النظام السوري و"قسد" يتجاهلان مطالب بغداد باستعادة ترسانة "داعش"

08 ابريل 2020
الترسانة العسكرية للعراق غالبيتها أميركية وروسية (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّلت الترسانة العسكرية التي خلّفها تنظيم "داعش" في سورية، خصوصاً تلك التي استولى عليها خلال سيطرته على أجزاء واسعة من العراق، إلى عنوانٍ للخلاف بين السلطات العراقية من جهة، والنظام السوري ومليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) من جهة ثانية. وتتفاوت التقديرات العراقية بشأن حجم وكلفة تلك الترسانة بشكل عام، لا سيما الأميركية منها، والتي تطالب واشنطن بغداد باستردادها من يد النظام السوري. وكشفت مصادر خاصة من مكتب رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبد المهدي، لـ"العربي الجديد"، أن السلطات العراقية طالبت النظام السوري بتسليم معدات عسكرية مختلفة موجودة في سورية، كان "داعش" قد استولى عليها إبان اجتياحه الأراضي العراقية منتصف عام 2014، ونقل جزءاً كبيراً منها إلى داخل الأراضي السورية. وتتضمن هذه الترسانة أسلحة ومعدات أميركية وروسية حديثة، منها دروع ودبابات وناقلات جند وعربات قتالية وأسلحة خفيفة ومتوسطة، انتهت أخيراً متفرقة بيد قوات النظام السوري، ورُصد عددٌ منها خلال هجوم هذه القوات في شهر فبراير/شباط الماضي على ريف محافظة إدلب. كذلك تحاول بغداد الضغط لاستعادة الأسلحة التي استحوذت عليها مليشيا قوات سورية الديمقراطية "قسد" المنتشرة في محافظة الحسكة السورية وأجزاء من محافظة دير الزور، وتلك التي وصلت إلى فصائل عراقية وإيرانية مسلحة موجودة في سورية أيضاً لدعم النظام.

وعلى الرغم من هذه المطالبات العراقية، تحدثت المصادر عن مماطلة نظام بشار الأسد في تسليم الأسلحة والمعدات، متجاهلاً وجوب التعامل معها وفقاً للقانون الدولي، أي معاملة الممتلكات المنهوبة أو المهربة التي توجب قيام الطرف الذي انتهت إليه بتسليمها للجهة الأصلية المالكة. كما أشارت المصادر إلى أن مليشيات "قسد" رفضت من الأساس تسليم ما في حوزتها، موضحةً أن قيمة تلك الأسلحة والمعدات كبيرة، لكن الأهم أن الجانب الأميركي يعتبر العراق مسؤولاً عن استردادها من نظام الأسد تحديداً.

ووفقاً للمصادر نفسها، فإن النظام السوري يستخدم أساليب عدة في المماطلة بهذا الملف، علماً أنه كان يتركه خلال الفترة الماضية لزعيم "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني (قتل بغارة أميركية في العراق أوائل العام الحالي)، على اعتبار أن الأخير كان "يملك تأثيراً وكلمة على المسؤولين في بغداد، وسيعتبر أن وجود الأسلحة لدى قوات الأسد أو في العراق سيّان ضمن الحرب على الإرهاب". واعتبرت المصادر أن مطالبة العراق بالمعدات العسكرية، تعود بالدرجة الأولى إلى أن الأميركيين يُواصلون تحريك الملف، على اعتبار أنها أسلحة أميركية بحوزة النظام السوري ومليشيات مرتبطة بإيران.


وكانت مقاتلات "التحالف الدولي" قد حرصت على استهداف الأسلحة الأميركية التي استولى عليها "داعش"، وذلك عن طريق القصف الجوي بين عامي 2014 و2017، بهدف منع التنظيم من الاستفادة منها، أو الحصول على أريحية في مواجهاته مع القوات العراقية. لكن بالنسبة للتي تمّ نقلها إلى سورية، فقد نجا الكثير منها من القصف. وتتضمن على سبيل المثال رشاشات "أم 4" و"أم 16" و"أم كي 14" و"أم 240" المحمولة على العربات، وقاذفات "أي تي 4"، فضلاً عن عربات مثل "همفي" و"هامر" و"أم 17" و"سترايكر"، بالإضافة إلى عربات ضد الألغام وناقلات جند، ومدافع ميدان ومعدات أخرى.

وتُقدر المصادر قيمة الترسانة العسكرية العراقية التي استولى عليها "داعش" خلال اجتياحه مدن شمال وغرب العراق، وغالبيتها أميركية وروسية، بنحو مليار دولار. مع العلم أن وزير الدفاع العراقي الأسبق (2014 - 2016) خالد العبيدي، تحدث في يناير/ كانون الثاني 2016 عن خسارة الجيش تجهيزات أمنية وأسلحة تقدر بـ27 مليار دولار سيطر عليها "داعش".

وكانت أغلبية الترسانة التي استولى عليها "داعش" موجودة في قاعدة الغزلاني بالموصل التي كانت تضمّ الفرقة الثانية بالجيش العراقي، وكذلك في قاعدة عسكرية في تكريت شمال العراق، فضلاً عن ثكنات ومواقع متقدمة غرب البلاد، غير أنها تعرضت لقصفٍ ممنهج من قوات التحالف والقوات العراقية ضمن خطة تدمير بنى التنظيم العسكرية، قبل الهجوم البرّي لتحرير المدن من سيطرته. وتشير تقديرات إلى أن أقل من ربع تلك المعدات والأسلحة موجود اليوم في الأراضي السورية.

وأقر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عباس سروط، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بوجود أسلحة عراقية في الأراضي السورية كانت بيد "داعش"، مبيناً أن "العراق تعرض إلى نكسةٍ أمنية كبيرة بين عامي 2014 و2017، يتحمل مسؤوليتها قادة ومسؤولون محليون لا بد من محاسبتهم وإعادة فتح ملفاتهم، والتي تحاول جهات سياسية إغلاقها، ومنها ملفات سقوط الموصل والانهيار الأمني وانسحاب القوات العراقية من مواجهة داعش، وليس انتهاءً بمجزرة سبايكر والمختطفين والمغيبين، وحتى ما استولى عليه تنظيم "داعش" من أسلحة وآليات وباتت حالياً في أيدي جهات متعددة". ولفت سروط إلى أن "الدورة البرلمانية الحالية كانت بصدد طرح مثل هذه الملفات، لكن الأحداث التي عصفت بالبلاد أخيراً حالت دون ذلك".

وحمّل سروط الحكومة العراقية "المسؤولية الأولى والأخيرة، وتحديداً القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، لمخاطبة الجهات المعنية، سواءً الخارجية أو الداخلية، من أجل استعادة ما نهبهُ التنظيم من القوات العراقية، والذي يعتبر مُلكاً للدولة"، معتبراً أنه من الضروري "موازنة المجاملات السياسية والصداقات بين العراق وجهات تستخدم اليوم هذه الآليات، على ألا تتسبب بضررٍ للبلاد".

أما رئيس لجنة الأمن في البرلمان العراقي بدورته السابقة، حاكم الزاملي، فأكد أن "العراق انشغل خلال السنوات الماضية بأزماته ومشاكله السياسية وبالحروب، ولم يطالب إلى حدّ الآن بالمعدات والأسلحة العراقية التي تستحوذ عليها حالياً مليشيات قسد والقوات السورية (النظام)، مع العلم أنها تعتبر في ذمة القوات العراقية". وبيّن الزاملي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "داعش هو من نقل الآليات العراقية إلى سورية وليس أي طرف غيره، لأنه كان يحتل مساحات واسعة من الأراضي السورية وثلث الأراضي العراقي المجاورة، ما حوّل الحدود بين البلدين إلى ساحة واحدة".

وأشار المسؤول العراقي إلى أن بلاده "خسرت آليات كثيرة وذات قيمة، منها دبابات ومدافع وأسلحة متنوعة، وهي تعادل أسلحة ثلاث فرق عراقية كانت موجودة في مدن الموصل وصلاح الدين والأنبار"، لافتاً إلى أن "القليل منها تمّت استعادتها بعد معارك التحرير والقضاء على التنظيم، والقسم الآخر تم تدميره خلال سنوات الحرب، لكن القسم الأكبر تمّ نقله إلى سورية، وعلى بغداد مخاطبة هذه الجهات". وبشأن ما أثير حول وجود معدات انتهت في يد حزب الله اللبناني، نفى الزاملي أن "يكون للحزب دور في الحصول على المعدات العراقية، لأن الحرب كانت في سورية والعراق وليس في لبنان"، بحسب تعليقه.

من جهته، رأى الخبير بالشأن السياسي العراقي محمد التميمي أن "طيران التحالف الدولي توّلى خلال سنوات الحرب مهمة تدمير بنى تنظيم داعش الأساسية، ومنها السلاح الذي تمكن من جمعه من خلال هجماته على معسكرات الجيش أو استيلائه عليها داخل المدن من وحدات الجيش التي انهارت عام 2014، وأغلبها كانت أسلحة أميركية". وفي اتصالٍ مع "العربي الجديد"، لفت التميمي إلى أنه "خلال سنوات الحرب في العراق، دمّر الطيران الأميركي عربات الهامفي والهامر والدبابات التي استولى عليها داعش، وتبقّت الذخيرة والمتفجرات والصواريخ المحمولة على الكتف والصواريخ الموجهة الصغيرة وأسلحة مختلفة أخرى"، مستبعداً أن "تكون هناك الكثير من الأسلحة لدى النظام السوري أو أي جهة أخرى، لأن غالبيتها دُمّر".

ولم تتمكن الكيانات السياسية العراقية من فتح ملف سقوط الموصل واحتلال تنظيم "داعش" للأراضي العراقي، داخل البرلمان، وذلك لاعتبارات غالبيتها سياسية، فيما ترى شخصيات عراقية عاصرت واشتغلت في حكومات ما بعد عام 2003 أن رئيس الحكومة العراقية السابق نوري المالكي هو المتسبب بسيطرة التنظيم على مساحة تقدر بنحو ثلث الأراضي العراقية. ومن هؤلاء السياسيين، وزير النقل العراقي السابق باقر جبر الزبيدي، الذي قال في تصريحاتٍ سابقة إن ثلاث جهات تتحمل مسؤولية سقوط الموصل بيد "داعش"، مبيناً أن "الجزء الأكبر من المسؤولية يقع على القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي"، وموضحاً أن "الجيش العراقي خسر أسلحة تقدر قيمتها بنحو 27 مليار دولار، بعضها ذهب لقوات البشمركة الكردية، والبعض الآخر استولى عليِه داعش".