطرة عليها في عموم البلاد". 

إبراهيم الجباوي: النظام يريد الانتقام من كل أهالي جنوب سورية
 

وأضاف: "ما إن تتمكن قوات النظام من أي منطقة حتى يبرز الحقد الانتقامي لدى أجهزته الأمنية والمليشيات التابعة له، فيبدأ على الفور في تنفيذ اغتيالات بشتى الأساليب. لا تتورع أجهزة النظام عن استخدام أي أسلوب، سواء بالسم أو بعمليات التفجير، والتي غالباً ما تتسبب في مقتل مدنيين أبرياء".

إلى ذلك، وثّق "تجمع أحرار حوران" مقتل 38 شخصاً، بينهم امرأتان، في محافظة درعا، خلال ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، مشيراً إلى أن 5 منهم قتلوا نتيجة التعذيب في سجون النظام. وأوضح أن جميعهم اعتقلوا عقب سيطرة قوات النظام على المحافظة أواخر العام الماضي. 

وبحسب مكتب التوثيق في التجمع، فإنّ جميع عمليات ومحاولات الاغتيال التي تم توثيقها في ديسمبر الماضي جرت بواسطة إطلاق النار بأسلحة رشاشة، باستثناء عملية واحدة بواسطة قنبلة يدوية.

وفي السياق، بيّن "مكتب توثيق شهداء درعا" أن شهر نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي "شهد ارتفاعاً حاداً في عمليات الاعتقال، والإخفاء والتغييب القسري، من قبل الأفرع الأمنية التابعة لقوات النظام مقارنة بالأشهر الماضية". 

وذكر أنه "وثّق ما لا يقل عن 71 معتقلاً ومختطفاً، أُطلق سراح 31 منهم في وقت لاحق من ذات الشهر". وأشار إلى "أن هذه الإحصائية لا تتضمن من تم اعتقالهم بهدف سوقهم للخدمتين الإلزامية والاحتياطية في قوات النظام"، وفق المكتب.

المساهمون