يجهد النظام السوري لتحييد حركة "رجال الكرامة" المحلية عن المشهد في محافظة السويداء جنوب سورية. وذكرت مصادر مقربة من الحركة لـ"العربي الجديد"، أن النظام يرفض التعامل والتعاون مع "رجال الكرامة"، مضيفةً أن أجهزته الأمنية تعتبر الحركة عدواً يجب القضاء عليه أو على الأقل تحييده عن المشهد.
وأشارت المصادر إلى أن النظام "يمهد الطريق أمام زعامات محلية معروفة في السويداء، أبرزها لؤي الأطرش، لوضعها في واجهة المشهد السياسي والشعبي في المحافظة لنزع الكثير من الأوراق من الحركة التي تحظى بدعم شعبي واسع".
تسويات في السويداء
وكان النظام السوري قد فتح منذ أيام مركزاً لإجراء تسويات أمنية في السويداء لـ"أوضاع المطلوبين والفارين والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية"، في إشارة إلى المنشقين عن قوات النظام والرافضين الالتحاق بالخدمة في صفوفها.
وبيّنت مصادر محلية أن "لؤي الأطرش (وهو سليل عائلة الأطرش المعروفة في سورية)، يدعم النظام في هذه الخطوة التي تستهدف زجّ الشبان في محافظة السويداء في قواته".
وكان عشرات آلاف الشبان الدروز قد رفضوا الانخراط في قوات النظام وتأدية الخدمة الإلزامية كي لا يكونوا أداة بيد النظام لقتل السوريين المطالبين بالتغيير السياسي في بلادهم منذ عام 2011.
قضت "رجال الكرامة" على أكبر العصابات المرتبطة بالنظام
وبحسب المحامي سليمان العلي، فإن التسوية في السويداء "لم تخرج عن نطاق العفو العام الذي أصدره (رئيس النظام بشار) الأسد قبل أشهر من الآن"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "بالرغم من التسهيلات التي تقدمها التسوية للمتخلفين عن الخدمة العسكرية في قوات النظام، إلا أنها لم تلق أي إقبال يذكر".
وكانت حركة "رجال الكرامة" التي تأسست في عام 2013 من قبل العديد من المشايخ المناوئين للنظام، وأبرزهم وحيد البلعوس، قد وفّرت الحماية لكل الشبان الرافضين للخدمة في صفوف قوات الأسد، وهو ما أزعج النظام الحريص دوماً على تحييد محافظة السويداء من خلال التعامل "الناعم" مع سكانها.
تعويم لؤي الأطرش
وكانت "رجال الكرامة" قد قضت أخيراً على أكبر العصابات المحلية المرتبطة بالأجهزة الأمنية وهي عصابة "راجي فلحوط"، وهو ما دفع النظام إلى إقصاء فرع الأمن العسكري عن ملف السويداء، وتكليف فرع "أمن الدولة" بديلاً عنه، وتعويم لؤي الأطرش لكي يتصدر المشهدين السياسي والأمني في المحافظة.
لكن مصدراً مقرباً من الأطرش قال، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأخير "رجل توافقي، ليست لديه أي خلافات مع أحد، ويتمتع بشخصية شفافة، ويعرف أين تكمن مشاكل المحافظة، وقادر على جمع الفصائل المحلية المسلحة، وهدفه فرض الأمان ودعم القضاء".
وتابع "التسوية التي تجري الآن هي جزء من المخطط المرسوم لعودة الأمان والانتهاء من مشاكل الشبان، من خلال تسوية أوضاعهم بالنسبة للخدمة العسكرية التي تقرر أن يخدموها في المنطقة الجنوبية تحديداً".
وأشار إلى أن "الأطرش ليست غايته إقصاء أحد، وهو على تواصل دائم مع قيادة حركة رجال الكرامة، التي باركت اتفاقه مع السلطة، ولكن لدى الحركة تخوفات مشروعة وتحتاج لوقت حتى تزول".
وأوضح المصدر نفسه أن "الخطوات الجديدة التي ستتم قريباً، تتمثل في إقامة حواجز مدنية بالتعاون مع الشرطة، بهدف فرض النظام ومنع الخطف والسرقة، والمخدرات، وليس القبض على الشبان المتخلفين عن الخدمة، أو سحب السلاح من الأهالي". كما أكد المصدر أن الأطرش "يسعى لكي يعطي شبان السويداء سنة تأجيل إداري، كما حصل في درعا والقنيطرة، وتفكيك باقي العصابات من دون إراقة الدماء".
من جهته، أكد مصدر مقرب من "رجال الكرامة" أن "تعويم الأطرش محاولة مكشوفة لإقصاء الحركة عن الواقع السياسي والأمني في السويداء، واستبدالها بأشخاص مع قوة على الأرض تتحكم بها شعبة المخابرات العامة، وفرع أمن الدولة تحديداً".
وفي السياق، رأى ناشط حقوقي من أبناء السويداء (فضل عدم ذكر اسمه)، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "ليست للأطرش قاعدة شعبية"، مضيفاً أنه "لم يشكل مرجعية في حل الأزمات والمشاكل الفردية سابقاً، وبالتالي دوره المقبل لن يتجاوز ما هو مرسوم له من الأجهزة الأمنية".
تعويم لؤي الأطرش محاولة لإقصاء حركة "رجال الكرامة"
دفاع حركة "رجال الكرامة" عن السويداء
ومنذ تأسيسها، أدت حركة "رجال الكرامة" العديد من المهام دفاعاً عن محافظة السويداء، حيث صدّت هجمات "جبهة النصرة" التي حاولت احتلال قرية داما في الريف الغربي للمحافظة عام 2014، ما أدى إلى مقتل عدد من أبناء المحافظة، بينهم شقيق وحيد البلعوس مؤسس الحركة.
كما قامت الحركة بتحرير عدد كبير من المخطوفين بين محافظتي درعا والسويداء، وبكشف الدور الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في تخريب النسيج الاجتماعي في الجنوب السوري.
وفي شهر سبتمبر/ أيلول من العام 2015، تم اغتيال الشيخ وحيد البلعوس وعدد من رفاقه في تفجيرين مزدوجين، ما أدخل المحافظة في دوامة عنف ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة، إذ شكلت السلطة بإشراف مباشر من أجهزتها الأمنية عصابات متخصصة في الخطف والقتل وتهريب المخدرات.
وحكمت الأجهزة الأمنية وعصاباتها والفصائل التي عرفت باسم "الرديفة" الحياة العامة في المحافظة، وانكفأت الحركة قليلاً بعد انتخاب قيادة جديدة لها، لكنها بقيت القوة التي يهابها النظام ويحاول تطويعها وعزلها في الوقت نفسه.
وفي 25 يوليو/ تموز عام 2018، هاجم تنظيم "داعش" القرى الشرقية للمحافظة، بتسهيل مباشر من النظام، بعد سحب السلاح من الأهالي قبل ليلة من الهجوم، وقطع الاتصالات والكهرباء، وفق مصادر محلية من الريف نفسه. وقد ساهم عناصر الحركة، مع عدد قُدّر بأربعة آلاف شاب، في صد "داعش"، الذي قتل واختطف مئات المدنيين في ذلك الحين.
وبقيت الحركة طوال ثلاث سنوات تعمل بصمت، وتتواصل عبر طرف ثالث مع النظام لتحرير المعتقلين من السويداء، فيما كانت العصابات الأمنية المدعومة من "حزب الله" اللبناني وإيران تفرض سطوتها وتروّج وتهرب المخدرات في السويداء وخارجها، من دون أن يستطيع أحد التصدي لها، وكانت اليد القوية للنظام في قمع الاحتجاجات التي خرجت في العام 2020 وما تلاها.